عجيب أمر الشيخ يوسف القرضاوي. في ذكرى النصر يذكرنا بالهزيمة. يتخذ من منبره في الدوحة منطلقًا ومن خطبة الجمعة سياقاً للنيل من الجيش المصري. في عيد الجيش ويوم فخاره يلمز الشيخ من قناة المؤسسة العسكرية ويعرض بها و يعيرها بما حدث قبل 43 عامًا. سيقول مريدو الشيخ أن السياق يراد منه أن تستخلص العبر وتلخص الدروس المستفادة و يتم التنبيه إلى أن انشغال القادة العسكريين بالسياسة صرفهم عن الاهتمام بواجباتهم العسكرية، ومن ثم كان سبب الهزيمة التي مني بها قادة الجيش المصري في يونيو 1967،وقياسًا على ذلك فإن انشغال قادة الجيش حاليًا بالسياسة سيعيد شبح الهزيمة إلى الأفق. من يسمع حديث الشيخ القرضاوي لابد أن تسترعيه بعض النقاط المحيرة ومن بينها مايلي: - من حق الشيخ الكبير ولاريب أن يتناول الشئون المصرية بالنقد والتحليل واستخلاص الدروس المفيدة ولكن ألم تلهمه ذكرى انتصار أكتوبر؟ – الانتصار المصري الوحيد منذ عهد محمد علي والانتصار العربي والإسلامي الوحيد منذ ماهو أبعد من ذلك – بدروس تبث الهمة في الروح المصرية غير حديث الهزيمة؟ ماذا عن دروس الوحدة الوطنية والدينية، الإيمان، والتوكل على الله، التخطيط العلمي والعمل الجاد والدؤوب بالفداء وبذل الحياة.. كل هذه المعاني أما كانت أولى بالحديث في ذكرى النصر علها تحيي الأمل في النفوس؟ - إذا كان التنبيه إلى مخاطر انشغال العسكريين بالسياسة أمراً ذا بال ووبال ويراه الشيخ السبب في الهزيمة فلما لم يعجل بهذا التنبيه فيما سبق؟ أم أن 43 ذكرى لهزيمة يونيو لم تكن كافية للوفاء بهذا الغرض؟ - مع التسليم بأن أحد أسباب الهزيمة التي لحقت بالبلاد في عام 1967 وهي كثيرة ومتشعبة هو انشغال القادة العسكريين عن مهامهم الأساسية- بالسياسة أو غيرها، فلا يمكن مقارنة الأوضاع الحالية بالمنحدر الذي آلت إليه الأوضاع قبيل ومع يونيو 1967. المقارنة ظالمة ومجحفة ولاتجوز بحق قيادات وضعت نفسها ظهيرًا لشعبها وحفيظًا على وطنها وترابه سواء في يناير 2011أو بعده حينما تبدت لها المخاطر المحيقة بالوطن وأيقنت من حتمية التدخل للحماية والإنقاذ. فعلت ذلك في وقت وجيز ثم انسحبت إلى حدود دورها المعروف ومحيط ثكناتها المعهودة لتتجنب الأخطاء التي وقع فيها المجلس العسكري في تجربة الالتحام الذي فرض عليها قسرًا مع عالم السياسة الشرس والمتقلب. - يصر القرضاوي على الإفصاح عن عدائه الذي استفحل ضد الجيش المصري منذ عزل الرئيس السابق محمد مرسي. وما الخطب المتتالية التي تنال بسوء من الجيش المصري بمناسبة ودون مناسبة إلا فصولا في كتاب العداء الكبير للمؤسسة العسكرية. والمؤكد أن الشيخ لا يحسن اختيار بعض المناسبات للتنفيس عن عدائه هذا. وإلا فلما يختار مناسبة غالية على قلب كل مصري بل وكل عربي حر هي انتصار أكتوبر المجيد ليلوي عنقها ويحولها من يوم للفخر والاعتقاد في قدرة الإنسان المصري والعربي على تخطي الصعاب إلى يوم لاجترار الأحزان على هزيمة مريرة لها ظروفها وأسبابها التي هي أبعد بالتأكيد مما ساقه القرضاوي؟ - يشتط الشيخ ومريدوه في الهجوم على المؤسسة العسكرية ربما دون أن يلاحظ أنه بذلك يثير حفيظة غالبية الشعب المصري الذي يعتز بحرب أكتوبر كعنوان لاستعادة الكرامة والقدرة على الإنجاز والإعجاز بقدر ما يعتز بمؤسسته العسكرية التي كان لها الدور الأكبر والأعظم في تحقيق هذا الإنجاز. وهو دأب يسير دأب عليه الكثيرون مؤخراً، تجاهل المشاعر الشعبية الجارفة أو التشكيك فيها أو الدخول في مواجهة معها. والحال أنه في كل مرة يقع هذا البغض في هذه الغلطة يخسرون كثيراً على صعيد المصداقية والقبول الجماهيري والقدرة على التأثير.
وعلى الخطى نفسها يسير مؤيدو جماعة الإخوان لا من حيث العداء المستطير للجيش المصري وإنما استهداف مناسبة عزيزة هي ذكرى انتصار حرب أكتوبر ليحولوها إلى ساعة صفر لمواجهة غير محمودة العواقب مع المؤسسات الأمنية والعسكرية. المؤكد أن أحداً لن يستلب من هذا اليوم رمزيته وبريقه ولكن أن يعمد البعض إلى تحويله ليوم مخضب بالعداء والدم فهذا غير مقبول ولا مغفور.