* آخرون في يوم 26 فبراير الحالي تمر الذكري الخامسة والعشرين لأحداث الأمن المركزي. وقتها قيل أن أنها كانت مؤامرة علي وزير الداخلية. ولكننا نراها الآن, وبعد مضي 25 عاما بنظرة جديدة.من حيث: أولا: أنها كشفت عن وجود صراح داخلي بين رجال المبارك . ثانيا: كانت بمثابة نواة أو بذرة للثورة علي النظام الديكتاتوري. ولأن مبارك وقتها كان في أوجل حكمه , ولم تكن هناك معارضة لها أنياب ولا أظافر ,كمعارضة اليوم , فقد تم كبح جماح تلك الثورة في مهدها بمعاونة أحزاب المعارضة وقتها . وكانت المعارضة بمثابة الغطاء السياسي لعملية قمع تلك الثورة. ثالثا: أن تلك الأحداث كانت بمثابة تمرين عملي لعملية التمرد علي النظام القمعي للشرطة, وما يحدث لفئة معينة من الجهاز, والظلم الذي حاق بها.ومحاولة ذاتية من داخل الجهاز للقيام بعملية التطهير أو ما يسمي بالمقاومة الذاتية للظلم. لتطهيرها من الداخل. قبل أن نبدأ في تفسير فكرة المؤامرة في تلك الأحداث نلقي نبذة عما حدث وقتها . في السادسة من صباح 26 فبراير 1986أعلنت أجهزة الإعلام انه تم فرض حظر تجول في منطقة الأهرامات بالجيزة اعتبارا من الساعة السادسة صباحا , وذلك بسبب تمرد المجندين بقطاع الأمن المركزي بمنطقة الأهرامات . وفي الثانية والنصف بعد الظهر أعلن عن فرض حظر تجول اعتبارا من الساعة الرابعة وحتى إشعار آخر , كما أعلن عن انتشار القوات المسلحة في الشوارع الرئيسية بالقاهرةوالجيزة وذلك للمحافظة علي الأرواح والممتلكات . وفي الساعة السادسة أعلن قرار إغلاق المدارس والجامعات في القاهرةوالإسكندريةوالجيزة وأسيوط وسوهاج. وأعلن صفوت الشريف وزير الأعلام في التليفزيون أن الأمن مستتب تماما , وأنه تم تعيين قائد المنطقة العسكرية بأسيوط حاكما عسكريا للمحافظة , وعندما تحدث وزير الإعلام عن حادث التمرد ذكر أنه تم العثور علي مبلغ خمسين جنيها مع بعض جنود الأمن المركزي المقبوض عليهم, وهي عبارة عن خمسة أوراق من فئة العشرة جنيهات مع كل منهم , وكلها أوراق جديدة . وأعلن الوزير أنه تم تبادل إطلاق النار بين المجندين في الأمن المركزي وبين الوحدات العسكرية التابعة للقوات المسلحة بمنطقة منقباد بأسيوط حيث تتجاور معسكرات القوات المسلحة مع معسكرات الأمن المركزي . كما تكرر تبادل إطلاق النيران في منطقة الهرم بالجيزة , وطريق الإسكندرية الصحراوي . في اليوم التالي 27 فبراير 1986إجتمع رئيس الجمهورية مع رؤساء الأحزاب السياسية في مصر , وأعلن رؤساء الأحزاب في نهاية الاجتماع ان الرئيس شرح لهم الأسباب التي أدت الي هذا التمرد , ونشرت الصحف ان الجنود الهاربين اعتدوا علي سيارات وممتلكات المواطنين في شارع الهرم , وكان من بين الذين تم الاعتداء عليهم وزير الهجرة أثناء ركوبه سيارته أمام منزله في الهرم . كان من الملاحظ ان الصحف تحاشت ان ذكر اسم اللواء احمد رشدي وزير الداخلية أثناء تغطية أحداث التمرد , كما سرت إشاعة تفيد أنه أصيب في رأسه أثناء محاولته إجراء حوار مع المتمردين الثائرين . كما نشرت الصحف ان المتهمين وهم من جنود الأمن المركزي , قام بتجميعهم" شاويش السرية" في قطاع الهرم وقرأ عليهم منشور صدر عن وزارة الحربية بزيادة مدة تجنيدهم عاما رابعا , فخرجوا من المعسكر في حالة هياج وثورة وأشعلوا النيران في الفنادق والمحلات المجاورة لشارع