كالباحث عن فريسته جلس الذئب البشري على جسر أحد الحقول الزراعية بالوراق، حيث الهدوء والظلمة التي خيمت على المكان.. فهناك تتحرر الشياطين من أغلالها وينطلق المارد من القمقم. لم يؤثر فيه صوت المؤذن لصلاة العشاء ولم تزلزله الكلمات "الله أكبر.. الله أكبر"، كان صوت الشيطان اعلى وصداه فى نفسه اوقع لأنه اسلم له عقله الذى ذهب وقلبه الذى تحجر بفعل الشهوة الحيوانية الطاغية. تلفت حوله ليجد شبحًا قادمًا فى الظلام، شبح يهرول فيتعثر.. يسقط ثم يقوم مسرعًا بينما يحمل شيئًا – بحرص شديد - بين ذراعيه، أرهف سمعه فلم يسمع إلاّ وقع أقدام رقيقة، رغم إسراعها بالمسير.. الشبح يقترب شيئًا فشيئًا.. وما إن صار على مقربة منه حتى تبين ماهيته.. شابة مسكينة تضم رضيعها إلى صدرها وتشق عتمة ليل الشتاء البهيم باحثة عن أقرب طبيب يخفف عن وليدها ارتفاع حرارته. وبدلًا من أن تحرّكه النخوة و"ينقح عليه عرق الشهامة"، تحرك المارد الساكن بداخله، وهاجم المرأة غير عابىء باستغاثاتها أو صرخات الرضيع.. كتم أنفاسها.. جرّدها من ثيابها وبدأ فى الاعتداء عليها. وفجأة شقت سكون الليل صرخة مكتومة.. فهرع الأهالى باتجاه الصوت وكانت العناية الإلهية قد أرسلتهم فى الوقت المناسب، فانطلق رهط من الرجال خلف الذئب البشرى الذى توقع أن تستره الزراعات ويواريه ظلام الليل عن اعين مطارديه.. لكنها الطبيعة التى خُلقت لتنكر كل فعل قبيح وتأبى ان تخبىء بين أحضانها كل جبار عتيد، فصار الظلام نبراسًا يهديهم إلى وِجهته.. وتحوّلت الزراعات إلى علامات إرشادية تدلهم على خطواته حتى نجحوا فى الإمساك به واقتادوه إلى قسم الشرطة. فيما أصرّت الأم على الاطمئنان على وليدها وزيارة الطبيب قبل التوجه لإتمام تحرير المحضر.