في الثالث من أغسطس 2011، مثل الرئيس المخلوع حسنى مبارك أمام المحكمة كأول رئيس جمهورية عربي يقتلعه شعبه من على كرسي الحكم ، مع نجليه جمال وعلاء ووزير داخليته حبيب العادلي وستة من كبار مساعديه ورجل الأعمال الهارب حسين سالم والذي غاب عن جلسات المحاكمة حتى وقتنا هذا، وتعددت جلسات المحاكمة بسبب التأجيل ورد المحكمة، وصولا إلى جلسة الأربعاء 28 من ديسمبر 2011 ، والتى إنتهت أيضا بالتأجيل إلى جلسة يوم الاثنين القادم أول يناير 2012 . وبالنظر والتدقيق لاحداث هذه المحاكمة بجلساتها المتعددة حتى الآن.. فإنى أجزم أنها ليست محاكمة بالمعنى الحقيقي للكلمة.. ليست محاكمة تاريخية كبرى كما ينبغي لها أن تكون.. ولكنها في الحقيقة مخادعة كبرى.. مخادعة لشهداء ومصابي الثورة وذويهم.. مخادعة لشعب مصر بأكمله.. بل مخادعة للعالم كله الذي يتابع بشغف وقائع المحاكمة جلسة بعد الأخرى.. الكل في الداخل والخارج يتابع وقائع المحاكمة الكبرى آسف المخادعة الكبرى.. والسؤال الآن: لماذا هي مخادعة وليست محاكمة؟ من المعروف أن من يريد أن يفعل شيئا أى شىء، لابد أن تتوافر لديه الرغبة في العمل ثم القدرة على أداء هذا العمل.. هنا فقط سوف يستطيع أن ينجز عمله على الوجه الأكمل، والعمل هنا هو محاكمة المخلوع وأعوانه، والقائم على هذا العمل هم القضاة، لكن القادر على التحكم في توجيه دفة المحاكمة - مع إحترامي الشديد للقضاء المصري - هو المجلس العسكري الذي يمتلك زمام السلطة فى البلاد. إذن.. وليكن السؤال صريحا، هل المجلس العسكري لديه الرغبة ثم القدرة على محاكمة الرئيس المخلوع ورموز نظامه محاكمة جادة وعادلة؟. وفي إجابتى على هذا السؤال، أقول - ورزقي على الله - دعونا نتذكر كيف بدأت ومتى بدأت المحاكمة منذ أن تولى المجلس تقاليد الأمور في البلاد بعد تخلى المخلوع عن رئاسة الجمهورية في 11 من فبراير 2011، تولى المجلس الحكم وسارت الأمور كالمعتاد لعدة شهور دون حديث أو تفكير منه في محاكمة المخلوع أو غيره، حتى نظم الثوار مليونية الثامن من يوليو 2011 وكان على رأس مطالبها سرعة محاكمة مبارك ورموز نظامه البائد، فاضطر المجلس أمام الاحتقان الشعبي فى كل ميادين مصر إلى الإعلان عن محاكمة مبارك ورموز نظامه.. حتى بدأت المحاكمة جلستها الأولى في الثالث من أغسطس 2011. أي بعد التنحي بستة أشهر كاملة. نفهم من ذلك كما يفهم أي عاقل سوي التفكير، أن المجلس لولا ضغط الشارع لما أقدم أو فكر من الأساس في محاكمة المخلوع ورموز نظامه البائد، وأنه لم يكن صاحب المبادرة في تقديم المخلوع ورموز نظامه إلى المحاكمة، بل أن تلك المحاكمة، جاءت استجابة محسوبة ومدروسة بدقة، لاحتقان الشارع المصري. إذن الرغبة في الأداء غير موجودة لدى القابض على حكم البلاد والقادر على التحكم في سير المحاكمة. تبقى القدرة على الأداء.. أي قدرة المجلس العسكري على محاكمة المخلوع ورموز نظامه البائد محاكمة جادة وعادلة؟ مما لاشك فيه - ظاهرا وليس باطنا؟؟ - أن المجلس لديه القدرة على إجراء محاكمة جادة للمخلوع ورجاله وأبنائه، لأنه ببساطة يقبض على كل السلطات في البلاد في هذه الفترة الانتقالية التي تشهدها مصر ، بل لديه القدرة على محاكمتهم شعبيا وعسكريا وليس مدنيا فقط كما يحدث الآن. إذن المجلس لديه القدرة على الفعل.. لكن لماذا لايفعل؟ لأنه ليس لديه الرغبة في الفعل.. لكن يظل السؤال: لماذا ليس لديه الرغبة في الفعل؟ أترك الإجابة على هذا السؤال للقارىء، أو لمن لديه الملعلومات، أو لمن يمتلك القدرة على البحث بشجاعة في بواطن الأمور.. وطالما لم تتوفر الرغبة في الفعل، حتى لو توفرت القدرة، فسوف يفقد الفعل بالضرورة العنصر الأهم، آلا وهو الجودة في الأداء بما يحقق النتيجة المرجوة منه في نهاية الأمر، وعليه فإن مشاهد هذه المحاكمة في هذه المنظومة ، لن تسفر أبدا في النهاية عن أحكام قضائية تحقق مطالب الثورة، وتتناسب مع ما اقترفه المخلوع ورجاله من سلب ونهب لأموال الشعب، وتزوير لإرادة الأمة، طيلة ثلاثيين عاما، فضلا عن قتل وإصابة آلاف المتظاهرين الشرفاء الذين هبوا لمواجهة الظلم والفساد والاستبداد يوم 25 يناير. ولذلك كله..أعود فى النهاية لأجزم - بما استطيع أن أجزم به - أن مايجري الآن في ساحة المحكمة للمخلوع ورجاله وأبنائه.. ليست محاكمة.. ولكنها مخادعة؟، وفي ذات الوقت أؤكد على أن الشعب المصري لن يرتضي أبدا إلا بمحاكمة جادة وعادلة، تنصف المظلومين، وتعيد لهم حقوقهم، وتعاقب الظالمين على ما اقترفت أيديهم من ظلم وقتل وفساد وإفساد، والله على الظالمين.