الممارسون للفن غير متمكنين .. والشباب يعيش تحت خط الاستبداد والإضطهاد الأجنبى يفهم مايؤدى .. والعربى يؤدى بلا فهم .. وهذه هى المشكلة لو طلب منى أحد من المطربين الحاليين التلحين لهم سأرفض وبشدة المنولوج خسرناه بالفعل .. والأمل عاد إلى الفن بعد ثورة يناير في عالمنا الثالث، لا يتبادر إلى أذهاننا سوى مشهد العجز والاستعداد إلى الموت، إذا ما رأينا رجلاً في الثمانين، لكن عفواً هذا لا يحدث وأنت في حضرته فهوأقدم وأشهر عازف ترومبيت في مصر، والذي يستعد الآن لدخول موسوعة جينيس للأرقام القياسية، بتخطيه الثمانين من عمره ومازال يعزف على آلته الأثيرة. لم أكن أتخيل أنني سأتقابل مع كتلة من الحيوية والمشاعر الجياشة، لكنني ومع الدقيقة الأولى من لقائنا، أدركت أن هذا الرجل؛ لابد وأن يصل إلى ما هو عليه الآن، فهو يأتي في المرتبة الثانية على مستوى العالم في عزف الترومبيت، بعد الأمريكي أدولف هيرست، الذي استمر في عزف الآلة حتى الخامسة والثمانين من عمره . قدم أكثر من مائة حفل بأوبرا القاهرة والأسكندرية ودمنهور ومهرجانات القلعة، وله العديد من الحفلات خارج مصر فى مختلف قارات العالم، عزف مع كبار المطربين مثل أم كلثوم ، محمد عبد الوهاب ، فريد الاطرش ، عبد الحليم حافظ وإسماعيل ياسين فى منولوجاته المتعددة، كما لحن لثريا حلمى منولوج "عيب عيب " بالإضافه إلي مطربين من الولاياتالمتحدة وأمريكا اللاتينيه وغيرها. إنه الفنان رؤوف الجناينى عازف الترومبيت الأشهر الذى كان ل" المشهد معه " هذا الحوار : حياتك .. كيف تراها بعد هذه الرحلة الطويلة ؟ حياتي ما هي إلا فضل وكرم وعطاء لا حدود له من العلي القدير جل شأنه، فأنا الموسيقار الوحيد الذي خرج على المعاش في الأوبرا بعد 71 عاماً. فالحياة مراحل متعددة يواجهها الإنسان بحلوها ومرها للوصول إلى الهدف الذى يسعى إليه فأى إنسان لابد وأن يواجه المشقة في حياته، إعمالاً لقول الله تعالى " لقد خلقنا الإنسان في كبد"، وقد واجهتها بالصبر والمثابرة والجد والاجتهاد وكان الله دائما في عونى والحمد لله على ماوصلت إليه . لماذا لم تحترف خارج مصر ؟ وُجهت لي عروض من بلدان كثيرة على مستوى العالم، منها بلغاريا وبودابست وبعض الدول العربية، لكنني رفضتها وكان هدفي الدائم هو مصر، والحمد لله لقد حققت أحلامي في بلدي، ويكفيني التجاوب غير الطبيعي الذي أقابله من الجمهور في كل مرة أقدم فيها حفلة حتى الآن، ومازلت أتلقى الإشادات من الموسيقيين والفنانين والكتاب الكبار. كيف تعلقت بآلة الترومبيت رغم عدم انتشارها كبقية الآلات الأخرى ؟ البداية كانت غير مقصودة، عندما كان يُعرض الفيلم الأمريكي "السابحات الفاتنات " وبه أوركسترا وتري وجاز يعزف به هاري جيمس بالترومبيت فأعجبت بالآله ودخلت الفيلم أكثر من مرة لسماعها ومشاهدة طريقة عزفها، بعدها كنت أزور خالي "عبد المنعم عبده "سباح المانش، وعلمت أن جاراً له يعزف على الترومبيت، فتعرفت عليه وشجعني على تعلم الآلة، إلى أن انتقلت إلي القاهرة والتقيت بالموسيقار الكبير "علي إسماعيل " الذي لحن لعبد الحليم حافظ العديد من الأغاني، ثم أصبحت العازف الأول لفرقة رضا ولمدة 25عاما وكنت من مؤسسي "الفرقة القومية للفنون الشعبية ". لماذا لاتجد الترومبيت طريقها بين الشباب المصري ؟ السبب في ذلك هو أن الفن عموما " ينمو للهبوط "وكل ما هو فن في البلد " اضمحل " وحتي من يمارسون الفن بوجه عام تجدهم غير متمكنين لأنهم يحفظون ولا يفهمون فمثلا عندما سافرت إلي روما بدعوة من الأكاديمية المصرية في روما وجدت سواق تاكسي يعزف الترومبيت في وقت فراغه حتي يأتيه زبون، هذه هي المعادلة، إضافة إلي أن قديما كان هناك طموح أما الآن فالشباب يقع تحت خط الاستبداد والاضطهاد . الثورة ومبارك ..الثورة والترومبيت .. ماذا تمثل لك هذه المصطلحات ؟ مبارك زرع الفساد بيده في بداية رئاسته، فقد كان هناك وزيراً للمالية اسمه "مصطفي السعيد " وكتبت الصحف أنه أخطأ فكان رد مبارك هو؛ أن الشئون القانونية تحقق معه، ليبدأ بعد ذلك مايسمي "عصر الذئاب " ويتوالي الفاسدون. مبارك لم يفسد مصر فقط بل أفسد العالم العربي كله فعندما أراد صدام حسين احتلال الكويت في عهد عبد الناصر والسادات منعاه، لكن مبارك تركه لتتدخل أمريكا وتضع قواعدها في الدول العربية بحجة حمايتها من صدام حسين، غير الأمور الأخرى المؤسفة، مثل أن الجندي الأمريكي أثناء حرب الخليج الأولى كان يحصل على 100 دولا في اليوم، بينما يحصل نظيره المصري على 10 دولارات فقط. أما بخصوص الترومبيت والثورة فقد ألفت مقطوعه موسيقية بعد الثورة لم أضع لها اسماً، ولكني على المسرح قلت للجمهور سأسميها " أنتم ونحن"، لكن واحد من الجمهور قالي لي؛ "أنت ياأستاذ رؤوف والجمهور ". وللأسف المطرب الأجنبي يفهم ما يؤدي، لكن العربي يؤدي بلا فهم ولذلك نحن نعيش في عصر موسيقي يمكن وصفه ب: زن في الودان ومستوى هابط وخدش في المشاعر. لماذا لم ترشح نفسك نقيبا للموسيقيين بعد هذه الخبرة الطويلة ؟ أرفض أن أكون نقيباً للموسيقيين لأن ما حدث من تدهور للموسيقي يعد مشكلة لا تحل ولن تحل بالذات في بلد سادت فيه ثقافة نشرها " المخلوع ". ما موقفك من العزف وراء المطربين الحاليين ؟ شاركت بالعزف مع مطربين كثيرين منهم كاظم الساهر وخالد عجاج، وذلك لأن الاغاني التي قدموها معي كانت جيدة أما المطربين الآن فإذا طلبوا مني مجرد التلحين لهم سأرفض بشده . كيف ترد علي من يقول بأن الموسيقى حرام ؟ الفيلسوف اليوناني " أفلاطون " قبل ظهور الأديان السماوية قال:"الموسيقي إلهية في ذاتها " ويعني ذلك أنها من الله وتحض علي الحب والانتصار .. وأتذكر حكمة تقول: " إذا أردت أن تعرف شعب فاستمع إلي موسيقاه " ولكن أعود وأقول أنه لا يوجد عربي يكرس نفسه للفن فالعرب " آخر ناس تفهم معني الفن ". هل سعيت إلى الدخول فى موسوعة جينيس ؟ لم أسع إلي موسوعة جينس وإنما الأمر جاء بفضل من الله ومساعدة محمد منيرمسئول الإعلام في الأوبرا والإعلام لم يهتم بى ولا بموسيقاى ولو بنسبة جزء من واحد فى المئة لكن الأمر لم يشغلني. كيف ترى المنولوج الآن ؟ المنولوج تم وأده فلقد خسرناه بالفعل، لأنه كان أحد الفنون التي تعبر بطرافة عن مشكلات المجتمع، لتكون بمثابة جرس الإنذار للمسئولين كي يتحركوا في سبيل حل المشكلة. .. والفن بعد ثورة 25 يناير ؟ أنا أتأسف على حال الفن بشكل عام، وإن كان الأمل قدعاد إليه مرة أخرى بعد ثورة 25 يناير، حيث ظهرت حركات فنية كثيرة واعدة معها، اما لو استمر الحال على ما كان عليه، فعلينا ان ننتظر قضاء الله وقدره.