أكد متابعون للشأن السياسي الغربي أن اتساع الهوة بين الأغنياء والفقراء ينذر بانهيار الأنظمة الرأسمالية في ظل الاحتجاجات التى شهدتها عدة مدن بأنحاء متفرقة من العالم، امتدت من أمريكا الشمالية إلى آسيا، خلال الأيام الماضية. ويشعر المحتجون بالغضب لأن البنوك تجنى أرباحاً كبيرة بعد حصولها على حزم إنقاذ ضخمة، بينما يكافح المواطنون العاديون لكسب قوت يومهم فى ظل اقتصاد صعب . وامتدت حملة "احتلوا وول ستريت" احتجاجاً على السياسات المالية إلى ساحة "تايمز سكوير" الشهيرة فى نيويورك، حيث بلغ عدد المعتقلين مؤخراً 70 شخصاً فى المدينة، وانتقلت المظاهرات إلى مدن أمريكية أخرى أبرزها لوس أنجلوس وأوكلاند، كما انتقلت إلى الكثير من العواصم العالمية، منها لندن وسول وطوكيو وروما، ووقعت مواجهات شرسة بين الشرطة والمتظاهرين فى ظل الأزمة الاقتصادية. ويعتصم المتظاهرون فى مانهاتن منذ عدة أسابيع، احتجاجاً على السياسات المالية ضمن حملة "احتلوا وول ستريت" لجذب الانتباه إلى ما يصفونه ب"السياسات غير المتوازنة"، فيما هاجم متظاهرو نيويورك بنك "جى.بى.مورجان تشيز" العملاق، ودعوا إلى مقاطعته. وخرج الآلاف فى مسيرة نحو البنك، ووزعوا تعليمات حول كيفية تحويل حسابات شخصية من البنك إلى بنوك يمتلكها عمال وبنوك المجتمعات. وفى نفس السياق، ذكرت صحيفة "نيويورك بوست" الأمريكية، أن الكثيرين من الذين دخلوا البنك لإغلاق حساباتهم اعتقلتهم الشرطة بعدما حاصرتهم داخله، ويتنامى الغضب عبر البلاد ضد عدة بنوك من بينها "جى.بى.مورجان"، الذى قبل عشرات المليارات من الدولارات فى شكل تمويلات إنقاذ حكومية عام 2008. ويشعر المحتجون الأمريكيون بالغضب، لأن البنوك الأمريكية تجنى أرباحاً كبيرة بعد حصولها على حزم إنقاذ ضخمة فى 2008، بينما يكافح المواطنون العاديون لكسب قوت يومهم فى ظل اقتصاد صعب يشهد وصول نسبة البطالة إلى 9%، إلى جانب ضآلة حجم المساعدات من واشنطن. وبعد أسابيع من التغطية الإعلامية المكثفة مازالت الاحتجاجات فى الولاياتالمتحدة أصغر من المظاهرات التى واكبت اجتماعات مجموعة ال20 وغيرها من المؤتمرات السياسية خلال الأعوام الأخيرة الماضية، حيث تجذب مثل هذه الأحداث عشرات الآلاف من المتظاهرين. وتزامنت المظاهرات مع اجتماع لأعضاء مجموعة ال20 فى باريس، حيث عقد وزراء مالية ومحافظو البنوك المركزية لأكبر اقتصادات العالم محادثات بشأن الديون وأزمات العجز التى تؤثر على العديد من الدول الغربية. وكانت حركة "احتلوا وول ستريت" قد حشدت طاقاتها منذ نحو الشهر، ووصلت لذروتها بيوم التحرك العالمى، فيما لم تتضح بعد ما ستفعله الحركة المدفوعة بالإعلام الاجتماعى بعد احتجاجات السبت. ومن جانبها، تساءلت الكاتبة الأمريكية كاترينا هوفيل عما إن كانت ما سمتها شرارة حركة "احتلو وول ستريت" ستؤدى إلى إعادة تشكيل سياسات الولاياتالمتحدة؟ وقالت - فى مقال لها نشرته صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية، "إن منظمى الاحتجاجات استلهموا الفكرة من أولئك الذين تظاهروا فى بلدان أخرى فى العالم، وممن احتلوا ميادين وساحات فى مدريد وأثينا وتونس والقاهرة وغيرها". ونسبت هوفيل إلى أحد منظمى حركة "احتلوا وول ستريت" ويدعى ديفد جرابر، قوله "إن نجاح طريقتهم فى الاحتجاج اقتضت احتلال إحدى الساحات العامة، ومن ثم بدء التخطيط منها باعتبارها تشكل مقر قيادة للاحتجاجات ونقطة انطلاق إلى مواقع أخرى". وأضافت هوفيل، أن الأيام القادمة تفرض تحديات على حركة محتجى وول ستريت الوليدة، منوهة إلى أن نجاح الحركة فى الاختبارات القادمة من شأنه تأجيج الشارع، وبالتالى إبقاء الشعلة مضاءة وإعادة تشكيل السياسات الأمريكية برمتها. وبدوره، تساءل الكاتب الأمريكى جورج ويل عما إذا كان بمقدور الحركة دعم تقدم الولاياتالمتحدة، قائلاً "إنها ربما استلهمت حراكها وأنشطتها من "حزب الشاى" (تى بارتى) الذى لاقى رواجاً وأحدث تغييراً فى المفردات والأجندات السياسية فى البلاد. ودعا الكاتب الأمريكى جورج ويل - فى مقال نشره بصحيفة "واشنطن بوست" الأمريكة - المحافظين إلى ضرورة الابتهاج لحركة "وول ستريت" وتقديم الدعم والمساعدة لها فى تنظيم أنشطتها واستمرارها، تماما كما يبتهج لها الديمقراطيون، وذلك لكى تصل فى