انتعشت بورصة الفتاوي السياسية في مصر خلال الأيام القليلة الماضية، ووجهت بالأساس ضد منافسي التيار الإسلامي من فلول النظام السابق أو الليبراليين، بل اعتبرت أن الأقباط خصم سياسي للشريعة رغم معرفة بعضهم وتأكيد بعضهم الآخر على احترام الشريعة لحقوقهم، ولكن صدرت فتاوى ضدهم تحرم التصويت لهم. الواقع يبين لنا أن الفتاوى السياسيه عرفت طوال عهد النظام السابق، فلا ينسى المصريون تلك الفتوى التي أطلقها شيخ الأزهر الراحل الدكتور سيد طنطاوي ضد الصحفيين المنتقدين للرئيس السابق حسني مبارك، وأجاز فيها جلدهم وجلد الخارجين على الإمام السابق (الرئيس السابق ) حسب حد القذف!! ثم فتوى الشيخ محمود عامر رئيس جماعة أنصار السنة المحمدية، التي أجاز فيها أن يولي الرئيس من يشاء، في إشارة لإمكانية التوريث لجمال مبارك نجل الرئيس السابق، وأطلق الشيخ نفسه فتوى أهدر فيها دم الدكتور محمد البرادعي، في أعقاب دعوته إلى العصيان المدني في أنحاء البلاد، ولم تغب الكنيسة عن تلك النوعية من الفتاوى، حيث بارك البابا شنودة ترشح الرئيس لولاية رئاسية خامسة. ورغم أن تلك الفتاوى لم تؤت ثمارها، ولم تمنع المصريين من الثورة على نظام حكم الرئيس السابق وإسقاطه في 11 فبراير الماضي، وإجهاض حلم نجله الأصغر في خلافته بالحكم، إلا أن بعض المشايخ مازالوا يصرون على انتهاج الطريقة نفسها في التعامل مع منافسيهم السياسيين في معركة نحو السيطرة على أول برلمان بعد الثورة يمتطون مشاعر الدين رغم أننا في سباق سياسي تنافسي مدني بالأساس. كانت البداية بإطلاق الشيخ عمر سطوحي - أمين عام لجنة الدعوة الإسلامية بالأزهر- فتوى تحرم التصويت في الإنتخابات لصالح فلول الحزب الوطني المترشحين في الانتخابات البرلمانية. وقال سطوحي في فتاواه: "لا يجوز لأي مصري غيور على دينه ووطنه ويحب مصر أن يصوت لأمثال هؤلاء-فلول النظام السابق- خاصة لمن أثبتت التحقيقات والقضاء أنهم أفسدوا الحياة السياسية، وأظهروا مصر أمام العالم بصورة سيئة، وخاصة إذا سمح لهم بالدخول والترشيح؛ لأنهم لن ينسوا ما حدث لهم ويكنون في نفوسهم حب الانتقام والانتصار للنفس، مما بدر من الشعب ضدهم. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل وصف من يصوت لهم ب"الخائن لوطنه"، وقال "كل من يصوت لصالحهم يعد خائنًا لوطنه، حتى وإن أظهروا الحب لمصر، فهذا خداع وغش ومكر بهدف الوصول إلى أهدافهم التي يخططون لها، وعلى الشعب أن ينتبه لكل ذلك وأن يلتزم بقول الرسول صلي الله عليه وسلم "لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين". لم تقف حرب سطوحي ضد الفلول عند هذا الحد، بل ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث أفتى بعدم مصاهرتهم، أي تزويجهم أو الزواج منهم، لأنهم لم يكونوا أمناء على الوطن، وقال في فتاواه: "إذا كانوا قد ضيعوا أمانة الشعب كله وأفسدوا الحياة فى مصر التى أكلوا من ترابها وعاشوا على أرضها وشربوا من مائها واستظلوا بسمائها فمن السهل عليهم أن يضيعوا أمانة الأسرة والزوجة"، وقدم سطوحي على فتاواه دليلين من السنة. وقال "عندما سئل سيدنا عثمان عن مواصفات الزوج الذى يريد الزواج من فتاة، فقال لأبيها: "زوجها لتقى، فإن أحبها أكرمها، وإن كرهها فلن يظلمها"، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جاءكم من ترضون خلقه ودينه فزوجوه"، وبالقياس لا يجوز الزواج ممن لا نرضى عن خلقه ودينه، ووصف بنات فلول