يكتب : الإنتحار القومي صناعة حكومية أم شعبية يقول جبران خليل جبران "الوقاحة أن تنسى فعلك وتحاسبني على ردة فعلي" هكذا تفعل الحكومة المصرية تجاه أفعالها وأقوالها، حيث تتخذ من القرارات ما يثير غضب المواطنين ويقزم دولتهم ويعكر صفو حياتهم ويزيد من معانتهم ثم تعاقبهم على ردة فعلهم وتنسى أنها سبب الجريمة، فما شهدته مصر من إثارة للجدل خلال زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز كانت الحكومة السبب الرئيسي فيه، حيث قررت الحكومة فجأة ودون مقدمات تغيير ذاكرة المواطنين وتعديل منهج الجغرافيا والتاريخ وأعتبرت أن الأجيال المصرية التي تربت وتعلمت أن جزيرتا ثيرانا وصنافير أرض مصرية وإرتوت بدماء الشهداء حلم كاذب كان يعيش فيه المصريون ولاعلاقة له بالواقع. فبدلاً من قيام الحكومة بمناقشة الموضوع من خلال لجان فنية وقانونية وطرحه على الرأي العام وإظهار الوثائق والمستندات حتى يعرف الناس الحقيقة، خرج وزير الخارجية في لهجة غريبة واسلوب عجيب كحكومته يعلن فيه انه على استعداد للذهاب إلى الأممالمتحدة ليثبت للعالم أن الجزر سعودية، يبدو أن وزير الخارجية ظن أنه معار في السعودية ويحاول الدفاع عن كفيله خوفا على لقمة عيشه حتى لوكان الضحية أرض مصرية، هذا هو الاسلوب الذي دافع به وزير الخارجية الأسبق أحمد ابو الغيط عن حق مصر في أم الرشراش فبعد أن ظلت منطقة ام الرشراش خاضعة للسيادة المصرية حتى إحتلالها من قبل الصهاينة في العاشر من مارس 1949 وإقامة مدينة إيلات عليها، علما أن اتفاقية ترسيم الحدود بين بريطانيا والدولة العثمانية عامي 1906 و1922 وضعت ام الرشراش ضمن الحدود المصرية، إلا أن الوزير أحمد ابو الغيط أفسد كل المحاولات التي تقوم بها المنظمات والشخصيات والجمعيات لإعادة أم الراشرش بإعلانه عام 2006 أنها ليست مصرية ولن تطالب مصر بها، للأسف هؤلاء الوزراء كانوا سبب في صناعة الأزمة في كثير من الأوقات بدلاً من حلها ومعالجتها نتيجة ضيق الأفق وتنفيذ أجندة تغلفها المصالح والأهواء والتدخلات الأجنبية وتجاهل حقوق المواطنين. للأسف تعاملت الحكومات المتعاقبة مع أرض الوطن كأنها شقة للإيجار مدعية أن جزيرتا ثيران وصنافير كانتا وديعة او شقة مؤجرة من الكفيل السعودي وانتهى عقد الإيجار او طالب المالك بطرد المستأجر، لقد ظهرت الحكومة في تلك الأزمة مثل التاجر المفلس الذي يبحث عن بعض الاشياء في دفاتره القديمة فوجدت بعض المراسلات بين الوزراء والأقوال اسندتها إلى الدكتور محمد البرادعي الذي كذب تلك الادعاءات وادعت انها تثبت حق السعودية في تلك الجزر ، رغم وجود مستندات تثبت العكس. يبدو أن الحكومة ارادت أن تكافىء الملك سلمان أو خشيت من رد طلبه بعد أن أطعمها وسقاها خلال الفترة الماضية فإنطبق عليها المثل المصري "إطعم الفم تستحى العين" فقد أطعم الملك سلمان الحكومة ورجالها وانقذها من ضيق تفكيرها وعجزها وبالتالي لن تستطع أن ترد له طلباً. الحكومة المصرية التي فرضت في حقل "أفروديت" لصالح قبرص بالرغم أن الخرائط القبرصية نفسها تشير إلى وجود الحقل ضمن إمتياز( نيميد )الذي سبق أن أعطته مصر لشركة شل ولكن خرج عبد الله غراب وزير البترول الاسبق ليعلن أن الحقل لايقع ضمن الحدود البحرية المشتركة مع قبرص وأضاع أكبر حقل غاز على مصر دون أن يقدم لنا تفسير أو خرائط ووثائق تؤكد حق قبرص بهذا الحقل. هكذا تتعامل الحكومة مع الأراضي المصرية وتقرر ما تشاء وتغير ما تريد دون أن تطرح الأمر على المواطنين للنقاش ودون اظهار للحقائق وكأن الشعب قاصر والحكومة وصية عليه، الغريب أن الحكومة تكيل بعدة مكاييل فتدعي أن موضوع جزيرتا ثيرانا وصنافير مختلف عن حلايب وشلاتين وأن الأولي والثانية كانتا وديعة لدى مصر ويجب إعادتها للسعودية والثالثة والرابعة كانت وديعة لدى السودان يجب عودتها لمصر، بالرغم ان اتفاقية الحكم الثتائي بين مصر والسودان برعاية بريطانيا عام 1899 أقرت وقوع مثلث حلايب وشلاتين داخل الحدود المصرية وبعد ثلاثة سنوات عادت بريطانيا وقررت تبعية حلايب وشلاتين إلى السودان، فإذا طبقنا نفس ماتقوله الحكومة على جزيرتا ثيران وصنافير بأنهم كانوا وديعة لدى مصر فإن حلايب وشلاتين كانوا كذلك وليس العكس كما تدعي الحكومة ويجب عودتهم إلى السودان، ولماذا غاب البعد الاستراتيجي والأمنى في جزيرتا ثيران وصنافير وحضر في حلايب وشلاتين. للاسف مبررات الحكومة ووثائقها ليست سوى مجرد عدة رسائل بين الوزراء وبالرغم من ذلك تريد من الشعب أن يقتنع بتلك المبررات الواهية ، دون أن تدرك أنها تدفع الشعب بذلك للإنتحار القومي نتيجة غياب الشفافية وسوء اتخاذ القرارات التي قتلت الآمال والطموحات. المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية