أكدت دراسة علمية أهمية دور الجمعيات الأهلية في تكوين رأس المال الاجتماعي وتكوين "هوية مدنية" للأفراد، من خلال محاولة اجتذابهم إلي الانضمام إلي منظمات تقوم علي التنوع في العضوية، ما يمثل في ذاته محاولة للتخفيف من حدة الاستقطاب الحادث في المجتمع الذي ينتظم حول ولاءات ضيقة: أسرية، عائلية، ودينية. واشارت الدراسة التي حملت عنوان رأس المال الاجتماعي وحصل بها الباحث سامح فوزي على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من كلية الإقتصاد بجامعة القاهرة إلى ارتباط الفرد بالكيانات التقليدية سواء كانت الأسرة، القبيلة، العشيرة، الجماعة الدينية. والتي قد تصبح رأس مال اجتماعي مظلم حين تصبح هذه الكيانات التقليدية محط "الولاء الأسمي" للأفراد، وتحل محل علاقات "التضامن المدني" التي ينبغي أن تسود المنظمات غير الحكومية، وتسمو علي رابطة "المواطنة" التي يتعين أن تحكم علاقة الدولة برعاياها. وهي إحدي الإشكاليات الكبري التي يعاني منها المجتمع المصري. فقط أصبح الأنكفاء علي الكيانات التقليدية سمة أساسية فيه، ومحركا للعنف، والمحسوبية، وإهدار قيم الكفاءة، والتنافس الحر. وأكدت الدراسة أن الجمعيات الأهلية لا تزال، رغم كثرة عددها، ضعيفة، تنقصها المؤسسية في أحيان كثيرة. وهناك حالة من التفاوت الشديد فيما بينها نظرا لاختلاف حظوظها من الموارد، ما بين جمعيات أهلية تقليدية، محدودة، تعاني من ضعف الموارد، وأخري دفاعية، حقوقية أو نسوية أو بيئية، تتمتع بموارد كثيرة نتيجة انفتاحها علي التمويل الأجنبي. وانتقدت الدراسة حالة الحداثة الشكلية المؤسسية علي الجانبين الحكومي وغير الحكومي. فعلي الجانب الحكومي تهتم الحكومة بالحداثة البيروقراطية الشكلية للمؤسسات التي تتعامل مع المنح الخارجية، والموارد الريعية في حين تظل الجهات الحكومية التي تقدم الخدمات للمواطنين أقل حداثة حتي وإن إعتراها بعض التطوير الشكلي. وعلي الجانب غير الحكومي هناك الجمعيات الأهلية- وهي الأقل عددا والأعلي صوتا- التي تهتم بالتحديث الشكلي، فقط لجذب التمويل الخارجي. وأكدت الدراسة أن المواطن لا يري في هذه أو تلك شبكات آمان اجتماعي، أو تمكين حقيقي له، فضلا عن مساحة الشك والارتياب التي عادة ما تلازمه عند تعامله مع هذه الهيئات والمؤسسات. وبالتالي فإن قطاعا عريضا من المواطنين لجأ إلي الروابط التقليدية، وأعتبرها مصدرا أساسيا لرأس المال الاجتماعي مثل قيم التضامن، والتماسك، والآمان، والاحترام المتبادل، والرضا. وقدمت الدراسة عددا من المقترحات الأساسية لتفعيل اسهام الجمعيات الأهلية في انتاج وإثراء رأس المال الاجتماعي ومن ذلك 1- مخاطبة الاحتياجات المباشرة للمجتمع المحلي بحيث تصبح مؤسسات أهلية نابعة من قلب هذا المجتمع، ترعي مصالحه وشئونه، وتخدم أولوياته الحقيقة، وتقدم الخدمات المباشرة لأعضائه مما يفتح أمامهم باب الفرص الاجتماعية، سواء في تطوير نوعية الحياة علي المستوي الشخصي أو علي مستوي المجتمع المحلي. 2- المصداقية الاجتماعية، وتعني أن الجمعية الأهلية بحاجة مستمرة لكسب تأييد المجتمع المحلي، وأن تمتعها بالمصداقية يُعد شرطاً ضرورياً لاستمرار دورها، وقدرتها علي انتاج وإثراء رأس المال الاجتماعي. 3- فكر الاستدامة، من حيث التواصل مع مشروعات مستمرة، يشعر الأفراد بأنها تشكل بالنسبة لهم مصدرا للخير العام، وعلاقات ممتدة بالنسبة له. 4- تعبئة الموارد علي نحو مجتمعي يصبح الأعضاء أصحاب مصلحة، وليسوا متلقين سلبيين 5- بساطة الهياكل الإدارية وارتباطها المباشر باحتياجات الواقع، 6- تداول الموقع، تفعيل آليات المشاركة، آخذا في الاعتبار أن المشاركة هي قرار أفراد المجتمع متي شعروا بأهمية المشاركة. 7- الأسلوب التشاركي في الإدارة 8- الثقافة المدنية، المدخل الثقافي يٌعد أداة مهمة لتطوير العمل المؤسسي في الجمعيات الأهلية. ويعني ذلك أن تصبح هذه المؤسسات أبنية اجتماعية لانتاج ثقافة رأس المال الاجتماعي بما يعنيه من شيوع قيم الثقة، والاحترام المتبادل، والعمل المشترك، والتضامن، والتفكير الجماعي، الخ. من هنا لا معني لمؤسسات أهلية مدنية دون فعل مدني، ويصعب تصور أن تقوم مؤسسات مدنية بانتاج رأس المال الاجتماعي في ظل ثقافة تنظيمية تسلطية.