لستُ مع التفسير التآمري في القضايا، ولكن ما حدث بما أستطيع تسميته ب "حرب أشباه الدعاة" على الفن والفنانين، والثقافة والمثقفين، واختيارهم الفنانة المبدعة "إلهام شاهين" منصة للشهرة، باتهامها بألفاظ يعف على لساني وقلمي ترديدها، إلا أنها تكشف عن جانب من الفكر التكفيري الذي بدأ يطل برأسه من جديد في مجتمعنا. وأعتقد أن جماعات "أشباه الدعاة" بحاجة الى مواجهة قوية من كل قوى المجتمع، لوقف امتداد مثل هؤلاء، وقطع شرايينها من الجذور، ولا يختلف الفكر التكفيري للفن والثقافة والفنانين والمثقفين، عن هؤلاء الذي يعيثون في أرض سيناء فسادًا وقتلا للأبرياء وحراس الوطن. ويستوى فكر مجموعة "أشباه الدعاة" عبد الله بدر وأمجد غانم ومحمود أبوالسعود، ومن على شاكلتهم، مع قتلة الجنود المصريين في سيناء، وكلاهما بحاجة الى حرب لاقتلاعهم من الوطن ومجتمعنا المتسامح والوسطي، فالمجتمع المصري، على مر التاريخ مجتمع بعيد عن التشدد، ولفظ كل المتشددين بالفكر والوحدة والوسطية. ويبدو أن دخول التيار الاسلامي الى معترك الحياة السياسية ووصوله الى سدة الحكم، كان وراء، ظهور هؤلاء التكفيريين، وهو ما يمثل علامة استفهام كبيرة، تحتاج الى تفسير أو إجابة، فأكثر ما يسيء من ظهور التكفيريين، وعلو صوتهم، محاولة الاستقواء ببروز التيار الاسلامي السياسي على خارطة الحياة السياسية في مصر والمنطقة. لست ضد هذا البروز، فتلك سمة المرحلة، وما يرغبه الناخب في مجتمعنا، ولكني ضد من يحاول ركوب الموجة، وإظهار فكره التكفيري، وارتكاب أقل ما يقال عنه بحماقات ضد الثقافة والفن، وما يقلقني هو حالة الصمت من الأطراف الاسلامية السياسية الأخرى، بشأن هذه الفتاوي التكفيرية من "أشباه الدعاة". وأي مبرر بأن هذا حرية فكر، فهو قول مغلوط، لأن هناك بين من يُبدي رأيه في قضايا الوطن والفكر والثقافة والسياسة، وبين من يفوض نفسه باسم "الله تعالى" في الأرض ويلقي الاتهامات على الآخرين، بأن هذا مؤمن وذلك زنديق، والآخر فاسق، وذاك زان، أو زانية، وهو لا يملك من الحقيقة شيئا. أعتقد أن بروز فريق أوحزب "أشباه الدعاة" يسيء لتجربة المرحلة "التيار السياسي الاسلامي" ويصبح الأمر أكثر إساءة مع حالة الصمت من القوى السياسية الإسلامية، وعدم توضيحها لموقفها ممن يُكفرون المجتمع خطوة خطوة، مرة باتهام من يعارضون الإخوان أو التيار الإسلامي، وهو ما حدث من البعض تجاه "محمد أبوحامد" بغض النظر عن الاتفاق أو الاعتراض على ما يطرحه سياسيا. ولوحظ أن هناك من وصل به الأمر الى أن يطلب على الهواء في إحدى القنوات المحسوبة على التيار الاسلامي، بالحصول على فتوى أن يكفر "أبوحامد" على منابر المساجد، وقد كان الرد من بعض الحضور في الحوار التليفزيوني ليلة الدعوة الى مظاهرات 24 أغسطس، أكثر هدوءًا، وفوت على آخرين الافتاء بصحة ما يطلبه أحد "أشبه الدعاة" و"المالك" لأحد منابر مساجدنا. إلا أن فريق حزب "أشباه الدعاة" لم ينتظروا فتوى من أحد، واتفقوا فيما بينهم على خوض حرب التكفير، ضد "إلهام شاهين" لمجرد أنها أعلنت اعتراضها للتيار الاسلامي السياسي، وتأييدها للفريق أحمد شفيق خلال انتخابات الرئاسة. ويعود حزب "أشباه الدعاة" بالبلاد الى مراحل تاريخية سيئة، فلا يمكن ان ننسى التكفيريين، الذين قتلوا الشيخ الذهبي، وفرج فودة، ومن حاول اغتيال كاتبنا العظيم نجيب محفوظ، وغيرهم كثيرون. ووسط هذا التكفير خرج علينا صوت اسلامي يتصدى لحزب "أشباه الدعاة، حين طالب العالم الأزهري الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية بتطبيق حد القذف على السلفي الدكتور عبدالله بدر لتعريضه بسمعة الفنانة إلهام شاهين، كما تحدث عن سماحة الاسلام، وتاريخ تعامل الاسلام وخاصة الخليفة عمر بن الخطاب "رضي الله عنه" مع قضايا المجتمع، فحمدًا لله أن مثل الدكتور "النجار" ما زالوا يملكون قوة الرد على التكفيريين. ملاحظة: كارثة قارب المهاجرين غير الشرعيين على سواحل ليبيا، مؤشر على تذكيرنا بمرحلة سيئة في تاريخ هجرة الشباب غرقا في البحر للبحث عن "لقمة عيش، وهروبا من "شظف الحياة" في عهد النظام السابق. الحادث يفرض تحديا جديدا، لإثبات مدى ثقة شباب مصر في الفترة المقبلة، ومصر ما بعد ثورة 25 يناير، أعتقد ان الرسالة واضحة، ويجب أن يعيها الجميع، قبل أن تستفحل أزمة الهجرة غير الشرعية، وبروز "قوارب الموت" مرة أخرى، اللهم ارحمنا جميعا.