يدرك المتتبع للشأن المصري، مدى اهتمام المصريين بجلسات إعادة محاكمة الرئيس السابق حسني مبارك، والحرص المفرط على متابعتها، وذلك منذ محاكمته الأولى التي انطلقت في 3 أغسطس 2011. ولم تستأثر جلسات إعادة محاكمة مبارك التي انطلقت الأسبوع الماضي باهتمام يذكر، مقارنة بجلسات المحاكمة الأولى التي حظيت باهتمام مصري غير مسبوق، فضلاً عن الاهتمام الدولي. البعض يعزو ذلك إلى وطأة الأزمة الاقتصادية الراهنة التي تمر بها البلاد، كما أن المزاج المصري العام تأثر بفعل الواقع الصعب الذي تعيشه البلاد عقب الثورة. بدا حسني مبارك في أولى جلسات إعادة محاكمته بمظهر الواثق، بعيداً عن صورة الرجل المنكسر المستسلم التي علقت في الأذهان خلال محاكمته الأولى، التي بدا فيها مسناً ومريضاً، وأثارت ابتسامته ردود أفعال متباينة. فقد رأى الفريق أحمد شفيق، آخر رئيس حكومة في عهد مبارك، عبر «فيسبوك» أن الصورة التي ظهر عليها مبارك «تمثِّل تعريفاً للهيبة»، معتبراً أن أحد تعريفات الهيبة «أن يُلوح مبارك بيده ويبتسم من داخل محبسه، بينما رأينا الرئيس مرسي يقف كالجندي المتأهّب في وجود وزير الدفاع عبدالفتاح السيسي». وصرح مصدر أمني مصري رفيع لجريدة «البيان» بأن العقيدة العسكرية للقوات المسلحة المصرية ترفض خضوع الجيش لرئيس مدني، معتبراً أن الرئيس السابق حسني مبارك، والذي كان يُعد أحد أبرز القيادات العسكرية المصرية وصاحب الضربة الجوية الأولى في حرب أكتوبر 1973، سيبقى في نظر الجيش وقياداته هو البطل والأحق برئاسة مصر، مقارنة بالرئيس المدني المُنتخب محمد مرسي. واستنكر المصدر إبقاء الرئيس السابق في السجن، أو المطالب الخاصة بإعادته لمستشفيي سجن طرة، قائلًا إن ذلك «الوضع المزري لمبارك هو إهانة لمصر وللشعب المصري». وفي هذا الشأن اعتبر الإعلامي المصري عماد الدين أديب، في جريدة "الشرق الأوسط" تحت عنوان "أطلقوا سراح مبارك واتركوه يعيش في سلام"، أنه "لا يوجد سبب منطقي أو قانوني أو إنساني يبرر استمرار بقاء الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك في سجنه". وأضاف قائلا "إن حسني مبارك، بكل ما له وما عليه، استطاع خلال فترة حكمه أن يمنع عن مصر كوارث كبرى في مجال الأمن القومي، فلم يتورط في حروب إقليمية، واختار القرار السليم بالوقوف ضد الغزو العراقي لدولة الكويت، ومنع التدخل الأميركي السافر في السياسة الداخلية المصرية، مع احتفاظه بالعلاقة الخاصة مع واشنطن". زمن حسني مبارك، رغم كل عيوبه ومفاسد حاشيته وزواج المال بالسلطة، كان زمن الاستقرار والأمن وارتفاع معدل التنمية إلى 7.5%، وهو أعلى معدل وصلت إليه مصر. وفي زمن حكم حسني مبارك تم تخفيض ديون مصر إلى النصف، ويوم تركه للحكم كان احتياطي النقد الأجنبي قد بلغ 37 مليار دولار أميركي، وانخفض بعدها عقب 24 شهرا من تنحيه إلى 13 ملياراً! لا يجوز أن تفقدنا النزاعات السياسية الانتقامية صوابنا، وتجعلنا نفتري ظلما على شيخ كهل حارب من أجل مصر ودافع عنها طوال عمره، وأعطاها كل ما لديه من دون تحفظ. وسوف يحكم التاريخ على فترة حكم "حسني مبارك" بشكل أقل انتقامية، وأكثر عدالة ونزاهة، على ما فعله من صواب أو خطأ، ولقد حان الوقت للإفراج عن هذا الرجل وتركه يقضي الأيام الباقية له في سلام. وفي حديثه التليفزيوني الأخير قال الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، إن مبارك أسيء التصرف معه، فحين يخلع رئيس دولة ما، لا بد أن يتعامل معه بطريقة لائقة حتى تثبت إدانته، بمعنى أن يترك في أحد بيوته وتحدد إقامته، وهناك نماذج الثورة الفرنسية، و"الملك فاروق أمر بمغادرة البلاد وكان في وداعه الجميع". لقد قاد مبارك القوات الجوية في حرب أكتوبر، وتولى الحكم بعد اغتيال السادات لمدة ثلاثين عاما، كانت مليئة بالسلبيات والإيجابيات معا، ولا ينكر أحد أن مبارك حافظ على مكانة مصر العربية والإقليمية والدولية، كما حافظ بجدارة على أمنها واستقرارها، وليس من العدل ولا من الكرامة، ولا من شهامة الشعب المصري الودود المتسامح، تحميله وحده المسؤولية عن كل شيء ومعاملته هذه المعاملة المهينة، وعدم مراعاة سنه وظروفه الصحية