بنزول المشير طنطاوي إلى ساحة ملعب انتخابات الرئاسة، بعد زيارته (المفاجئة) لمنطقة وسط البلد، وصلت لعبة الحكم فى البلاد إلى نقطة فاصلة، حيث تنضم قبضة العسكر- مُجددًا، - على السلطة، بعد أن كاد حلم الدولة المدنية، التى يحكمها رئيس مدنى، يداعب أشواقنا، ويبدو قاب قوسين أو أدنى من آمالنا وتطلعاتنا! فحالة الطوارئ ممتدة، والمحاكم الاستثنائية منصوبة، والسجون العسكرية مفتوحة، والإعلام تحت السيطرة، وأحزاب "الفلول" تتجمع، والمليارات تتدفق، من أمريكا وأوروبا، والسعودية وقطر، ومن باقى ممالك الخليج، على أطراف من هنا، وأطراف من هناك، انتظارًا للحظة الصفر المرتقبة!
وإذا أردنا الصدق، فلا يجب أن نلوم إلاّ أنفسنا، وإلاّ النخبة السياسية المصرية المهترئة، البائسة، التى أضاعت أو تكاد تضيع، أعظم إنجازات شعبها، على مر العقود، بل والقرون، ثورة 25 يناير المجيدة، برعونتها، وانتهازيتها، وضيق أفقها، وتكالبها على المغانم والمكاسب التافهة، على حساب الأهداف الكبرى، والإنجازات الاستراتيجية للشعب وللبلاد!
نسيت هذه الزرافات المتصارعة على فتات ما ألقى إليهم من المجلس العسكرى، أهداف الثورة الكبرى، فى تحرير الوطن والمواطن، وإعادة بناء "الخرابة" التى ورثناها عن الحكم المباركى الفاسد المستبد، وتصورت قطاعات فيها، وفى قلبها من لم يكن ذات يوم صاحب موقف وطنى، أو نضال ديمقراطى، أو صيحة حق فى وجه سلطان جائر! بل وكان عونًا ل "ولى الأمر" اللص، يفتى بأن الثورة عليه رجس من عمل الشيطان! أن الوقت قد أزف لقطف ثمار ما لم يزرعوا، ولجنى ما لم يكِّدوا فى السهر عليه، فقفزوا من قطار الثورة، إلى ما يتصورونه واهمون هيلمان السلطة، وروَّعوا المجتمع بفتاوى الغلو والتطرف، وراحوا يوزعون المغانم والعطايا، والألقاب والمناصب، ويتبادلون مواقف الكبر والغطرسة مع جلاديهم السابقين، يُهددون بقطع الأيدى، ويُكفرون المنادين بالحرية، ويمارسون ذات أساليبهم الفاسدة، التى ثار الشعب عليها، ومن أجلها خرج يطالب بتغيير النظام!
وبينما هؤلاء فى غيِّهم سادرون، كانت القوى المضادة للثورة تتجمع، تُبيِّت الخطط، وتُحيك المؤامرات، وترتب الصفوف، وتُجَيِّش الجيوش، وتدفع المجتمع إلى حواف اليأس، من فرط التسيب الأمنى المنظم، والبلطجة الموجهة، والفوضى المقصودة، حتى أصبح طلب الاستقرار، لدى قطاعات واسعة من الناس، مطلوبًا فى حد ذاته.. ومهما كان الثمن، وأيًا كان المصدر!
فتحقيق أمل "العدالة الاجتماعية"، حلم ملايين المصريين المُعذبين على مر السنين، الذى كان أحد أهم الشعارات المطروحة فى ميادين الثورة، جرى تهميشه، ولم يسقط من النظام سوى بعض رموزه المفضوحة، وبدلاً من أن تُرفع رايات الحرية وحدها فى"ميدان التحرير"، إذا بنا نراها تتحول، على مرأى من العالم أجمع، إلى رايات الحكم السعودي، وارتفعت فى أرض مصر المحروسة هتافات" يا أوباما يا أوباما.. إحنا جنود الشيخ أسامة" (بن لادن)!! وراح أعداء الوطن والشعب يتآمرون على سلامة حدوده، وسيادته على ترابه، بإمارة (إسلامية مزعومة)، فى أرض سيناء الغالية!
لقد هانت الثورة على الانتهازيين، والمدَّعين، والمتكالبين، وعلى ثوار آخرربع ساعة المزيفين، الذين تركوا المعركة فى عز احتدامها، والتموا يقتسمون ما ظنوه غنائمها، فمزقوا جسد الثورة، واختلفوا حول أشلائها.. حتى استيقظوا على نذير لا قِبل لهم بمواجهته! ولا قدرة لهم على مقارعته!
وما الجديد فى هذا؟! فلقد كان هذا ديدنهم فى عهد الرئيس المخلوع، حتى حظوا بكراهية الشعب وتوجسه من غاياتهم الأنانية، وها هم بعد الثورة يكررون خطاياهم، ولا يتعلمون أبدًا!
اختلفوا على توزيع الدوائروالمقاعد، وأنفقوا جلَّ وقتهم وجهدهم فى شراء الذمم والأنصار، وتحالفوا مع الشيطان حتى يصلون إلى كرسى المجلس، ونهشوا فى عرض الثورة، التى أصبحوا وقد كانوا غرباء عنها، وباتت عنهم غريبة! فمهدوا الأرض للأحذية الغليظة التى ستدهس الجميع، وأهدوا إلى "الكابات" السلطة على طبق من ذهب، وقد كانت على مرمى حجر من الناس وقبضتها!
ومثلما أداروا الظهر للشعب، أدار لهم الشعب ظهره!
الشعب عاد إلى أخذ ناصية أمره بيديه القويتين: كل يوم عشرات الإضرابات الاحتجاجية، والاعتصامات العمالية، ولم يعد ينتظر من الأحزاب والقوى والشخصيات القديمة المهترئة، أو يتوقع، موقفًا صادقًا وبعيدًا عن الانتهازية !
وكما خرج الشعب ذات أمس ليس ببعيد، يهتف: "الشعب يريد إسقاط النظام"، سيخرج غدًا يطارد سارقى الثورة وقاتلى الحلم فى عز النهار.
فانتظروا من لم يُخيب لنا ظنًا، أو يخذلنا إذا عَمَّ البلاء! __________ وكيل مؤسسي الحزب الاشتراكي المصر*