الهرم . ولم يفسر التحليل السابق , سبب خروج قوات الأمن المركزي بأسيوط وسوهاج , في وقت واحد مع قوات الجيزةوالقاهرةوالإسكندرية . وكتبت الصحف , ان الواقع الذي يعيشه جنود الأمن المركزي , وقوات الأمن , يكشف عن انحطاط في الخدمات التي تقدم لهم في الإعاشة والملابس , فضلا عن المعاملة القاسية , وتشغيلهم في أعمال شاقة . وظهر وزير الداخلية الجديد , وهو يفتتح المخابز والمطاعم الجديدة التي أنشئت في المعسكرات لتجهيز الوجبات المحسنة الجديدة التي ستقدم للمجندين . كما ظهر الوزير وهو يتناول الطعام معهم . ومن ناحية أخري القي هذا الحادث بظلاله علي عملية أختيار وزراء الداخلية فيما بعد . وكان نقطة الفصل بين مدرستين من مدارس الأمن في مصر. أنه من المعروف أن العرف المهني في وزارة الداخلية, يقوم علي تصنيف وزراء الداخلية الي مدرستين . مدرسة أمن الدولة , ومدرسة الأمن العام . من حيث الجهة الأمنية التي جاءوا منها. فيقال هذا وزير من أمن الدولة, نسبة إلي الوزراء الذين كانوا يعملون في جهاز أمن الدولة.ويقال وزير أمن عام, إذا جاء من الأمن العام, أي من العاملين في مجال الأمن الجنائي. أي مديريات الأمن أو الجهات الشرطية الأخرى. وكل جهة من تلك الجهات تلقي ظلالها علي شخصية الوزير وطريقة تعاملاته من الجمهور ومرؤوسيه . عموما الوزراء الذين ينتمون إلي مؤسسة أمن الدولة , يغلب عليهم الطابع الرسمي في التعاملات , أي يميلون دائما الي التقارير المكتوبة , كما أنهم يميلون إلي تجميع المعلومات , وهذا في حد ذاته يجعل عملهم يتسم بالبطء , كما أنهم يميلون إلي أهل الثقة دون أهل الخبرة . مما يساعد علي نمو الشللية. كما أنهم يستمعون أكثر ما يتكلمون , وبالتالي تكون قراراتهم بطيئة , ولكنها في نفس الوقت حاسمة وعملية , كما أنهم غالبا ما يخطئون عند تقييمهم لمرءوسيهم , أو المتعاملين معهم , وربما يأخذونهم بالسماع , وأذنهم دائما قريبة من أفواه المتحدثين , وهم دائما في حالة ارتياب من الآخرين , ويميلون الي خلق روح التآمر في الأماكن التي يعملون بها , وبتلك الطريقة يحصلون علي معلومات قد تكون ذات فائدة في العمل . ويميلون الي تصيد الأخطاء , أو إيقاع مرؤوسيهم , الغير مرغوب فيهم , في أخطاء عمدا لسهولة التخلص منهم , وأحيانا عدم معاقبتهم , لسهولة السيطرة عليهم لصالحهم . وهي ذات الطرق المتبعة في تجنيد بعض الأشخاص . وهؤلاء هم من أدخلوا وزارة الداخلية في العمل السياسي. ومنهم اللواء حسن ابوباشا وحبيب العادلي . أما الوزراء الذين ينتمون إلي مدرسة الأمن العام , وهم كل وزراء الداخلية بعد حادث الأمن المركزي في 1986حتي الآن .عدا حبيب العادلي . أي من العاملين في حقل الأمن الجنائي , فهم واقعيون , ويتفهمون نبض وحركة الشارع , ويحسنون التعامل مع الآخرين , ودائرة معارفهم واسعة , وتشمل كل طبقات المجتمع , من أسافل القوم حتي النخبة . ولهم خبرة عالية في التعامل المباشر مع الجماهير, وقراراتهم سريعة, ومن السهل أن يقتنعوا بوجهة نظر الآخرين. وليس من السهل تضليلهم . كان حادث الأمن المركزي سببا في إقالة اللواء أحمد رشدي . وإلتزم الرجل بالصمت . ولكن في مرات قليلة تحدث الي أجهزة الإعلام . وفي أحدي المرات ذكر أنه كانت هناك مؤامرة عليه, وعلي الوزارة. ورغم خطورة ما ذكره الوزير من أنه كانت هناك مؤامرة