من الجمل الشائعة منذ انطلاق الثورة المصرية الكبرى جملة "جايين تتكلموا دلوقت.. كنتم فين قبل الثورة".. يطلقها البعض عن حق و الغالبية تطلقها لغواً وجهلاً أو تجهيلاً، ظناً منهم بأن الفن هو شوية التهييس والتنطيط التى لا يرون سواها فى الفضائيات، ولكن الفن المصرى طول عمره يقول بالثورة ويبشر بها تلميحاً وتصريحاً وصراخاً وصداماً، حتى تصل رسالة التنوير إلى الشعب المستهدف الأول من أى فنون. وقد لاقى الفنانون عناءً كثيراً فى سبيل وصول رسالتهم، بعضهم دفع عمره وبعضهم ضُيق عليه الخناق حتى اختنق، ومازال بعضهم يعطى. والآن.. ألم ير المصريون تجليات الثورة فى أفلام: "المصير، الإرهاب والكباب، النوم فى العسل، البريء، سواق الأتوبيس، المصير، دم الغزال، هى فوضى، دكان شحاتة وغيرها"؟ ألم ير المصريون تجليات الثورة فى أكثر من ثلاثة أرباع الإنتاج المسرحى، لدرجة أن صار البعض يتندر على ذلك؟ ألم ير المصريون تجليات الثورة فى مسلسلات "ليالى الحلمية، وجع البعاد، جمهورية زفتى، أوراق مصرية وغيرها"؟ ألم يتغن شعراء مصر - الكبير منهم والصغير- بالثورة وبشروا بها؟ تذكر قول صلاح عبد الصبور: "يا أهل مدينتنا هذا قولى.. إنفجروا أو موتوا"! وقول أحمد قؤاد نجم: "لما بتهل البشاير من يناير"! و قول سيد حجاب: "ونلم عاد الحكاية.. و نرد بابها عليها ومواكب الفرحة جاية.. جايبة واطيها عليها"! وقول صلاح جاهين: "مصر التلات أحرف الساكنة اللى شاحنة ضجيج زوم الهوى.. وطقش موج البحر لما يهيج"! و لكن يظل القول المدهش و المعجز و المبهر.. قول مولانا الإمام سيد شعراء المحروسة فؤاد حداد.. حبوا الوطن فى الحى والشارع من نور لنور.. والجى والطالع نادوا الحضور فى "جمعة الملايين" وإذا وضعنا قبل فى اعتبارنا معلومتان فى منتهى الأهمية، وهما: أولاً: لم تعرف مصر مليونيات في أيام الجمع إللا مع ثورة 25 يناير 2011، ثانياً: والد الشعراء فؤاد حداد لقى ربه قبل ثورة 25 يناير 2011 بأكثر من عشرين سنة، وقتها سنعرف قيمة قوله هذا.. أن هذا الرجل كان مُلهَماً فعلاً، أما قيمته هو كشاعر يجسد روح المصريين الخالصة والشاملة محتاجة مقالات لا تنتهى. يكفى أن نتذكر قوله "ورفعت فنى لمقام الشعب".. خلى الجملة دى بس فى بالك كده يمكن تنفعك فى يوم، وإنت قاعد تتفرج على أى فنان أمّور فى الفضائيات بيقول: عاوزين ننزل للناس.. على اعتنبار إنه طلع يعنى.