النظام السابق بأنهن مثل "خضراء الدم"، وهي المرأة الحسناء في المنبت السوء، التي حذر منها النبي الكريم في قوله "إياكم وخضراء الدم". غير أن أكثر الفتاوى إثارة للجدل صدرت عن شيخ لطالما أثار الجدل بفتاواه في عهد النظام السابق، إنه الشيخ محمود عامر القيادي بالتيار السلفي، حيث أصدر فتوى حرم فيها التصويت في الانتخابات البرلمانية المقبلة لمن وصفهم ب"العلمانيين والليبراليين والأقباط"، معتبراً أن من يصوت لصالحهم آثم، وخائن للأمانة، وسبق لعامر إطلاق فتوى تجيز توريث الحكم لنجل الرئيس الأصغر جمال مبارك قبل نحو عام من الآن، وأطلق هو نفسه فتوى إهدار دم الدكتور محمد البردعي بدعوى "الخروج على الحاكم الشرعي الرئيس حسني مبارك، وشق عصا الجماعة". في سياق الفتوى نفسها، ولكن بقناع ذهب أحمدي قاسم، وهو قيادي بجماعة الإخوان المسلمين وأحد المرشحين للانتخابات المقبلة بمحافظة الفيوم، خلال لقاء انتخابي أن الانضمام لحزب الحرية والعدالة ما هو إلا صورة من صور العبادة والتقرب إلى الله فى خدمة الشعب المصري. ووفقاً للدكتور على أبو الحسن رئيس لجنة الفتوى بالأزهر سابقاً، فإن استخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية لا يجوز، مشيراً إلى أن من يستغل الشريعة من أجل مصالح سياسية دنيوية آثم، وقال أبو الحسن إن الانتخابات عملية سياسية لا يجب إقحام الدين فيها، فلا يجوز إطلاق الفتاوى التي تحض الناس على التصويت لصالح شخص دون الآخر، مشدداً على ضرورة حض الناخبين على التصويت للأصلح بغض النظر عن ديانته أو لونه أو جنسه، وحذر أبو الحسن من الفتاوي التي تصدر ضد فئة معينة من المصريين، لاسيما الأقباط، معتبراً أنها قد تؤدي إلى الفتنة، وحرق النسل والزرع. غير أنه أنضم إلى جانب الفتوى القائلة بحرمة التصويت لصالح فلول الحزب الوطني المنحل، وقال إنهم أفسدوا الحياة، وساندوا الحاكم السابق وساعدوه على ظلم الناس، ولا يجوز التصويت لصالحهم وتمكينهم من السلطة مرة أخرى، ورفض فتوى عدم مصاهرتهم، وقال إنه "لاتزر وازرة وزر أخرى". أما الشيخ صفوت حجازي الذي برز نجمه بقوة بعد الثورة فقد أفتى فتوى مقنعة بأن المسلم طبيعي أن يصوت للإخوان المسلمين أو السلفيين، أنه -حسب لقاء له في قناة "المحور"- يفتخر بأنه من تربية الإخوان المسلمين، فيما رفض الدكتور أحمد على عثمان، أستاذ سيكولوجيا الأديان بالجامعة الأميركية والداعية بوزارة الأوقاف، استغلال الدين في الأعمال السياسية، معتبراً أن تلك الفتاوى تساهم في تشويه صورة الإسلام في الخارج، وقال عثمان إن التاريخ يحذر من خلط الدين بالسياسة، مشيراً إلى أن الكنيسة عندما خلطت الدين بالسياسية في أوروبا إبان العصور الوسطى أصاب البلدان الأوروبية الخراب، وعندما خلطت الدولة العباسية الدين بالسياسة فسدت وسقطت الدولة الإسلامية، وأنه يحرم استغلاله في السياسة، وأوضح أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهي عن طلب الإمارة، وكان لا يمنحها لمن يطلبها، "من طلب الإمارة فلا تولوه".. وهكذا رغم تأكيد اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات عدم استخدام الشعارات الدينية أو دور العبادة في الدعاية الانتخابية تنشط الفتاوى كما تنشط الخطب وتنشط المزايدة الدينية والإيمانية في المنافسة الانتخابية كما كانت تنشط بين الفرق الإسلامية الأخيرة، وهو أمر لا شك يحتاج لوقفة من أصحابه مع أنفسهم ومع الحاكمين في الشأن العام.