تدبر ضده من بعض العناصر القيادية في الدولة حسب ما أخبره به بعض أصدقاء الوزير من قيادات القوات المسلحة . فان أحدا لم يطالب الوزير بتوضيح ما كتبه , كما لم تتدخل أي هيئة من الهيئات التي تهيمن علي الأمن القومي لتوضح للناس أبعاد تلك المؤامرة , والمقصود بها , ورغم ان كلام الوزير وقتها كان يمس الأمن القومي المصري فإن الأجهزة المعنية كلها ألتزمت الصمت , ولم يخرج تقرير واحد يرد علي الرجل تحمل وحده تلك المؤامرة . ويبين لنا من هو صاحب المصلحة فيما حدث ومن جانبنا نتساءل :من هو صاحب المصلحة في إبعاد احمد رشدي بالذات ؟ ومن هو المسئول الذي يتآمر علي وزير الداخلية ؟ولمصلحة من تحدث تلك المؤامرة ؟ ولكن لو راجعنا ما حدث وقتها والنزاع بين رجلين يتنازعان علي السلطة وهما مبارك وأبو غزالة , أمكن لنا تفسير ما حدث . تكشف الأنباء التي رشحت من في ذلك الوقت . أن هناك صراعا مكتوما بين مبارك والمشير المثقف والطموح عبد الحليم أبو غزالة.ربما من إحساس المشير أبو غزالة بأنه كان الأولي من مبارك في رئاسة الجمهورية بعد مصرع السادات . غير ان مبارك كان بدأ في اتخاذ بعض الإجراءات لمحاولة تقليل نفوذ أبو غزالة تمهيدا لإقصائه في تلك الفترة التي سبقت وقوع أحداث الأمن المركزي . مع مطلع 1984 قام الرئيس مبارك بإجراء تغييرات واسعة في قيادات القوات المسلحة , دون إطلاع المشير أبو غزالة عليها . وفي يوليو 1984 قام الرئيس بتعيين الفريق أول كمال حسن علي رئيسا للوزراء لمساندة الرئيس, وهو العسكري الوحيد الذي عينه مبارك رئيسا للوزراء, ربما لمساندة الرئيس مبارك للوقوف في وجه أبو غزالة والحد من نفوذه داخل مجلس الوزراء.وهي الوزارة التي جاء فيها اللواء أحمد رشدي وزيرا للداخلية, وقتها كان رشدي محسوبا علي الرئيس ومن رجاله. في نوفمبر1984 قام مبارك بشطب المشير عبد الحليم أبو غزالة من عضوية المكتب السياسي للحزب الوطني, وربما تنبه مبارك إلي خطورة ممارسة المشير الطموح للسياسة. وعندما أثبت الفريق أول كمال حسن فشله في إدارة البلاد اقتصاديا , أقاله الرئيس مبارك في سبتمبر1985 , وجاء بالدكتور علي لطفي , مما أدي الي عودة نفوذ المشير آبوغزالة من جديد في الهيمنة علي مجلس الوزراء .. وفي نوفمبر 1985 وقع حادث الباخرة الأمريكية أكيلي لاورو, وقد أختطفها الفلسطينيون وقتلوا أمريكي مقعد علي ظهرها . وقتها نشب نزاع خفي بين مبارك وأبو غزالة حول أسلوب معالجة حادث الباخرة التي وصلت إلي ميناء بورسعيد وعلي متنها الفلسطينيين والأمريكي القتيل , وقتها طلبت الولاياتالمتحدةالأمريكية من مصر تسليمها القتلة , ولكم مبارك آثر أن ينقل الفلسطينيين إلي تونس مقر القيادة الفلسطينية وقتها , في محاولة منه لكسب جبهة ارفض العربية , غير أن تلك المعلومة تسربت إلي الأمريكان وقاموا باعتراض الطائرة المصرية , وأنزلوها عنوة في مالطة . وقد أنكر المتحدث باسم الخارجية الأمريكية وقته أما نشرته صحيفة لموند الفرنسية أن المشير أبو غزالة هو من ابلغ الأمريكان بانطلاق الطائرة نحو تونس . ويقال أن نفوذ أبو غزالة بعد يزداد في أعقاب زيارة ابوغزالة لأمريكا في نهاية 1985, وبدا مبارك يستشعر الخطورة في تحركات أبو غزالة , فبيت النية لإقصائه , وهو ما جعل أبو غزالة أيضا يتحرك في الاتجاه المضاد .. * رأي مصدر الخبر : البداية