إقامة سور عازل لحماية السفارة الاسرائيلية إجراء ساذج لأن الجماهير المندفعة حطمت كتل الأسمنت والحديد ووصلت إلى مدخل السفارة ، وبإمكان نفس الجماهير وبأعداد أكبر أن تعيد الكرة . لا أهمية اذن للسور العازل إلا من زاوية كشف نوايا الحكم العسكرى للبلاد ، فهو يعلن للشعب المصرى بهذا الإجراء أن السفارة الاسرائيلية من ثوابت سياسة المجلس الانتقالى كما كانت من ثوابت حكم مبارك . وفى اعتقادى أن الأمة ستخوض معركتها الكبرى بعد إسقاط مبارك على هذه الجبهة تحديدا. فبقايا نظام مبارك ماتزال تتمسك بثوابته الأساسية وهى العلاقات الخاصة مع أمريكا واسرائيل. وستظل تعتبر معاهدة السلام مع اسرائيل قدس الأقداس الذى لايجوز الاقتراب منه . وكما حطمنا الصنم الأكبر ( الطاغية المخلوع ) سيتعين علينا أن نحطم عقيدته ونسحقها سحقا وقد كانت عقيدة مبارك هى تلك ( العلاقة الخاصة مع اسرائيل) مهما فعلت بنا وبأمتنا العربية الاسلامية والاستمرار فى تهديدنا بمخاطر الحرب ، علما بأن الذى يهدد بالحرب عادة هو العدو ، ولكن حكامنا فى عهد مبارك وحتى الآن هم الذين يهددوننا بالحرب وكأنهم هم العدو . أما اسرائيل فلا تهدد بالحرب ولا أى شىء من هذا القبيل بل تعددت الآراء الاسرائيلية التى تطالب بالغاء كامب ديفيد وبوقف الاعتماد على الغاز المصرى والبحث عن مصدر بديل . إن الذى يهددنا بالحرب هم حكامنا المصريون!!! عن طريق الأبواق الاعلامية التى تردد نفس الكلام السقيم عن مصر القزمة أمام اسرائيل العملاقة ، وهو مايردده من يسمون أنفسهم محللين استراتيجيين. وعندما طردت تركيا السفير الاسرائيلى انكشف هؤلاء الناعقون بمخاطر الحرب، فقد رأى الناس جميعا أن الحرب لم تقم بين اسرائيل وتركيا ، رغم أن تركيا جمدت أيضا الاتفاقات العسكرية وهى اتفاقات بالغة الأهمية بالنسبة لاسرائيل ، ويمكن لتركيا أن تعوضها مع أطراف أخرى ، بل أساسا بالاعتماد على تطوير صناعتها الحربية . والحقيقة أننا اصبحنا أشبه بالبلد المحتل ، والذى لايمكن تحريره إلا بإسقاط هذه المعاهدة أو تجاهلها واعتبارها كأن لم تكن . أشرنا فى المقال السابق إلى فقداننا السيادة على مجمل سيناء ، مقابل تقييد التسليح الاسرائيلى بعمق 3 كيلومترا ، وهى مسافة مضحكة بمعايير الحروب الحديثة .ونتحدث اليوم عن مسألة التطبيع بالاكراه وهى مسألة لاتفرض فى المعاهدات إلا على الطرف المهزوم فى الحرب ! قبل مبادرة السادات بزيارة القدسالمحتلة كانت له أحاديث كثيرة عن السيادة وحقوق السيادة ، والفارق بين إنهاء حالة الحرب وإقامة العلاقات الدبلوماسية والتطبيع ، وان المعاهدة المستهدفة مع إسرائيل تخص إنهاء حالة الحرب ، أما العلاقات الاقتصادية والدبلوماسية والثقافية فهذه من حقوق السيادة ، وهذا الكلام صحيح من وجهة نظر القانون الدولي.. ولكن الرئيس السادات فقد أعصابه ، وتعجل ، وتصور أنه سيحصل على سيناء بسرعة ، وببعض الإغراءات ، فسار في الشوط إلى نهايته.. وبدأ يقدم تنازلات مجانية متوالية .. فلدي زيارته للقدس وعد بيجن بنزع سلاح سيناء ، وفي لقاء ثان مع وايزمان وعده بالعلاقات الدبلوماسية والتطبيع الكامل ، كل ذلك والمفاوضات الجدية لم تبدأ بعد ، ثم جاءت معاهدة السلام لتفرض العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل ، وأصبح إغلاق السفارة الإسرائيلية انتهاكا للمعاهدة ، وهذا اختراق للسيادة المصرية (وأشرت في المقال السابق لانتهاك السيادة في حق سحب القوات الدولية ، ومجرد وجود هذه القوات) وأصبحت العلاقات الاقتصادية مع إسرائيل إجبارية لأنها جزء من المعاهدة ، كذلك الأمر فيما يتعلق بالعلاقات الثقافية.. وإذا افترضنا جدلا أنه يمكن أن تنشأ صداقة بين عدوين سابقين فإننا لا يمكن أن نتصور أن تقوم صداقة حقيقية بالإكراه ، أو حب يستند للمسدس الذي يضعه الحبيب في رأس حبيبه ، ولأنه تطبيع بالإكراه ، فلا يمكن أن يكون في صالح مصر.. أرادت إسرائيل أن تشعر بأنها لم تخسر شيئا من انسحابها من سيناء ، فعلى المستوي الأمني حققت الاستفادة من سيناء كمنطقة عازلة أمنية ، وعلى المستوي الاقتصادي أصرت على حقها في شراء كمية ثابتة من بترول سيناء ، وكأنه من حقها ، وكأنه لم يكفها ما قامت به من استنزاف لحقول البترول في سيناء طوال فترة الاحتلال. ورفض المفاوض المصري هذا الفرض في البداية حيث تكون (العلاقة في هذه الحالة علاقات غير طبيعية تحمل طبيعة الاذعان.وان ( السلام يعني علاقة طبيعية بين دول نبذت الحرب في علاقاتها المشتركة ، ولكنه لا يمكن تفسيره على أنه علاقات اقتصادية جبريا ينص عليها في معاهدة سلام وإلا فلا معاهدة ولا سلام).(على حد تعبير كمال حسن على في مذكراته). ومع ذلك تراجع المفاوض المصري .. وأعلن السادات التزام مصر ببيع 2 مليون طن من البترول سنويا لإسرائيل(أي ربع إجمالي احتياجات إسرائيل السنوية). وهو الأمر الذي جعل إسرائيل في مقدمة مستوردي البترول المصري ، والطريف أن توريد البترول لإسرائيل بدأ حتى قبل إتمام الانسحاب الأولي من سيناء. وعندما أوشك الزيت على النفاد ، أمر المخلوع بزيادة البحث والتنقيب عن الغاز الطبيعى لسد احتياجات اسرائيل ، وأصبحت مصر تغطى أكثر من ربع احتياجات اسرائيل من الطاقة ، ووصلت النسبة إلى 40%. فى حين أن مصر فى أمس الاحتياج لكل متر مكعب لغاز المنازل والمصانع ومحطات الطاقة . واذا احتلت اسرائيل مصر رسميا فلن تفعل أكثر من ذلك . إن معركة استقلال مصر تعنى تجاهل هذه الاتفاقية والتصرف بحرية ، مع الاعلان عن الالتزام بهدنة مفتوحة مع العدو الصهيونى ، طالما التزم بها ولم يعتد على أراضينا أو سيادتنا [email protected]