صحيح أن الخلاف فى الرأى لا يفسد للود قضية .. ولكن إذا كان هذا الخلاف على تراب الوطن وسلامة أراضيه فإنه يفسد كل قضايا الود، هذا ما حدث بالفعل فى موضوع جزيرتى تيران وصنافير اللتين أعلنت مصر فى بيان رسمى صادر عن مجلس الوزراء خلال زيارة الملك سلمان للقاهرة أنهما ملك للسعودية وأنها قررت إعادتهما إليها. والسؤال الذى طرحه معظم المصريين هو "لماذا الآن؟"، ولماذا لم يتم تمهيد الرأى العام لمثل هذا القرار المصيرى والتاريخى مادام صحيحاً، لقد كان لعنصر المفاجأة وقع الصدمة على نفوس المصريين، فقد زاد القرار من حدة الجدل والاستقطاب والتناحر والتلاسن بين جموع المصريين المنهكين بالأساس من مشاعر الاستقطاب المستمرة فى جميع قضايا الوطن، وانقسمت البلاد لفريقين كل منهما يخون الآخر ويطعنه فى وطنيته، وراح كل فريق يستعرض ما لديه من صور وثائق تؤكد صدق كلامه، وتحول كل إعلامى تقع تحت يديه صورة لوثيقة أو خريطة تشير لأحقية السعودية فى الجزيرتين إلى محامِ خاص للدفاع عن حقوق المملكة حتى لو كان ذلك عبر كيل الاتهامات بالجهل وسوء الفهم لمواطنين كل مشكلتهم أنهم يعشقون تراب مصر، كما تحول نشطاء مواقع التواصل الاجتماعى إلى مدافعين عن أحقية مصر فى الجزيرتين بكل السبل بداية من عرض فيديوهات للزعيم جمال عبد الناصر يؤكد فيها سيادة مصر على تيران وصنافير وانتهاء بعرض وثائق وخرائط تؤكد صدق هذا الكلام ... هى المرة الأولى التى أرى فيها مثل هذه الاستماتة من إعلاميين وصحفيين وأساتذة جامعات وغيرهم كثر لإثبات حقوق آخرين فى أرض دافعنا عنها سنوات وراح من أجلها شهداء خضبت دماؤهم هذه الأرض الطيبة، فليتنا جهزنا كل اوراقنا للدفاع عن حقنا فى مياه النيل ومنع اثيوبيا من بناء سد النهضة مثلما جهزنا اوراقنا للدفاع عن حق السعودية التاريخى فى الجزيرتين وليتنا سمعنا صوتا واحداً يتكلم، أوأوراقاً تعد لاسترداد مدينة أم الرشراش المصرية المحتلة من اسرائيل. وهى المرة الأولى أيضاً التى أرى فيها قيادة عسكرية سابقة تصرح بتصريحات بهذه الخطورة ثم تتراجع عنها وتصرح بعكسها فى خلال 24 ساعة، فقد خرج علينا اللواء عبد المنعم سعيد محافظ جنوبسيناء الأسبق ورئيس هيئة عمليات القوات المسلحة الأسبق ليؤكد عبر إحدى الفضائيات أن الجزيرتين مصريتان 100 % وأنه لم يسمع من قبل أن المملكة سلمتهما لمصر عام 1950 لحمايتهما، وهو الذى يخدم فى هذه المنطقة منذ 1956 ليعود بعد يوم واحد من هذا التصريح ليؤكد عبر الهاتف لفضائية أخرى أن الجزيرتين سعوديتان، وعلى الجانب الآخر أجرى "السيد المصرى" سفير مصر بالسعودية خلال الفترة من 1987حتى 1991 وعضو الوفد المصرى فى مفاوضات السلام مداخلة هاتفية مع الاعلامى عمرو أديب أكد فيها أن الحديث بين البلدين كان على جزيرة صنافير فقط أما جزيرة تيران فلم تطالب بها السعودية أبداً من قبل، وأن ما يتم تداوله بشأن شهادة د. عصمت عبد المجيد وزير الخارجية المصرى وقتها فى هذا الصدد هو حول جزيرة صنافير فقط، وأضاف السفير أن تيران تبعد عن الشواطئ المصرية 3 كيلو فى حين تبعد عن السعودية ب 20 كيلو فبأى قانون دولى يتم التنازل عنها مبدياً استعداده لتقديم هذه الشهادة أمام مجلس النواب. ولأننى كباقى المصريين أثق جيداً أن مصر ليست بالدولة التى يمكن أن تشترى أو تباع وأن أصغر عسكرى فى جيشها يعرف قيمة حبة الرمل التى تخطو عليها قدميه، لكننى ما زالت تساورنى العديد من التساؤلات حول قدرة المملكة فى حماية الجزيرتين خاصة بعد إعلانها الالتزام بمعاهدة السلام مع اسرائيل فى هذا الصدد، وهل ستتمكن من صد أى هجوم محتمل مستقبلاً أم ستضطر للاستعانة بمصر لحماية الجزيرتين من جديد، وماذا عن حماية مصر لهما على مدار 66 عاماً نيابة عن السعودية والشهداء الذين سقطوا دفاعاً عنها، ولماذا تم وضعهما فى المناهج الدراسية وأدخالهما فى وعى التلاميذ والمدرسين وأولياء الأمور على أنهما جزء من تراب مصر؟ وإذا كانت هذه الجزر سعودية والمفاوضات عليها امتدت لأكثر من 6سنوات واستغرقت 11 جولة مباحثات لماذا يتم ردهما الآن ونحن نمر بظروف اقتصادية صعبة ولماذا خلال زيارة الملك سلمان وهو يعرض قروضاً سخية على مصر ولماذا لم ننتظر عودته لبلاده لنبدأ تجهيز الرأى العام المصرى لمثل هذا القرار. ولاشك أن هذا القرار ستكون له تداعياته السياسية الخطيرة فيما يخص حدود مصر الجنوبية، فمصر التى لديها مشكلة حدود مع جارتها السودان على حلايب وشلاتين لن تستطيع بعد ذلك أن ترفض مبدأ التحكيم الدولى الذى تطالب به السودان لإثبات أحقيتها فى المدينتين، وماذا لو طالبت السودان باستعادة ثلث مساحة السد العالى المقام على أراضى سودانية طبقاً لتصريحات وزير الاعلام السودانى، أو حتى تعويضاً مادياً عن هذه المساحة. كل الحكاية يا سادة أننا استيقظنا جميعا فجأة ودون سابق انذار على قصة احتلال مصر لجزيرتين سعوديتين وانها قررت اعادتهما فهل مطلوب منا ان نضغط على زر يغير تفكيرنا ومبادئنا وأخلاقياتنا دون وعى او ادراك فى غمضة عين .