دمار في البنية التحتية، زيادة البطالة، تراجع السياحة، تباطؤ عجلة الإنتاج، تضخم الدين المحلي والخارجي، تراجع سعر صرف العملة المحلية، انعدام الأمن، زيادة رقعة المقابر، تدفق اللاجئين داخل البلاد وخارجها، انتشار العصابات والشبيحة والمحسوبيات والسرقات، تقسيم البلاد إلى طوائف ومذاهب، ازدهار الكراهية، انقسام الشعوب، وقديماً كان يقال: الثورة تأكل أبناءها، الآن يمكن القول، الأبناء يأكلون الأوطان، والأوطان تأكل أبناءها، والنتيجة، هنالك أوطان تنتحر تدريجياً، وشعوب على حافة الحروب الأهلية، وهنالك اقتصاد يتهالك، وهناك مواطنون يعانون الغلاء وغياب السلع الأساسية، تلك هي ملامح ما بعد التغيير في الدول العربية التي شهدت تغييرات في أنظمة الحكم، أو الأنظمة التي لا تزال في خضم التغيير . ليس المقصود هنا الشماتة ببلدان الربيع، ولا الإعلاء من شأن الأنظمة السابقة، وإنما هي نظرة على مخرجات التغيير الذي يتم عشوائياً، الذي أدهشت نتائجه قياداته . في مصر كما هو الحال في تونس واليمن وليبيا والآن في سوريا، اقتصادات مترهلة، ولولا النفط في بعض البلدان (ليبيا)، المورد الرئيس الذي يمدها بالحياة الآن، لعانى شعبها الجوع والعطش والتشرد والهجرة، أما بقية الدول الأخرى، فقد أصبحت رهينة للبنوك المحلية الداخلية، وللبنك الدولي، الذي يملي سياساته وشروطه التي تتيح له التدخل في شؤون الدول المقترضة، التي حولت الربيع إلى خريف، والحلم بالانتقال إلى بلد حر ديمقراطي ليبرالي، إلى كابوس يومي، يجبر كثيرين على الهجرة خارج الوطن . ونظرة على الوضع الاقتصادي وبعض لإحصاءات والأرقام في الدول التي يسميها الإعلام، دول الربيع العربي، سنعلم أن ثمة عشوائية واكبت التغيير أو نبعت منه، كل ذلك، لأن صندوق الاقتراع لا يرضي الجميع، فهناك من يريد أن يحتكم لصندوق الاقتراع ويصرّ على الفوز، وإن لم يفز فسيخرب الدنيا، وتكون الانتخابات مزوّرة، ومنهم من مارس سياسة الاستدراج، لاسيما الإسلاميون المتطرفون، الذين رضوا بصندوق الاقتراع ثم انقلبوا عليه ينشدون إمارات ما قبل 1400 عام . ترى ماذا حل باقتصادات دول (الربيع العربي)، والتركيز هنا على الاقتصاد لأن البعض أرجع الانتفاضات إلى الوضع الاقتصادي والفقر والبطالة، فإذا بالوضع الاقتصادي يزداد تفاقماً بعد التغيير ونجاح الانتفاضات، وسنختصر قدر الإمكان، لأن التقارير كثيرة وطويلة، فعلى سبيل المثال، تشير التقارير الواردة من سوريا وأحدثها يعود إلى 28 ديسمبر/ كانون الأول 2012 إلى تسارع وتيرة هبوط قيمة الليرة السورية، وتجاوز هبوطها 50% عن قيمتها قبل اشتعال المعارك بين النظام والجماعات المسلحة، منذ نحو عشرين شهراً، في حين تراجعت الصادرات من 14 مليار دولار إلى أقل من 3 مليارات، وغادر سوريا أكثر من 70% من كبار رجال المال والأعمال، وتم تسريح نحو 300 ألف عامل وموظف، وتوقفت السياحة في سوريا كلياً، وكانت تدرّ نحو 6 مليارات دولار سنوياً . وفي مصر، نشرت صحيفة “الدستور” الإلكترونية المصرية بتاريخ 27 يونيو/ حزيران 2012 ملخصاً لدراسة أعدها أحمد آدم رئيس قطاع التخطيط بالبنك الوطني سابقاً والخبير المصرفي، يحذر فيها رئيس الحكومة الجديدة من انهيار الاقتصاد المصري، ومن ناحية ثانية كشف تقرير أصدره البنك المركزي المصري أن الدين الخارجي المستحق على مصر بلغ بنهاية يونيو/ حزيران ،2012 4 .34 مليار دولار، مقابل ارتفاع الدين المحلي ليصل إلى 274 .1 تريليون جنيه . وفي تونس، حيث الشعب الذي افتتح (الربيع