جاء الخبر الرئيسى فى معظم الصحف المصرية ليوم الجمعة 2 سبتمبر 2011، أن الإسرائيليين يرغبون فى فتح حوار استراتيجى مع المجلس العسكرى حول معاهدة السلام قبل الانتخابات، خوفًا من توجهات الرأى العام المصرى المعادية لإسرائيل وللمعاهدة بعد حادثة الحدود، وخوفًا من احتمالات المزايدة على المعاهدة فى الانتخابات المصرية المقبلة والدعوة إلى إلغائها. كان هذا هو خلاصة الخبر كما أوردته معظم الصحف المصرية. ولا يحتاج المرء لذكاء كبير ليستنتتج أن إسرائيل تريد من المجلس العسكرى أن يضمن لها الالتزام باتفاقيات كامب ديفيد فى المستقبل بصرف النظر عن نتيجة الانتخابات، بحيث يتم تجريد البرلمان والرئيس القادمين من صلاحية إجراء أى تعديل أو مساس بالعلاقات المصرية الإسرائيلية ، وأن يتولى المجلس العسكرى مسؤولية هذا الملف، وما يرتبط به من ملفات أخرى قد ترى إسرائيل أو الولاياتالمتحدة أنها خطوط حمراء غير مسموح بالاقتراب منها. وهو كلام له خلفيات كثيرة، منها ما أعلنه الرئيس أوباما بعد الثورة من أن على أى حاكم جديد فى مصر أن يلتزم بالمعاهدة مع إسرائيل وما سبق أن ذكره وزير الأمن الداخلى الإسرائيلى آفى ديختر عام 2008 قبل الثورة بسنتين من أن خروج مصر من السلام خط أحمر على أى نظام مصرى جديد وتصريحات أخرى كثيرة. * * * صحيح أن المجلس العسكرى وكل حكوماته الانتقالية قد أعلنوا فور توليهم المسئولية أنهم سيلتزمون بكل المعاهدات الدولية التى وقعها النظام السابق، ولكن هذا الالتزام يشمل المرحلة الانتقالية فقط، إلى أن تنتقل السلطة والمسئولية إلى برلمان ورئيس منتخبين ومستقلين تمامًا ومسئولين أمام الشعب وحده، تكون لهم كل الصلاحيات التى ينص عليها الدستور والقانون، بما فيها إلغاء المعاهدات أو تعديلها أو إعادة النظر فيها أو حتى الالتزام بها كما هى، المهم أنهم سيمارسون سلطاتهم وصلاحياتهم كاملة غير مقيدة أو مشروطة. ولذلك فإن مصدر الإزعاج فى هذه الأنباء الواردة، هى أن الصهاينة يطالبون بحقوق فوق العادة: فوق الدستور وفوق الإرادة الشعبية المصرية وفوق السيادة الوطنية المحمية بالمادة الثالثة من الدستور، فى استمرار لحالة الاستخفاف بمصر التى سادت لعقود طويلة! إن من الغباء أن يتصورا أنه يمكنهم أن يفوزوا بمثل هذه الضمانات مع شعب فى حالة ثورة، ثار ضد الخوف والاستبداد والقهر والخيانة، شعب رفضت قواه الوطنية فكرة إعداد مبادئ فوق دستورية حول ما يسمى مدنية الدولة تضمنها القوات المسلحة، وكادت أن تحدث أزمة سياسية حادة بسببها، قبل أن يتوافق الجميع على اعتبارها مبادئ استرشادية، فكيف يمكن أن يتوقعوا أن نقبل من إسرائيل أو من غيرها شروطًا فوق دستورية وفوق سيادية. * * * نحن نعلم أن الضغوط الأمريكية والغربية والإسرائيلية على المجلس العسكرى وحكومته لم تتوقف منذ الثورة، ولكننا لا نعلم على وجه اليقين مدى استجابتهم لهذه الضغوط، وإن كانت بعض الشواهد السابقة لم تكن مبشرة، فلقد تم التراجع عن توجهات وقرارات وطنية شجاعة مثل رفض الاقتراض من الخارج، ورعاية المصالحة الفلسطينية، والتوجهات المستقلة لوزارة الخارجية فى فترة نبيل العربى، والمطالبة باعتذار إسرائيل عن جريمة الحدود، والإصرار على الكشف عن منظمات التمويل المدنى الأمريكى، كل ذلك تم التراجع عنه بسبب الضغوط الخارجية، و نحن لا نعلم ماذا يمكن أن يحدث فى الغرف المغلقة، ولكننا نعلم علم اليقين أن الاصطفاف والضغط والإصرار الشعبى ينتصرون فى النهاية. فهكذا أسقطنا نظام مبارك، وها هى إسرائيل لأول مرة منذ عقود طويلة تقبل التفاوض على تخفيف القيود العسكرية المفروضة على مصر فى سيناء، بسبب مظاهرات الغضب حول السفارة بعد جريمة الحدود، وتنازلات إسرائيل فى كل مفاوضات ستتناسب مع حجم الغضب وطول الاعتصام وعدد المتظاهرين، فسنفوز ونحصد بقدر غضبنا وثورتنا. ولذلك علينا أن نعلن فورًا وبكل الطرق والوسائل موقفنا وردنا الشعبى على الدعوة الإسرائيلية لهذا الحوار الاستراتيجى: - بأن لا أحد فى مصر يملك أن يعطيكم أى وعود أو ضمانات حالية تقيد السيادة الوطنية والقرار السياسى المستقل بعد الانتخابات. - وأن هناك إجماعًا شعبيًا وسياسيًا على ضرورة تحرير مصر من القيود العسكرية المفروضة علينا فى سيناء، من أجل امتلاك مقومات الدفاع عنها ضد أى عدوان صهيونى جديد لا قدر الله. - وأن أكذوبة وفزاعة أن المطالبة بإلغاء المعاهدة تعنى الحرب يجب أن تتوقف، فمصر لم تبادر أبدًا بالحرب إلا لتحرير أراضيها المحتلة فى عام 1973. -وفيما عدا ذلك كنتم أنتم دائمًا من يعلن الحروب ويبدأ بالعدوان ويحتل ويغتصب أراضى الغير. * * * * * [email protected]