يتعرض سعيد فتحي - أمين شرطة بمديرية أمن القاهرة وشاهد الإثبات الرئيسي في موقعة الجمل - للتهديد باختطاف أطفاله وذبحهم وعزله من وظيفته وقتله برصاصات طائشة إذا توجه للمحكمة للإدلاء بأقواله وشهادته في القضية. تأتى التهديدات التى يتعرض لها "الأمين سعيد" على طريقة الأفلام البوليسية وأفلام هوليوود، من مطاردة شاهد الإثبات وتهديده بالقتل او ذبح أطفاله الصغار فى حالة ذهابه إلى المحكمة، فلابد من تغيير أقواله أو الامتناعه عن حضور مواعيد الجلسات، هكذا يحدث في الأفلام ولكن موقعة الجمل دللت على ما يحدث في تلك الأفلام على أرض الواقع. التقت "المشهد" بأمين الشرطة، الذي يعمل في قسم الأعمال الإدارية والكمبيوتر بقطاع شئون الأفراد بمديرية أمن القاهرة، حيث قادته المصادفة للحصول على مستندات هامة، وتمكنه من سماع نداءات الضباط عبر جهاز اللاسلكى الخاص بمساعد مدير الأمن لشئون الأفراد. يقول سعيد إنه كان على علاقة جيدة بمساعد المدير لشئون الأفراد وغالبا ما كان يترك له الجهاز وسمع يوم موقعة الجمل عشرات النداءات من ضباط ورؤساء مباحث القاهرة في الجهاز منها "آه م العدد وصل ل5 آلاف ومتجهه إلى ميدان التحرير وهم مؤيدون للسيد الرئيس" و " آه م " تعني الرمز المتفق عليه مع رؤساء المباحث فلكل ضابط رمز له لعدم ذكر اسمه وذلك متبع في إدارة العمليات ونداءات أخرى كثيرة من الضباط تختلف فيما بينها في تقدير عدد القادمين إلى ميدان التحرير المؤيدين لمبارك وأقل عدد سمعه سعيد كان 300 شخص وأكثر عدد كان 5 آلاف، وهذا يعني علم قيادات الداخلية بموقعة الجمل وتقدير عدد الأشخاص القادمين إلى الميدان للاشتباك مع المعارضين بالميدان لتحدث الكارثة. ويؤكد سعيد علم قيادات الداخلية، بل والتنسيق فيما بينهم بموقعة الجمل بقوله: إنه شاهد ضابط بمباحث المديرية يقوم بالتنسيق مع شخص يدعى "يحيي أبو رندة" من منطقة الدرب الأحمر ومرشح سابق لعضوية مجلس الشعب عن دائرة الدرب الأحمر، حيث تردد أبو رندة على الضابط كثيرا بالمديرية وفي اول فبراير الماضي - يوم موقعة الجمل - حضر إليه وجمع عشرات البلطجية وبحوزتهم سنج وأسلحة نارية ومطاوي ومولوتوف وقام الضابط باقتيادهم من المديرية وذهب بهم إلى ميدان التحرير واشتبكوا مع المتظاهرين ويؤكد الشاهد أنه يعرف ضابط المباحث جيدا ويحفظ ملامحه ولكنه لا يعرف اسمه لأنه لاتربطه علاقة بقطاع المباحث الذي ينفرد بجناح ومدخل خاص معزول عن باقي قطاعات المديرية، ويضيف أنه من السهل التعرف عليه إذا تم عرضه عليه ويستطيع أن يستخرجه من بين مئات الضباط. ويضيف سعيد أنه حصل على مستندات مهمة وهي عبارة عن خطة إدارة العمليات والخدمة المعينة يومى 25 و 28 يناير - جمعة الغضب - التي استشهد فيها المئات ليصل عدد الشهداء إلى ما يقرب من ألف شهيد، حيث كشفت أوراق الخطة توزيع الضباط إلى استخدام أكثر من 85 % من قوة المديرية في التصدي للمتظاهرين المناهضين لحكم الرئيس السابق، بالإضافة إلى الاستعانة بعشرات الضباط من المرور وشرطة الكهرباء والسياحة وقطاعات أخرى وهذه الأوراق سيقدمها في الجلسة للتحقيق مع هؤلاء الضباط المتورطين في عمليات القتل وهو يحتفظ بهذه المستندات في منزل احد أصدقائه ممن يثق بهم، وتحصر هذه الخطة بدقة، أسماء وأماكن توزيع الضباط في مداخل ومخارج ميدان التحرير وعددهم وبيانات تفصيلية لا تحتمل الشك ولا الاحتمال. ويضيف سعيد أنه حصل على أوراق أخرى هامة تكشف فساد الداخلية بعد الثورة وهي صرف بدلات للضباط المتورطين تحديدا في قتل المتظاهرين والمحبوسين منهم بل ووصل الأمر إلى دفع تكاليف المحاماة عنهم وصرف حافز يصل إلى 1400 جنيه كحد أدنى للضباط، من رتبة ملازم، وحتى رتبة الرائد وغير متزوج ويتصاعد كلما زادت الرتب، مما يؤكد على استمرار الفساد ولديه كل الأوراق والمستندات التي تثبت هذه التجاوزات في حق دماء الشهداء وهذا ما استفزه كثيرا - على حد قوله - ولا يعرف كيفية إصلاح هذا القطاع من مؤسسات الدولة. وعن التهديدات التي تلقاها سعيد يقول انه يعيش في رعب دائم هو وأسرته المكونة من زوجته وطفلته رحمة 10 سنوات ونجليه عبد الرحمن 6 سنوات وعمر سنتين ونصف. تلقي تهديدات عديدة تخبره بقتل أطفاله واختطافهم إذا ذهب إلى المحكمة وأدلى بشهادته ولديه أرقام هواتف عديدة لهذه التهديدات ومن هذه التهديدات قتله برصاصات طائشة عقب عودته من العمل وكان في بداية الأمر لا يهتم بتلك المكالمات ولكن بعدما وصل الأمر إلى أسرته الصغيرة انزعجت زوجته وأطفاله ومن شدة الخوف يتساءل الأطفال قائلين " ليه يابابا عرضتنا للقتل؟ ويجيبهم عشان دم الشهداء ما يضعشي يابنتي". كما أكد أنه تلقى مساومات وإغراءات مالية ليكتم الشهادة، والغريب أن أمين الشرطة حتى هذه اللحظة يتعرض للمضايقات من ضباط مباحث المديرية، حيث يحاولون استدراجه للحصول على ما بحوزته من مستندات ضد الضباط المتهمين بقتل الشهداء، ووصل الأمر إلى أن بعضهم يطلب له المشروبات ويستعطفه حتى يحصل على أي بيانات عن تلك المستندات. وفي مفاجأة من العيار الثقيل ستشهدها جلسة محاكمة المتهمين في موقعة الجمل يؤكد سعيد انه استطاع أن يصل إلى بعض السجناء ممن تم الزج بهم لضرب المتظاهرين وقتلهم في ميدان التحرير في موقعة الجمل من قبل قيادات الداخلية والذين أبدوا استعدادهم للشهادة ضد كبار الضباط الذين دفعوهم في سيارات خاصة واعطوهم سلاحًا لضرب المتظاهرين وهم كانوا في بداية الأمر لا يعرفون أين ذاهبون حيث أنهم خارجون من السجون وعدد هؤلاء الشهود يصل إلى عشرة نحتفظ بعدم ذكر أسمائهم حتى لا يتعرضوا لأي ضغوط قبل إدلاء الشهادة. وكان الشاهد قد تقدّم ببلاغ إلى المستشار عبد المجيد محمود - النائب العام - طالباً فيه حمايته، حتى يستطيع الإدلاء بشهادته في القضية.