منذ نجاح الثوار الليبيين الأسبوع الماضي في دخول العاصمة طرابلس، ظل المكان الذي يختبئ فيه العقيد معمر القذافي مجهولا, لكن الأنباء المتواترة نقلا عن مصدر عسكري من الثوار باحتمال هروبه وأبنائه إلى الجزائر، يثير التساؤلات عن المحطة الأخيرة التي سيتوقف عندها القذافي بين منافي كثيرة كانت مرجحة بقوة لاستضافته. طيرت وكالات الأنباء خبرا مفاده أن موكبا يضم ست سيارات مرسيدس مصفحة عبرت الحدود من ليبيا إلى الجزائر, ونقلت عن مصادر عسكرية القول بأن هذه السيارات يرجح أنها تضم القذافي وابناءه. إن الموقف المناهض الذي أبدته الجزائر إزاء الثورة الليبية، واتهامات الثوار المتكررة لها بدعم القذافي لوجيستيا, وإمداده بمرتزقة لقتال مواطنيه، يؤكد العلاقة المتينة بين نظام القذافي والمسئولين في الجزائر، مما يجعلها بالنسبة له مكانا آمنا مكن له ولذويه الاحتماء به من بطش الثوار, إلا أن المتابعين لطبيعة السياسة الخارجية للجزائر في العقد الأخير، يتبين انها أصبحت أكثر حيادا وأقل تورطا في مشكلات قد تضر بمصالحها, ومن ثم فليس من مصلحة الجزائر أن تكون منفى للعقيد القذافي حتى لا تدخل في صدام في المستقبل على تسليمه مع المجلس الانتقالي، الامر الذي يضر بمصالحها الاستراتيجية مع ليبيا, إذن على صحة الانباء بهروب عائلة القذافي إلى الجزائر، فهي لن تكون أكثر من محطة مؤقتة تمهيدا لانتقاله إلى منفى آخر آكثر أمانا. وتتعدد الدول المرشحة كي تكون منفى للقذافي، ومن بينها مثلا تشاد، التي يدين رئيسها إدريس ديبي للقذافي بالكثير، خصوصا في ما يتعلق بتأمين الدعم المالي لبلده واتفاق السلام مع السودان, لكن اعتماد حكومة تشاد بشكل كبير على المعونات الليبية لعقود، يجعلها تتردد في مخاصمة السلطة الجديدة بإيواء الزعيم المخلوع. كذلك عرضت بوركينا فاسو التي حصلت في السابق على مساعدات ليبية ضخمة على معمر القذافي اللجوء، لكنها اعترافها بالمجلس الوطني الانتقالي باعتباره السلطة الشرعية الوحيدة في ليبيا يقلل من فرص إقدام القذافي على اللجوء إليها، خاصة أنها موقعة على اتفاقية المحكمة الجنائية الدولية التي تتهمه بارتكاب جرائم ضد الإنسانية. أيضا رشحت وسائل الإعلام نيكاراجوا كمنفى للعقيد، بعدما أعلن الرئيس دانييل اورتيجا دعمه للقذافي، واصفا إياه ب"الأخ والصديق". إلا أن هذا الاحتمال تراجع بعد إعلان مستشار رئيس نيكاراجوا للشئون الاقتصادية باياردوا أريس أن حكومة ماناجوا ستنظر في منح الزعيم الليبي المحاصر معمر القذافي حق اللجوء السياسي إلى البلاد, إذا ما طلب ذلك, لكنه أضاف في تصريح لإحدى القنوات التليفزيونية المحلية نقلته وكالة أنباء نوفوستي الروسية "سوف نتعامل بإيجابية إذا طلب شخص ما حق اللجوء السياسي في بلادنا؛ فالشعب النيكاراجوي سبق أن تمتع بحق اللجوء عندما استباح الديكتاتور سوموزا دماء شعبنا", وأضاف قائلا: "لا أعرف كيف سيأتي القذافي الى هنا فنحن ليس لدينا سفارة لجمهورية نيكاراجوا لدى ليبيا"، وهي تصريحات تحمل ضمنا رفض الأمر بتعبيرات دبلوماسية، أو الإشارة إلى التحديات التي تواجه الموافقة على منح اللجوء للديكتاتور المطارد. أيضا قبل أيام من سقوط مقره العام أفادت معلومات صحفية أن القذافي ينوي الذهاب الى المنفى في جنوب إفريقيا وحتى في فنزويلا وعن وصول طائرات الى المنطقة تنقله وعائلته الى أحد البلدين, وسارعت جنوب إفريقيا الى نفي الخبر عبر وزيرة خارجيتها مايتي نكوانا-ماشابان، غير أن رئيس فنزويلا هوجو تشافيز غذى الشائعات حول توجه الزعيم الليبي الى كراكاس عبر إعادة التأكيد على دعمه له، وهو احتمال متوقع جدا للعلاقة القوية بين تشافيز والقذافي. أما في حالة عدم صحة خبر هروب القذافي خارج البلاد، فإن البعض يرى أن عائلة القذافي قد تبقى في ليبيا في حالة هرب دائم في مجاهل الصحراء, لقد حدد عبد المنعم الهوني ممثل المجلس الوطني الانتقالي لدى الجامعة العربية أن أمام معمر القذافي ثلاثة خيارات فحسب في ليبيا: منطقة الجفرة في الصحراء وواحة تراغن في أقصى الجنوب على الحدود مع النيجر وسرت مسقط رأسه, وفي حال فشل القذافي في العثور على ملاذ آمن لدى أقاربه، فإنه قد يهرع إلى قبيلة الطوارق التي ضمن لها نسبة من أرباح التجارة عبر الحدود مقابل ضمانهم استقرار المنطقة، لكن انجازات الثورة الأخيرة قد تغير الوضع، مع انضمام عدد من الطوارق الى الثوار. إن اختيار القذافي لمنفى محدد ينعم فيه وعائلته بالأمان يخضع لمعايير كثيرة وحسابات معقدة، لكن دقة الظروف تجبره أيضا على اختيار حاسم وسريع, ترى أين تكون وجهته على هذه الأرض؟ أم يختار لروحه موطئا في السماء؟