تكتب : التحرش بالمنصب العام الحمد لله.. أخيرا تحققت المساواة التامة بين الجنسين فى مصر. ففى تلك اللحظة التى أكتب فيها هذا المقال.. تم تأييد حبس فاطمة ناعوت 3 سنوات بتهمة ازدراء الأديان على خلفية "تويتة" تستنكر فيها طرق ذبح الأضحية كما تم إقالة وعزل المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات فى منتصف الليل .. على خلفية المجاهرة بحجم الفساد فى مصر بأرقام رأتها الجهات السيادية مبالغة غير مقبولة تهدف إلى زعزعة الثقة بالحكم وكيفية إدراة للبلاد!! ما الرابط ما بين تلك الحادثتين؟؟ ربما ليس رابطا مباشر.. إنما حادثتان تفرضان علينا الصمت فى جمهورية الخوف.. "إضرب السايب فيخاف المربوط ويرتعش" ! كلاهما كشف المستور..أحدهما تجرأ وأزاح الستار عما يتناوله الجميع فى الأحاديث الخاصة والعامة عن الفساد المعلن والأخرى، صدقت نص الدستور فى حرية إبداء الرأى وحرية العقيدة! كما صدقها إسلام بحيرى فى دعوة الرئيس إلى تجديد الخطاب الدينى!! وكلهم عوقبوا جراء هذا التصديق!! فى حادثة سيادة المستشار التى كنا نتوقعها منذ اليوم الذى أصدر فيها سيادة رئيس الجمهورية فى يوليو الماضى قانون يعطيه الحق فى إقالة رؤساء الأجهزة المستقلة والرقابية من مناصبهم فى حالات معينة منها إذا قامت بشأن رئيس الجهاز دلائل جدية على ما يمس أمن الدولة وسلامتها أو إذا ما فقد الثقة والاعتبار! وهى كما نرى عبارات عامة وفضفاضة تعودنا عليها من أيام المخلوع مبارك تحتمل عدة تأويلات على حسب الرغبة العليا للدولة فى الإبقاء أو الإطاحة بشخصيات غير مروضة تعرف حدود سلطاتها ومسوغات وظيفتها أو أخرى مطيعة تعرف معنى أن تكون موظفًا حكوميًا.. رقبتك تحت مقصلة رئيسك تلتزم بالأوامر العليا وتوجه بوصلتك على حسب رياح الحكومة ما تودى فتريح وقطعا تستريح! ولكن المنصب الرفيع.. وقع فى خطيئة إعلان الفساد على الملأ استنادا إلى دستور 2014 الذى يلزم الأجهزة الرقابية بنشر معلوماتها استنادًا لحق الشعب الأصيل فى المعرفة ولكن يبدو أن سيادة المستشار لم يعلم أن الدستور قد كتب بنية طيبة والتى على حسب كلام الرئيس ، لا تقيم ولا تدير دولة!! حقا هل صدق الجهاز الرقابى الأهم فى مصر أنه مطلوب منه أن يؤدى دوره حقًا فى مراقبة عمل الحكومة؟ ألم ينظر إلى تاريخ الأنظمة السابقة التى حمت الفساد بمجموعة من القوانين محصنة له ومرهبة للشرفاء الذىن يكشفونه وتنتهج مبدأ الانتقائية فى فتح ملفات معينة وتجميد الأخرى فى الأدراج على حسب الهوى والريح ما يودى مرة أخرى؟ الموضوع تعدى سيادة المستشار جنينة بمراحل فالموضوع ليس أشخاصًا إنما الموضوع هيبة المنصب الرفيع الذى ينوب عن الشعب فى فضح الفساد.. فلماذا يتم الاعتداء عليه بهذه الأريحية؟؟ لكن من يريد فضحه حقا؟ من يريد الشفافية والمصارحة؟ من يريد المحاسبة؟ فلم يتم محاسبة أحد من أول قتل المتظاهرين أو المدنيين فى أقسام البوليس وسرقة المال العام والإهمال الذى يتعدى الجريمة المنظمة والتى أوصلت البلاد إلى تلك الحالة التى نعرفها ونعانى منها جميعا ولكن المطلوب هو الخوف والصمت وهى الجريمة التى تمارس علينا علنا دون توصيف قانونى لها حتى الآن على الأقل!! لن أتكلم عن الجهات التى تكونت منها لجنة تقصى الحقائق من وزارات ذكرت فى تقرير جنينة للفساد؟ فكيف يتأتى هذا يا جدع؟ ولا على عدم إتاحة الفرصة للمنصب الرقابى متمثلا فى جنينة أو غيره فى الاطلاع على هذا التقرير والرد عليه علنيا ؟؟؟ ولا على اتهامه باحتفاظه بمستندات أو صور منها تخص تلك الاتهامات فى منزله أو مكتبه وهى تهمة غريبة على مسئول وظيفته هو الاحتفاظ بتلك المستندات وحمايتها من السرقة والتلاعب فيها ممن يتهمهم بذلك الفساد؟ ولكن الموضوع هو النية السيئة التى صدر من خلالها هذا القانون من الأساس والذى يعكس القبضة الحديدية للنظام على أجهزتها الرقابية والذى كان واجب على مجلس الشعب أن يعارضه ليس من أجل جنينة أو غيره إنما من أجل هيبة الوظيفة العامة وإتاحة كل الحرية لها لتنفيذ وظيفتها التى منحها لها الدستور وحمايتها من أى اعتداء أو تغول عليها واحترام حق الشعب ممثلا فيها فى رقابة أجهزته التنفيذية! مرة أخرى نحن لا نتكلم عن اشخاص إنما عن إخصاء الدولة لأجهزتها الرقابية وتحويلهم إلى موظفين حكوميين منزوعى الصلاحية!! إن القانون الذى سمح بالإطاحة برئيس الجهاز المركزى للمحاسبات.. أيا كان اسمه.. أساء إلى سمعة الدولة كما لم يسىء لها الفاسدون أنفسهم.. دولة بعثت برسالة علنا حتى لو لم تقصدها. بأن على رأسها ألف بطحة وبطحة.. أو أنها مهددة بلوبى للفاسدين غير قادرة على مواجهتهم والسيطرة عليهم مما أدخلها فى دائرة الشك والظن بمصداقية الدولة وهو أمر جلل لم يدركه الذين شجعوا على الإقالة دون حساب كلفتها السياسية الخاصمة من رصيد الرئاسة!! ولن أتكلم عن التهم التى تظهر فجأة للمسئول المغضوب عنه فى إساءة أخرى لمفهوم المحاسبة.. ولا على إطلاق إعلام الأمن عليه فى إساءة بالغة لمفهوم مهنية الإعلام التى تختلف قطعا عن توظيفه بأجر كما يحدث فى الأحياء الشعبية بالاستعانة بفتواتها ومعهم خالتى فرنسا لتأديب الخصوم!! لقد خسرت الدولة كثيرًا بذلك القانون كما خسرت بقانون ازدراء الأديان والتظاهر وقطعا كما خسرت بقانون التصالح الفاضح مع اللصوص من نظام مبارك اللص بحكم القانون! ولا عزاء للكاتبة فاطمة ناعوت سوى أنها حققت المساواة التامة بين الجنسين فى ازدراء حقيقى لحقوق المواطنة واحترام الدستور! مصر لن تحيا فعلا إلا بالعدل! المشهد .. لا سقف للحرية المشهد .. لا سقف للحرية