انا سبتمبرية المولد وناصرية الهوى .. وهو سبتمبرى الرحيل ووطنى السمات .. تلاقت حياتنا فى صدفة زمنية .. وإن كان جمعنا حلم العدل وانحياز لبسطاء وفقراء ومظاليم حاولوا على مر العصور أن يخرجوا من أتون ظلم اجتماعى وأنانية إنسانية لم تكن بالقطع صنيعة الرحمن ، إنما شبق جشع ولهفة على دنيا لم يتحقق فيها العدل بقدر ما انتصر فيها الشر ، ولأن الفقر فيها للاسف لم يكن رجلا ...فلم نستطع قتله بفروسية سيف فى منازلة شريفة ، إنما ظل يتلون كالحرباء ويبدل الاقنعة ومعها الشعارات و الايدولوجيات ، يسحب فيها الأبرياء من مظالمهم على وجوهم أملا فى حلم لا يتحقق الا فى فترات استثنائية..... بعدها تكاتف ضده رعاة الشر فهزموه وساعدهم هو فيه ، بأنانية اب و زعيم لا يثق إلا فى طهارته و قدرته على أن يستعيد للبسطاء حقوقهم المسروقة منذ آلاف السنين ، ونسى انه مؤقت والظلم مستمر إلى الأبد!!! عن جمال عبد الناصر اتكلم ..... قولوا ما تريدون عن الرجل .. قولوا عنه المستبد العادل او غير العادل فى انحيازاته قفد كانت واضحة المقصد والنية للمهمشين ولاؤه ، وللفقراء والمحرومين إخلاصه ، وللمهانين من ذل الحاجة سيفه الحامى ، لذلك صرخ فينا بشعاره المحفز: ارفع رأسك يا اخى فلقد انتهى عصر الطغيان !!. او هكذا ظن هو وظن جيل آبائنا ونحن الذى ولدنا مع بداياتها و بعدها ب 18 عاما حينما وافته المنية محاولا رأب صدع التفكك العربى ، أدركنا خطأه القاتل وهو أن الطغيان يستمر على المحروسة ما بقيت أسبابه قائمة ، بصرف النظر عن حسن او سوء نيات الحاكم ، لأن اختفاء آليات حماية الاهداف النبيلة وارتباطها بشخص الزعيم المحبوب او المفدى أورثنا للطغاة يفعلون بنا الأفاعيل بناء على السياسات المطلقة للمستبد العادل !! أعترف أنى شديدة الانحياز للتجربة الناصرية ومبادئها العظيمة وإنجازاتها الأقوى فى تاريخ مصر بعد محمد على ، فكان من الطبيعى أن يتواطأ ويتحالف الجميع على إسقاط المشروع الوطنى والقومى. فمن من المستعمرين القدامى كان سيقبل بالوحدة العربية وسياسات التحرر الوطنى ، أو بالاعتماد على الذات عبر قلعة صناعية كشفت عورة من زعموا أننا دولة زراعية القدر والمصير .. من كان سيقبل بصرخة حق التعليم ليكون للبسطاء وسيلة للخروج من قدر الفاقة و الحرمان، وليصل بتعليمه و كفاءته إلى أعلى مراتب الحلم الانسانى الذى لا تكبله سياسة عنصرية تحكم على الحلم الشخصى بالاخصاء استنادا للأصول العائلية, وهو ما نراه اليوم يعود مستأسدا بلا ذرة من ضمير أو دين ! ربما عرفنا الآن قيمة عبد الناصر الذى انقلب على أهدافه الاجتماعية وانحيازاته الاقتصادية من جاءوا من بعده ......بعضه حياء والاخرين فجورا ..و بدلا من ان يصححوا مسار ثورة وسياسات انحرفت عن مسارها إستنادا الى الضعف الانسانى و حقه فى االصواب و الخطأ ، فأنهم اطاحوا بكل مكتسبات الثورة فلم يفرقوا عند الشعب المسكين بين المستعمر الخارجي والاستبداد المحلى !! تلك كانت ومازالت قناعتى بالتجربة الناصرية ، وجهها الاجتماعى والاقتصادى الفريد المخلص للأغلبية المطحونة محاولا إيجاد لها مكان تحت الشمس.. و طريقا للأمل ..! ولكن للنضوج وللتجربة دروسها ومعارفها ، فلقد علمتنا الأيام ألا بديل للحرية وأنه لا يمكن مبادلتها حتى بالمزايا الاجتماعية ، لأن فرض الرأى الواحد وتمكين الحزب الواحد والاستثار بالحكم دون معارضة وآلية للمشاركة والرقابة والمحاسبة ، ستقودنا في النهاية لخسارة حريتنا ومعها كل الانجازات الثورية التى تنازلنا من أجلها عن كل حق فى المشاركة فى الحكم !!! كل ماسبق كان كعب أخيل الذى نفذت منه الهزيمة العسكرية و معها هزيمة مشروعه الثورى بعدما اخصى المجتمع من شجاعة المعارضة بعد ممارسات مرعبة من الاعتقال خارج نطاق القانون وتفشى سياسة التعذيب المرعبة والتى مازالت سياسة الدولة فى السيطرة والتخويف حتى اليوم وبعدها انقضت الجوارح على مشروعه الوطنى والقومى وتمسكت فقط بإستبداده دون عدله!!! اعتقد أنه آن الأوان أن نعيد تقييم التجربة الناصرية ، وأن نطرح من مخيلتنا فكرة المستبد العادل، فهما ضدان لا يستقيمان ، وأن نطرح السياسة الابوية التى تعرف مصالح الأبناء والشعوب أكثر من أصحاب الشأن فمهما حسنت النيات ، فنتائجها دائما كارثية كما أن للتاريخ عظاته ودروسه لمن يشاء!!! فالدولة لا تدار بالحب والإخلاص فقط بل بالمؤسسات القوية والمجالس النيابية وفتح المجال العام لمؤسسات المجتمع المدنى لتحمى إنجازات كل الثورات .. فلا يطاح بها عندما يإتى لنا .مستبدون يتمحكون بصورة ناصر دون عدله وانحيازاته للأغلبية المطحونة !!! المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية