بقلم د. عادل عامر اقتحم عشرات من الشباب المصري الغاضب مَخزنًا تابعًا للسفارة الصهيونية بالقاهرة؛ حيث قاموا بإلقاء جميع المستندات والأوراق الموجودة به في الشارع عبر النوافذ. كما قام بعض المتظاهرين بإشعال ا النار في ثلاث سيارات تابعات للشرطة. وشهدت منطقة السفارة "الإسرائيلية" اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن بعد هدم الجدار الخرساني المقام أمام السفارة، حيث قام المتظاهرون بإلقاء الحجارة على قوات الجيش والشرطة، التي بادلتهم بدورها الرشق بالحجارة. وكان الآلاف من المتظاهرين تجمعوا أمام مقر السفارة "الإسرائيلية" فيما أطلقوا عليه "جمعة الشواكيش" من أجل تحطيم الجدار الخرساني، الذي تم بناؤه من أجل منع المتظاهرين من الوصول إلى السفارة. وتأتي المظاهرات أمام السفارة "الإسرائيلية" احتجاجًا على مقتل خمسة من رجال الأمن المصريين على الحدود على يد القوات "الإسرائيلية" في الشهر الماضي.وجديرا بالذكر أن السفارة "الإسرائيلية" شاغرة إذ إن الدبلوماسيين "الإسرائيليين" في منازلهم ولا يُخشى على حياتهم. وتجري وزارتا الخارجية والحرب الصهيونيتان سلسلةَ مشاوراتٍ واتصالاتٍ مع الجهات المصرية والأمريكية والأوروبية المختصة. وأكدت "إسرائيل" أنها تتوقع من مصر أن تقوم بواجبها وتحمي السفارة "الإسرائيلية" في القاهرة. وشنت وسائل الإعلام الصهيونية هجومًا شديدًا على المتظاهرين المصريين الذين قاموا بهدم الجدار الخرساني العازل الذي بُني مؤخرًا حول مبنى السفارة، وكذلك إنزال العلم الصهيوني من فوق السفارة وتمزيقه، ووضع العلم المصري بدلاً منه، ووصفتهم بأنهم "غوغائيون".كما أن التعزيزات العسكرية من جانب الجيش والشرطة لم تنجح في كبح جماح المتظاهرين الغاضبين الذين تزايدت أعدادهم، " أن تواصل الاحتجاجات الغاضبة ضد السفارة الصهيونية وإنزال العلم الصهيوني من أعلى مبنى السفارة للمرة الثانية يؤكد تعاظم تدهور العلاقات بين مصر والكيان الصهيوني على المستوى الشعبي. إن اقتحام السفارة الإسرائيلية يعتبر عملا مشينا لأنه وضع الحكومة المصرية في مأزق سياسي ، ونقل عنها صورة غير لائقة أمام العالم أن هناك فارقا بين الموقف الرمزي بهدم الجدار الأسمنتي حول مبنى السفارة ،وبين انتهاك حرمة السفارة التي تعد جزءا من الدولة على أرض الدولة المضيفة ووفق قواعد القانون الدولي على السلطات المصرية حماية السفارة لأن لها سفارة مناظرة بالدولة الأخرى وسائر الدول ولم نسمع من قبل أن هناك اعتداءً عليها . أن الحكومة قادرة على تجاوز هذا الموقف والتعاطي مع الأزمة الدبلوماسية بمهارة خاصة أن المشكلة ناتجة عن سلوكيات أشخاص متظاهرين وليس موقف رسمي. أما فيما يتعلق باحتذاء بعض عناصر القوى السياسية بالموقف التركي المتمثل في طرد السفير الاسرائيلى ،فيجب أن نعى أن المسألة مختلفة لأننا لم ننتظر نتيجة التحقيقات في حادث قتل الجنود المصريين على الحدود بينما أعطت تركيا الفرصة للتحكيم الدولي في قضية الاعتداء على قافلة الحرية المرسلة إلى غزة ، وعندما لم ينصفها بعد عام ونصف تحركت سياسيا . ثم إن مصر لها مطلبان قد يتأثران بما حدث هما التحقيق والاعتذار و تعديل اتفاقية كامب ديفيد بما يكفل حماية الحدود. أن القاعدة القانونية تنص على أن مقر البعثات الدبلوماسية يتمتع بالحصانة وبالتالي تصرف المتظاهرين غير سليم ،أما موقف الحكومة المصرية ، فليس به خطأ يستوجب أن تعتذر إمكانية تجاوز الأمر لسببين أن السلطات اتخذت إجراءات الحماية بقدر المستطاع عن طريق توفير عربات الأمن المركزي وقوات الجيش والشرطة والبوليس السري وحماية حراس السفارة ، وان التطاول صادر من محتجين أفراد في ظروف استثنائية واثر مشكلة على الحدود أشعلت المشاعر الحماسية للثوار ، وان غياب الدولة إثر ثورة يناير ينفى مسئوليتها القانونية . أن إسرائيل لم تعلن حدوث الاقتحام حتى الآن كي تطالب مصر بالاعتذار أو بالتحقيق في الحادث وإنما استدعت سفيرها للتشاور هذه الخطوة بأنها تعكس خطة لإحكام الموقف ومؤشر على التعاطي بين السلطات لإنهاء الأزمة. إن ذلك لن يؤثر على موقفنا التفاوضي في الاعتداء على الحدود لأن الأزمة هنا بين دولتين وصدرت من قوات مسلحة إسرائيلية رسمية وليس من مواطنين ويحق لمصر قانونا تعديل اتفاقية السلام لأن القوات الإسرائيلية اقتحمت الحدود المصرية بسيناء ولو من الجو. أنه طبقاً المادة 22 من اتفاقية جنيف لعام 1961 تلتزم مصر بإجراءات محددة لحماية السفارة الإسرائيلية والبعثات الدبلوماسية ، وتأكيدا لحق الحصانة نصت المادة 24 من الاتفاقية نفسها على حماية الأوراق والمستندات والوثائق الخاصة بالسفارات الأجنبية . أن مصر الآن معرضة للمسئولية القانونية الدولية لانتهاك اتفاقيات الحماية الدبلوماسية أنه لم تكن هناك حاجة للاقتحام وكان يمكن شراء العلم وحرقه من اى مكان لعدم إحراج الدولة وإشاعة التوتر الامنى بالبلاد لان هذا السلوك العنيف أعطى إسرائيل الفرصة لادعاء عدم قدرة مصر على حماية أمنها والمطالبة بالتدخل الخارجي لحماية ممتلكاتها ومنشآتها . هذه الأحداث وقعت في وقت تسعى إسرائيل فيه لاحتلال جزء من سيناء وتوطين الفلسطينيين وتتحدث عن اتفاقية أمنية مشتركة مع مصر مما يعتبر تدخلا في السيادة غير مقبول خاصة أن رعايا مصر بالبعثات الدبلوماسية هناك صاروا في خطر ومعرضين لعمل مماثل، مما يقتضى إنهاء الاعتصامات لعودة الاستقرار واللجوء إلى الحوار لإنهاء القضايا العالقة. وجدير بالذكر الشعب المصري يرفض التهدئة، ومازال الآلاف من أبنائه يتظاهرون أمام السفارة الإسرائيلية في القاهرة، ويطالبون بإغلاقها، وتحول الشاب المصري الذي تسلق العمارة التي تتواجد فيها السفارة وإنزال العلم الإسرائيلي واستبداله بالعلم المصري إلى بطل شعبي. المصريون من أكثر الشعوب العربية كراهية للاسرائيل، ولأي محاولة للتطبيع معها، ووصول وفود من مختلف إنحاء مصر، إلى موقع السفارة المصرية بهدف التظاهر جنباً إلى جنب مع فنانين وأدباء وشعراء ومواطنين عاديين من مختلف ألوان الطيف المصري هو تأكيد واضح على هذه الحقيقة. الغضب الشعبي المصري في مكانه، فالقوات الإسرائيلية ارتكبت جريمة مزدوجة في سيناء، عندما انتهكت حرمة الأراضي المصرية أولا، وعندما قتلت الجنود المصريين بدم بارد ثانياً في انتهاك واضح لاتفاقات كامب ديفيد. استقى خطاب مقاومة التطبيع عناصره من روافد عديدة عبرت عن التيارات الفكرية والاجتماعية الرافضة للتطبيع والاستسلام للعنصرية الصهيونية على الساحة العربية، وقد ضمت هذه التيارات كلاً من التيار القومي والإسلامي والليبرالي والماركسي ولذلك جاءت صياغته ذات طابع جبهوى مجسداً الطبيعة الجبهوية للحركة الشعبية المناهضة للتطبيع، وقد تطور خطاب مقاومة التطبيع على مدار العقود الثلاثة الماضية اتساقاً مع طبيعة المتغيرات التي شهدتها المنطقة العربية سواء بالنسبة للتطورات التي شهدها الصراع العربي الإسرائيلي أو