نهاية المطاف إلى الحال التى يمكنها فيها تحديد المرشحين الذين يستحقون أن يكونوا أعضاء فى الكونجرس الأمريكى. وقال ويل، "إن المدافعين عن الحركة على صواب عندما ينعتونها بأنها تمثل الروح التقدمية والفكر، وذلك لأنها تتحرك بدوافع عفوية وتشجب النخبوية، وتتحرك بشكل واضح". وأشار ويل إلى الأهداف التى تنادى بها الحركة، وأبرزها إصلاح أوضاع المتعثرين بسبب الديون فى البلاد والفاقدين لوظائفهم والقلقين بشأن مستقبلهم ومستقبل الأجيال القادمة، وتخليص الولاياتالمتحدة من الأزمة الاقتصادية الخانقة التى طالت غالبية الشعب الأمريكى باستثناء الفئة الغنية، وهى المتهمة بالتلاعب بمقدرات البلاد. وأوضح ويل، أن الحراك الشعبى الأمريكى الاحتجاجى جاء ملهما مما تشهده ساحات المدن العربية من ثورات كميدان التحرير بمصر وثورات "الربيع العربى" بشكل عام، مشيراً إلى أن ذلك من شأنه تحفيز ما سماه ب"الخريف الأمريكى". وأضاف، "أن الاختلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية، منوهاً إلى أن الجمهوريين عامة يؤيدون حزب الشاى، متسائلاً عما إذا كان الديمقراطيون عامة يؤيدون حركة "احتلوا وول ستريت"، مؤكداً أنه لمعرفة الجواب لابد من انتظار موعد التصويت". ويشير الساسة والإعلاميون الأمريكيون إلى أن محاولات تحديد زعيم أو زعماء للحركة تستدعى إثارة أسئلة أكثر إلحاحاً مثل هل للحركة أى زعيم؟ فإن لم يكن لها فهل ذلك يعنى أن مصيرها الفشل؟ ومن يتحدث باسم تلك الجماهير الهادرة؟ وهل لهم صوت واحد يتحدث باسمهم؟ وما هى نقاط القوة والضعف فى حركة بلا زعامة؟ وماذا تعنى "الزعامة" أصلاً فى عصر الإعلام الاجتماعى؟. وفى هذا الصدد، قال بول ليفينسون أستاذ علوم الاتصال بجامعة "فوردهام" الأمريكية، "إن جماعة احتلوا وول ستريت والحركات ذات الصلة بها تمثل بعثاً جديداً للديمقراطية المباشرة التى لم تكن معروفة منذ العصور الغابرة". وأضاف ليفينسون، "أن الخطر يكمن دوما فى أن مثل هذه الجماعات قد تتحول إلى حركات غوغائية، لكن من مزاياها أن قراراتها تعبر حقاً عن إرادة الشعب وترضى غرور المشاركين فيها أكثر من القرارات التى يتخذها زعماء منتخبون". وترى نينا إلياسوف أستاذة علم الاجتماع بجامعة جنوب كاليفورنيا، أن المشكلة ليست فى افتقار تلك الحركات للزعامة، بل فى عدم وجود متحدث رسمى باسمها. ولفتت إلياسوف إلى أن الولاياتالمتحدة الأمريكة شهدت طوال السنوات ال30 الماضية مع نشاط الحركات السياسية العديد من المجموعات التى تعوزها القيادة، ورغم ذلك فقد كان بعضها ناجحاً ومنظماً تنظيماً جيداً. وفى المقابل، زعم ديفد جونسون خبير الاستراتيجيات بالحزب الجمهورى، أن هناك يداً كبيرة مرشدة لتلك الحركات، وأن القيادة فى هذه الحالة تمسك بزمام الأمور من وراء ستار وهى مقربة من الحزب الديمقراطى والتنظيمات التقدمية الأخرى. تجدر الإشارة إلى أن الاحتجاجات المدفوعة بحركة "احتلوا وول ستريت" بدأت فى نيوزيلندا وبعض المناطق فى آسيا وامتدت إلى أوروبا إلى أن عادت لنقطة البداية فى نيويورك حيث شارك نحو 5 آلاف شخص فى مسيرة للتنديد بطمع الشركات وإنعدام المساواة الاقتصادية. وبينما كانت أغلب الاحتجاجات صغيرة نسبياً، فعطلت خلالها حركة المرور، إلا أن احتجاج روما اجتذب عشرات الآلاف من الأشخاص وامتد لعدة كيلومترات فى قلب مركز المدينة. واشتبك مئات من المتظاهرين الملثمين يوم السبت الماضى مع الشرطة فى واحد من أسوأ أعمال العنف التى شهدتها العاصمة الإيطالية منذ سنوات، حيث أشعلوا النيران فى سيارات وهشموا واجهات متاجر وبنوك وحطموا إشارات المرور. ومن جانبها، أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع بكثافة، واستخدمت مدافع المياه فى محاولة لتفريق المحتجين المتشددين الذين كانوا يرشقون قواتها بالحجارة والزجاجات ويطلقون الألعاب النارية، واستمرت الاشتباكات حتى المساء. وعلقت صحيفة "لاستامبا" الإيطالية على الأحداث قائلة "أظهرنا للعالم شذوذ إيطاليا"، ونقلت عن جيانى أليمانو رئيس بلدية روما قوله "إن العاصمة ستعانى لفترة طويلة من الآثر المعنوى للخراب". وخرجت كذلك لشبونة (البرتغال) ومدريد (أسبانيا) فى مسيرات شارك فيها عشرات الآلاف، إلا أن درجة الإقبال فيها كانت أقل عنها فى معظم الدول.