العربي) تعيش الدولة بعد التغيير أزمة اقتصادية وتدهوراً في مؤشرات النمو، فقد خفضت وكالة التصنيف الأمريكية “ستاندرد أند بورز” الملاءة الائتمانية السيادية لتونس إلى درجة متوسطة، وتتوقع الوكالة أن يرتفع الدين العام لتونس إلى ما يمثل 49% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2013 مقابل 40% عام 2010 . وجدير ذكره أن البنك الدولي أقر يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 قرضاً بقيمة 500 مليون دولار لتونس، لمساعدتها على التعافي من الانتفاضة التي أسقطت نظام ابن علي، إضافة إلى قرض قيمته 700 مليون دولار من مانحين آخرين، وما يزيد الطين بلة أن نسبة كبيرة من التونسيين بدأت تتذكر عهد الرئيس ابن علي، فقد أفادت نتائج استطلاع رأي قام بإجرائه “معهد سيغما كونسي” ونشرته صحيفة المغرب التونسية في شهر مايو/ أيار 2012 أن 42% من التونسيين يعتقدون أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والأمنية في تونس، كانت أفضل في عهد الرئيس السابق ابن علي مما هي عليه الآن . وفي اليمن، كشفت بيانات مالية رسمية أفرج عنها في الربع الأول من العام الماضي عن ارتفاع حجم الدين العام الداخلي خلال العام الماضي ليصل إلى تريليون و92 مليار ريال يمني، مقارنة بنحو 780 مليار ريال يمني في العام ،2010 وأظهر تقرير صدر حديثاً عن البنك المركزي اليمني انخفاض الدين العام الخارجي على اليمن بشكل طفيف خلال الفترة نفسها ليصل إلى 6 مليارات و72 مليون دولار في العام 2012 مقارنة ب 6 مليارات و144 مليون دولار عام ،2011 في مؤشر يعيده خبراء ماليون إلى توقف مؤسسات التمويل والمقرضين الدوليين عن إقراض اليمن نتيجة الأزمة السياسية التي شهدتها البلاد في 2011 . وكشف اللقاء الذي نظمه أواخر شهر ديسمبر/ كانون الأول 2012 مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي وفريق الإصلاحات الاقتصادية بالتعاون مع مركز المشروعات الدولية الخاصة CIPE عن أن نسبة البطالة في اليمن تجاوزت 35% بين القوى العاملة و60 % بين أوساط الشباب . وفي ليبيا، عانى الاقتصاد الليبي أزمة سيولة مالية طوال عام 2012 لدى المصارف التجارية الليبية، ما دفع مؤسسات مالية دولية لأن توصي ليبيا بضرورة طباعة كميات من النقود للتغلب على أزمة نقص السيولة، كما واجه الاقتصاد الليبي تحديات صعبة، تتمثل في استعادة استقرار الوضع الأمني، إذ تعاني ليبيا، منذ نهاية ثورتها في أكتوبر/ تشرين الأول ،2011 عنفاً وتهريب أسلحة ورواجاً للمخدرات ونزوح لاجئين غير شرعيين . ويحق لنا طرح سؤال جوهري: أين أحلام الشعوب الثائرة من أجل رغيف الخبز والعيش الكريم؟ وأين الاستقرار (واللبن والعسل) الذي وعدت به الدول التي ساندت تلك (الثورات)؟ الشعوب الآن تستطيع التعبير عن رأيها صراحة وتقول إنها جائعة وعاطلة عن العمل، وخائفة على أمنها المجتمعي وقلقة على مستقبلها، فحتى الآن، لم نر نموذجاً مشرقاً للتغيير، وكل ما نراه، بعد مضي عامين على التغيير في بعض الدول هو، انتشار المسلحين والمتطرفين وعمليات السطو والتحرش والخطف وغيره، في حين أن الإنسان الفقير يزداد فقراً، والتجار يزدادون ثراء، لأنهم وجدوا سلعة رائجة يتاجرون بها وهي: السلاح، فهل هذه هي الديمقراطية التي حلمت به شعوب الربيع؟ ما يجري يشير إلى أن القادم مرعب في الوطن العربي . والمواطنون يستحقون العيش بسلام وحرية وكرامة، ولكن، قديماً قالت العرب: ما هكذا تورد الإبل . ----------- (نقلا عن الخليج - الامارات)