صورة الفتاة المصرية، "ام العباية السوداء" التي سحلها الجنود على الطريق وعرَي جسدها على الاسفلت، سوًدت وجوهنا جميعا وجعلتنا نشعر بالغثيان والعار من انفسنا اولا لاننا قبلنا ولا نزال، بالرضوخ للمستبد. هذه الفتاة الحرة عندما عراها الجنود عرّت فاشية العسكر وعرَت ضعفنا امام السلطات التي لا تزداد شراسة وغيا الا بتسليمنا الكامل بسلطتها واذعاننا لمنطق قوتها. واذا كان هذا المشهد حصل، بعد عشرة اشهر من انتصار "ثورة 25 يناير" التي ما قامت الا لكي تدافع عن كرامة المصريين وعزة انفسهم، وبعد سنة ونيف من احراق محمد البوعزيزي نفسه في تونس لانه اهين بصفعة من شرطية كانت ترى ان اهانة الناس جزء من عملها الروتيني العادي، فكيف كان الامر في هذين البلدين قبل قيام الثورتين؟ واي ذل كان يعاني الناس وسط الصمت المريب؟ وكيف هو حال المواطن العربي الذي لا يزال يعيش في ظل الانظمة البوليسية التي لم تسقط بعد، والتي يتصرف فيها ذوو البزات العسكرية وكأن رؤوسهم فوق النجوم ونعالهم فوق البشر؟ "ام العباية السوداء" ورفاقها الذين كانوا معها في الميدان ونالوا ايضا نصيبهم من الهراوات والسحل والضرب، هم انفسهم الذين انتفضوا دفاعا عن كرامة الجندي المصري الذي قتله الاسرائيليون على الحدود، وقت وقفت الدولة والجيش عاجزين غير قادرين على رد الإهانة. هؤلاء هم شباب مصر ومثقفوها الذين نزلوا الى الشوارع في "25 يناير" يطالبون بالحرية والكرامة، ولما اكتشفوا أن الحلم الذي ضحوا من اجله بأكثر من ألف شهيد، وآلاف الجرحى، والمئات الذين فقدوا بصرهم كي تعود الانوار الى مصر بعدما حرمتها عقودا طويلة، قرروا ان يواصلوا المشوار من اجل بناء مصر الجديدة النظيفة من الفساد والاستبداد. آن للأنظمة ان تدرك بعد الذي حصل في مصر وتونس وليبيا والذي يحدث اليوم في سوريا، ان الزمن تغير، وان عصر القمع والافراط في استخدام القوة انتهى ولن يعود لأن قوة المجتمع لن تتراجع بعد مشاركتها في صنع الانظمة السياسية الجديدة، فالحكم لم يعد وحيا وإلهاما من مجموعات الكهنة الجالسين خلف الكواليس يخططون ويختارون ويديرون... وعلى الشعب انتظارهم تحت الشرفة ليعرف المستقبل. المستقبل اليوم يصنع في الشارع، والشارع تعلم كيف يدافع عن نفسه وهو يرفض الخضوع للظلم. الثورة ايقظت المجتمع الذي نام نومة اهل الكهف منذ 60 سنة... ولن يعود المجتمع الى سكونه، الا بعد ان تعود الدولة الى رشدها، بالتوقف عن القمع وسيلة وحيدة للحكم. ------------------------------- عن صحيفة " النهار " اللبنانية