مواقف النظم العربية الحاكمة أو التغيرات الاقتصادية والاجتماعية والثقافة التي فرضتها العولمة. وقد ركز هذا الخطاب منذ بداية تشكله في مصر على إدانة نهج التسوية الانفرادية وفتح أبواب مصر لزيارة الإسرائيليين بينما تحتل إسرائيل الاراضى المصرية والعربية ورفض انخراط مصر في مفاوضات الحكم الذاتي للفلسطينيين وتسليم زمام التسوية للولايات المتحدة والزعم بأنها تمتلك 99% من أوراق اللعبة. ومع توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979 ركز خطاب مقاومة التطبيع والاستسلام على كشف أبعاد الاتفاقية وأثرها في الإخلال بالأمن القومي والوطني ومساسها بالكرامة الوطنية بفتح سفارة لإسرائيل في القاهرة بينما يحتل جيشها أراضى مصرية، ومع بدء خطوات التطبيع الرسمي وتورط النظام في ملاحقة المعارضين للتطبيع ربط الخطاب في مواجهته الموجة الأولى للتطبيع بين الاستبداد والفساد والتطبيع وانخرطت الحركة الشعبية المناهضة للتطبيع في مواجهة واسعة أربكت النظام فتورط في مواجهة مضادة بدأت باعتقالات سبتمبر 1981 وشملت اعتقال حوالي 1536 من القيادات السياسية والنقابية والثقافية والدينية وانتهت باغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981. وقد شهد خطاب مقاومة التطبيع تطوراً مهماً في مواجهة الموجة الثانية من التطبيع خصوصاً بعد توقيع منظمة التحرير الذي كانت له تداعياته السلبية على قطاع كبير من الحركة الشعبية لمقاومة التطبيع خصوصاً هؤلاء الذين كانوا يرددون شعار «نقبل ما تقبله منظمة التحرير الفلسطينية» كذلك تأثر خطاب مقاومة التطبيع بانفراط عقد جبهة الرفض وانغماس معظم الدول العربية في مخططات التسوية والمفاوضات المتعددة الأطراف، علاوة على الالتباسات التي تعرض لها التيار القومي عقب حرب الخليج الثانية عام 1991 ويضاف إلى ذلك انغماس بعض أجنحة التيار الإسلامي في نزاعات مسلحة مع الحكومات العربية خصوصاً في مصر والجزائر وظهور تحالف كوبنهاجن وجمعية القاهرة للسلام وتورط بعض الإعلاميين في زيارات لإسرائيل وهرولة بعض رجال الأعمال المصريين للمشاركة في مشروعات بيزنس مع الإسرائيليين. وفى خضم هذه الصعوبات حققت الحركة الشعبية لمقاومة التطبيع عدة إنجازات إستراتيجية لعل أبرزها عزل التطبيع عن الدائرة الشعبية ومحاصرته داخل دائرة العلاقات الحكومية الرسمية مما أضفى عليه طابع «السلام البارد» ويتجلى الإنجاز الثاني في جعل عملية التطبيع عملاً شائناً ومجرماً يستلزم الإخفاء وعدم المجاهرة به الأمر الذي ألزم معظم العناصر التي أقدمت على التطبيع بالعمل على تكتمه وتبريره. ويواجه التطبيع عدة تحديات في ظل العولمة وانخراط فريق من رجال الأعمال والمستثمرين في مشروعات الشراكة الصهيونية الأمريكية وفى ظل السياسات الاقتصادية العولمية التي انتهجتها الحكومة المصرية والتي أدت إلى اتساع مساحة البطالة والإفقار بين جموع الطبقات الشعبية لجأت مجموعات شبابية إلى السفر للعمل في إسرائيل وكان لذلك تداعياته السلبية اجتماعياً وثقافياً. ولكن يظل التحدي الأهم الذي تواجهه الحركة الشعبية لمقاومة التطبيع لهذا لا أحبذ مطلقا الاعتداء علي السفارة الاسرائيلية في ظل هذه الظروف وكذلك للأنة مخالفا لقيم وأخلاق المصريين -- الدكتور عادل عامر خبير في القانون العام ورئيس مركز المصريين للدراسات السياسية والقانونية ورئيس تحرير جريدة صوت المصريين الالكترونية وعضو الاتحاد العربي للصحافة الالكترونية