أكدت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية - فى تقرير لها صدر اليوم الخميس - أن أحداث كنيسة المريناب بأسوان أوضحت كيف فشل المسئولون فى إيجاد حلول جذرية للمشكلة والتعامل معها قبل تفاقمها إلى هذا الحد المفزع، حيث عجزت أجهزة الدولة، وفى مقدمتها الأجهزة الأمنية، التى عقدت 3 جلسات للصلح العرفى على مدى شهر كامل عن التصدى للتوتر الطائفى بالقرية، ومنع حدوث الاعتداءات، فضلاً عن فشلها فى حماية الضحايا أثناء تعرضهم للهجوم. قال حسام بهجت -المدير التنفيذى للمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- على الجميع أن يحمل المسئولية إزاء فرض الأغلبية الدينية لشروط مهينة ومذلة على مواطنين أقباط كشرط للسماح لهم بممارسة الصلاة، مضيفاً: كيف نسارع جميعاً لإدانة حظر إقامة منارات المساجد فى سويسرا، ثم نفرض على مواطنين مصريين أن يقيموا دار عبادة بشرط ألا تضم كنيستهم منارة أو جرساً أو صليباً أو قبابا، بدعوى أن هذه المظاهر تؤذى مشاعر المسلمين؟!". أضاف حسام بهجت، أن إهدار العدالة وإفلات المجرمين من العقاب بعد هدم كنيسة قرية صول بحلوان فى شهر مارس الماضى كان ضوءاً أخضر بتكرار حرق الكنائس وهدمها فى إمبابة واليوم فى أسوان، وعلى المجلس الأعلى للقوات المسلحة أن يتحمل مسئوليته عن كل هذه الاعتداءات التى ستظل تتكرر طالما بقيت سياسات المجلس على حالها". من جانبه، قال إسحق إبراهيم -الباحث بالمبادرة المصرية للحقوق الشخصية- إن ما يبعث على الأسى ليس فقط الاعتداء على منازل وممتلكات الأقباط ومكان عبادتهم، وفشل الدولة فى حمايتهم، وإنما أيضاً أننا شاهدنا هذه الأحداث تتكرر بنفس التسلسل، بل وتقريباً بنفس التفاصيل من قبل، وستظل هذه الجرائم تتكرر طالما لم يحدث تغيير يذكر فى طريقة تعامل السلطات مع هذا الملف". وتوصلت تحقيقات المبادرة المصرية والإفادات التى حصلت عليها من شهود عيان ورجال دين من المسلمين والمسيحيين إلى أن أقباط القرية واظبوا منذ منتصف ثمانيات القرن الماضى على الصلاة وإقامة الشعائر الدينية فى مبنى من الطوب اللبن لخدمة الأقباط من أهالى القرية وأهالى خمس قرى مجاورة، كما قامت مطرانية أسوان ومنذ أكثر من عقدين من الزمن بتعيين كاهن متواجد بصورة دائمة للقيام بالطقوس الدينية فى المبنى، وعينت مديرية أمن أسوان حراسة دائمة على المكان، أسوة بباقى كنائس الجمهورية، إلا أن الأحداث تفجرت بالقرية مع قرب انتهاء الأقباط من إعادة بناء الكنيسة بعد الحصول على التراخيص اللازمة من الجهات المعنية لإزالة المبنى المتهالك وإعادة بنائه بالخرسانة. وحصلت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية على نسخ من الوثائق والتراخيص التى تثبت بشكل قاطع قانونية وجود الكنيسة وعلم كافة المسئولين، بذلك واستيفاء كافة إجراءات الهدم والإحلال، غير أن أهالى القرية من المسلمين اعترضوا فى البداية على وجود منارة وجرس وصليب أعلى المبنى، ووافق المسيحيون على هذه الطلبات، ثم طالب مسلمو القرية بهدم القباب الست الموجودة أعلى المبنى الخرسانى، وبعدها حررت الإدارة الهندسية بمركز إدفو محضراً للكنيسة بمخالفة الارتفاع المقرر بالرسم الهندسى – زيادة أربعة أمتار – وطالبت بإزالتها، وهو ما يعنى هدم القباب تلقائيا، وبينما وافقت مطرانية أسوان على التصالح وتنفيذ هدم القباب وشرعت فى ذلك بالفعل، إلا أن الأوضاع انفجرت مرة أخرى قبل الانتهاء من عملية الهدم عندما قام مئات المسلمين -بعد تحريضهم من إمام مسجد القرية فى خطبة الجمعة، وفقاً لما أكده محافظ أسوان- بإشعال النيران فى أجزاء من الكنيسة، وهدم القباب والحوائط وأجزاء من الأعمدة الخرسانية فى حضور القوة الأمنية المتواجدة أمام الكنيسة، كما طالت النيران ثلاثة منازل مجاورة يمتلكها أقباط، دون أن تقع خسائر فى الأرواح. وأعربت المبادرة المصرية للحقوق الشخصية عن رفضها واستغرابها من تصريحات محافظ أسوان اللواء مصطفى السيد التى بررت الاعتداء على إحدى دور العبادة بدعوى أن المكان "مضيفة" بها تجاوزات فى البناء، والتى أكد فيها أيضاً أن المبنى يستخدم لإقامة الصلوات والشعائر الدينية المسيحية، ولذلك لا يجوز اعتباره كنيسة. وأشارت المبادرة المصرية إلى أن حرية العقيدة وممارسة الشعائر تم النص عليها فى المادة الثانية عشر من الإعلان الدستورى الصادر عن المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذى يدير البلاد، والتى تنص على أن "تكفل الدولة حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية"، وهو ما يتضمن بالضرورة وفقاً للإعلان الدستورى والمواثيق الدولية لحقوق الإنسان حماية حق المواطنين فى إقامة دور العبادة لممارسة الطقوس الدينية التى يؤمنون بها. ومن ثم ترى المبادرة المصرية أن التمادى فى فرض قيود مذلة على الأقباط بعدم وجود منارة أو جرس أو صليب على كنيستهم كشرط لإعادة بنائها أو ترميمها وتواطؤ الدولة مع هذه الشروط بل ورعايتها تمثل جميعا انتهاكاً صارخ لحرية الاعتقاد ومبادئ المساواة. كما أكدت المبادرة المصرية، أنه لا يجب أن يكون إنشاء دور العبادة وترميمها وتجديدها وإحلالها مرهوناً بموافقة أغلبية سكانية ذات ديانة معينة، تسيطر على حى سكنى أو مدينة أو قرية، وإنما هو حق دستورى يجب أن يكون مكفولاً للجميع دون تمييز، وعلى الدولة أن تضمن ممارسة هذا الحق. وطالبت المبادرة المصرية محافظة أسوان بضرورة إعادة الكنيسة إلى ما كانت عليه، والالتزام بالرسوم الهندسية التى تم على أساسها منح تراخيص الإحلال وإعادة البناء، كما أوصت بأن يتم ذلك على نفقة الدولة والتى يجب عليها أيضاً صرف تعويضات عادلة للمضارين من جراء الاعتداءات، كما حثت المبادرة المصرية النيابة العامة على التحرك السريع وإجراء تحقيقات واسعة للوقوف على المحرضين والمنفذين وإحالتهم للقضاء لتحقيق العدالة.