مدفوعًا بحبى للحق والخير والجمال فى اتجاه الفن, تقدمت للدراسة فى معهد الفنون المسرحية.. تم قبولى .. وانتظمت فى الدراسة. وفى أحد أيام الدراسة فى سنة أولى معهد وفى محاضرة لأحد الأساتذة الكبار.. صاحب الهيبة والصيت بل والباع, فهو الأستاذ النجم -الممثل النجم - المخرج النجم - المنتج النجم.. تحدث الأستاذ عن الفن كقيمة ورسالة تنويرية وأخلاقية و جمالية. كانت هذه الكلمات ذات الوقع الفخم والجليل ضعيفة الأثر على أذنى فقد كان بأذنى ساعتها صوت (المرحوم) حسن الأسمر صادحا: يا واد يا باشا – يا ابو البشاشة – قلبى الى راح لك – لسه ما جاشا. من إعلان لمسرحية من إخراج وإنتاج الأستاذ مهيب الطلة.. وهى مسرحية كوميدية تجارية عادية خالص .. لا تحمل أى صدى لتلك الكلمات الفخمة. ولأننى كنت فى فورة الشباب حيث الأشياء لا تقبل القسمة على اتنين, وحيث الأحكام حادة وحماسية وصافية.. فانطلقت كالسهم الذى خرج من قوسه بلا رجعة.. - : الكلام بتاع إن الفن رسالة ده كلام محاضرات, كلام نظرى مالوش علاقة بالواقع العملى .. لأننا فى الواقع العملى ما بنشوفش غير يا واد يا باشا – لسه ماجاشا .. و مدرسة المشاغبين .. وهى أيضا من إخراج حضرتك. وانطلق حوار ساخن وحاد بين طالب لسه فى سنة أولى وكمان فى اول السنة, وبين الأستاذ المهيب وسط دهشة وذهول بقية الطلاب والأستاذ المعيد المصاحب للأستاذ المهيب.. التهم الحوار وقت المحاضرة.. لم نصل لنقطة التقاء.. ولكن ..... كان من نتائج هذا الحوار أنى خرجت من جنة المهيب بلا رجعة.. و حُرمت من دخول الامتحان لتكرار غيابى عن المحاضرات.. و لكنى ظللت متمسكا برأيى فى أن يتسق القول مع الفعل. وعندما نزلت لسوق العمل كنت مصرا -إصرار شباب التحرير- على أن اقدم مسرحا يحمل صدى الكلمات الفخمة (الفن رسالة تحمل الحق والخير والجمال).. وقدمت العديد من المسرحيات على هذا المنوال ولك ان تتخيل كم العناء والعنت وحرقة الدم وضياع العمر فى سبيل أن تفعل ذلك, فى عصر يكرّس للتفاهة ويدعم الهبل ويقف بالمرصاد لكل ما هو جاد, فتم إغلاق بعض مسرحياتى فى عز نجاحها.. وقبرت مسرحيات أخرى.. ولم يسمح بخروج الكثير منها للنور وقل العمل وضاق الرزق ولكن لم يفتر الحماس ولم يتزعزع الإيمان ولم يغب الأمل ولم يتوقف العمل.. حتى جاء النجاح على المستوى الشخصى.. وحتى تحقق الحلم الأكبر وقام المصريون بأعظم الثورات.. ففتحت الثورة بابا واسعا للديموقراطية.. وأصبحت انتخاباتنا حرة .. فتقدم كل من يرى فى نفسه قدرة على خدمة الشعب.. وممن تقدموا للانتخابات الدكتورة (عزة الجرف) مرشحة الإخوان التى فاجأتنى بكلمتها فى مؤتمرها الإنتخابى حيث قالت: .. (الفن هدم منظومة القيم الأخلاقية فى المجتمع).. ودللت على ذلك بمدرسة المشاغبين .. على اعتبار أن الفن المصرى كله عبارة عن مدرسة المشاغبين.. أو على اعتبار ان كل العاملين بمهنة الفن شاركوا فى مدرسة المشاغبين وبالتالى لازم نأدبهم ونربيهم.. وشوف انت بقى واحد زى حالاتى كده -و اللى زى حالاتى كتير- لما يسمع كلام زى ده.. ما يجيلهوش جلطة ازاى ؟؟؟؟؟