لم يجد ثاني أكبر المتاحف العراقية في السليمانية أفضل من الدفع لمهربي القطع الأثرية مقابل استرجاع ما سرق من المتحف خلال السنوات الثماني الأخيرة، فالمتحف الواقع في شمال كردستان، اتخذ إجراءات فريدة لإعادة القطع الأثرية إلى مكانها بعد أن تكررت عمليات السرقة.. حول ذلك، قال ستيوارت جيبسون، مدير مشروع متحف السليمانية التابع لليونيسكو إن موقف اليونيسكو وجميع المتاحف الدولية يتركز على ضرورة عدم الدفع مقابل استرداد القطع المسروقة، لأن هذا الأمر ببساطة سيشجع على السرقة. ولطالما كانت قضية تهريب القطع الأثرية تؤرق العراقيين وخصوصا بعد دخول القوات الأمريكية وانتشار الفوضى في 2003، حيث دخل لصوص إلى المتحف الوطني في بغداد وسرقوا قطعا تعود إلى آلاف السنين، أي وقت نشوء حضارة ما بين النهرين. وتشير التقديرات إلى أن نحو 170 ألف قطعة سرقت حينها من المتحف، إلا أن السلطات العراقية تؤكد أن عدد القطع لم يتجاوز ال15 ألف قطعة، وأنه تمت إعادة 6 آلاف منها إلى المتحف عند افتتاحه في 2009. ورغم أن هذه الخطوة فتحت باب الجدال بالنسبة لخبراء الآثار، يبدو أن نتائجها كانت جيدة، فإحدى القطع التي تمت إعادتها إلى المتحف هي مخطوطة أثرية عن أساسيات الديمقراطية أعيدت مقابل 600 دولار أمريكي فقط. ويقول الدكتور فاروق الراوي، الأستاذ في قسم اللغات والثقافات بالشرق الأوسط بكلية الدراسات الشرقية والإفريقية في لندن إنها مخطوطة سامرائية كتبت خلال العهد البابلي القديم، أي بين 1800 و 900 قبل الميلاد. ويشير الراوي إلى أن هذه المخطوطة هي الأولى التي تتحدث عن الديمقراطية، وبناء المجتمع المدني، وهي مفارقة طريفة في مجتمع ما زال يتلمس خطاه باحثا عن الديمقراطية والاستقلالية. وبعد الخطوة الفريدة التي اتخذها المتحف، انخفضت بصورة كبيرة ظاهرة تهريب القطع الأثرية في المنطقة ككل، بسبب زيادة الوعي بشأن أهميتها والجهود الموحدة التي تبذلها السلطات.. إلا أن المؤسسات الدولية تؤكد أن على المجتمع الدولي القيام بالمزيد لوقف هذه الظاهرة.