بعد أربعة وعشرين عاماً من انتهائه من كتابة روايته الأولى يقرر الروائي والقاص المصري "أحمد زغلول الشيطي" إصدار الطبعة الثالثة منها عن طريق دار "ميريت" للنشر، وقد صدرت الطبعة الأولى ل "الورود" ضمن العدد 54 من مجلة "أدب ونقد" بتاريخ فبراير 1990 كما صدرت طبعتها الثانية عن "الهيئة العامة المصرية للكتاب" 1993، أصدر بعدها "الشيطي" ثلاث مجموعات قصصية هى بترتيب الصدور: "شتاء داخلي" 1991،"عرائس من ورق" 1994،"ضوء شفاف ينتشر بخفة"2009. تتزين الرواية بغلاف شديد التميز للفنان الكبير "أحمد اللباد"، كما يأتي على الغلاف الخلفي للكتاب أربعة مقاطع من آراء نقاد كبار ضمن مقالاتهم عن الرواية والتي تمثل جزءاً يسيراً من التحقق النقدي الكبير الذي لاقته الرواية بمجرد صدور طبعتها الأولى الذي وصل حد اعتبار الناقدة "فريدة النقاش" للرواية كتدشين لميلاد روائي كبير في عمله الأول. وكعادة الأعمال العظيمة لم تتأثر الرواية بمرور قرابة ربع قرن على كتابتها، لتسقط كنيزك يلتهب احساساً عميقاً يتفجر بموهبة لا تشبه أحداً وحرية شديدة وجرأة بالغة على مستوى اللغة والحبكة وتكنيك الكتابة، على مستوى اللغة فقد تعددت مساربها بتعدد الشخوص ليس فقط على مستوى الحوار والذي تكررت بعض جمله بإيقاعات دلالية وترميزية مختلفة تؤكد جميعها وترسخ حالة الإحباط القاسية التي تخيم على العمل, بل أيضاً على مستوى الحالة العامة والأجواء المحيطة بالأبطال، فالوصف والحوار الداخلي المستخدمان في اللحظات المتوترة اختلفا عن لحظات التأمل أو النوستالجيا ، في مشاهد دمياط عن مشاهد العاصمة بتمكُن شديد الحساسية ينقل القاريء داخل الحدث كلياً ؛ لتستولي علية تماماً حالة الشجن السائدة في الرواية. انتقل "الشيطي" "بخفّة" بالغة متأرجحاً بين العام والخاص واضعاً بينهما حداً "شفافاً" لا يلحظه القاريء بين طرفيّ العمل العام والخاص ، نزولاً من وفاة رمز الأمة وزعيمها والأمل العالق بصدور جميع أبنائها ، مروراً بالهزائم والاحباطات المتكررة وصولاً لنهاية "صقر" ذاته والتي أبدع الكاتب نسج مشهديها لتبدو أقرب لأسطورة رومانسية . وكأن الكاتب استعار عين بطله "الصقرية" فكانت رؤيته عميقة ومتسعة وأتى تحليله المجتمعي كاشفاً ومتجاوزاً توقيته لدرجه انطباقه شبه الكامل على الشارع الآن وكأن شيئاً لم يتغيّر من وقتها ، أو أن الوجوه فقط هى التي تغيّرت على أقصى التقديرات. الانسياب الحواري وتناغمه مع الأصوات المتعددة للساردين سمة شديدة الوضوح من القراءة الأولى، فتجد الجمل الوصفية لمشهد تقديمي أو يحمل هدوءاً في الانفعالات الداخلية والخارجية متوسطة الطول إلى قصيرة، مع تزايد حدة المشهد ، يزداد قصر الجملة ، تصبح أسرع، ومع تفجر الألم والحسرة الضاغطان بقوة على أبطال العمل قد تصل الجملة لكلمة واحدة ، أو حتى كلمة غير مكتملة ، وكأن لغة الكاتب تتحول من الابتسام المصطنع الهاديء غير الواثق لبدايات الغضب المرتبكة وصولاً لأقصى درجات الثورة المصحوبة بنشيج من البكاء الذي لا يستطيع صاحبه انهاء كلماته من بين ثنايا جهازه التنفسي المضطرب . الحبكة البنائية جاءت أقرب للمتاهة ، لكنها متاهة ممتعة ، بالرغم من علم القاريء بنتيجتها من الصفحة الأولى ، لكنه لا يُصاب بشبهة ملل أثناء الرحلة التي يغرسه بها الكاتب فيعيشها كلياً يجمع أطراف وتفاصيل الأسطورة اليومية العادية من جميع شاهديها. برغم اعتباري أنه من الجرأة الشديدة إعادة إصدار رواية بعد سبعة عشر عاماً من صدور آخر طبعاتها ، إلا أن هذه الخطوة المغامرة كانت شديدة الضرورة في حالة "ورود سامة لصقر" لجذب الانتباه لمرحلة شديدة الأهمية سياسياً واجتماعياً ، وكي لا تُحرَم الأجيال الجديدة من قراءة تلك الرواية المهمة ، بل وشديدة الأهمية.