عبارة كتبها على "الفيس بوك" أحد الأقرباء لي تعليقاً على جملة كتبتها موقع التواصل الإجتماعي تحث الناس على الوقوف مع الضعفاء ضد ظلم الحكام وحكوماتهم وعدم الخوف من الإشارة إلى حالات الفساد الحكومي الواضحة للجميع. نعم.. للأسف الشديد هذا العنوان هو لسان حال كثيرين من المصريين عندما تتناقش معهم عن الفساد الموجود في المؤسسات الحكومية سواء كان الفساد إداري أو مالي, لاقين باللوم على صغار الموظفين بأنهم هم الفاسدين والحكومة بريئة من فسادهم.. بل تحاول محاربته جاهدة وبكل ما أوتيت من قوة قاصدة القضاء تماماً على الفساد.. لكن مشكلة الفساد تحتاج لوقت ليس بالقليل لمحاولة تقليل نسبته بعد أن أصبحت تقترب من ال 100% في حميع أجهزة الدولة. هل نسبة الفساد الإداري في الأجهزة الحكومية قلت بالفعل؟ نعم.. نسبة الفساد قلت بنسبة لكنها لا تذكر مقارنة بالنسبة التي كانت عليها قبل 2011 وذلك فقط بسبب تضاعف مرتبات الموظفين في معظم الوزارات الخدمية خلال الأربعة سنوات الماضية, والتي كانت تعاني موظفيها من تدني شديد في الرواتب, فما كان لهم سبيل سوى "فتح الدرج" هذا بالنسبة للنسبة الضئيلة من لعوام الموظفين العاديين الذين كانوا يفتحون أدراج مكاتبهم على مضد, لكن أغلبيتهم أصبحوا مرضى بالفساد. أما هؤلاء من كبار الموظفين الذين على الدرجة التي تحت درجة الوزير مباشرةً ففسادهم أعم وأهم وهؤلاء هم المنوط وضع رقبتهم تحت المقصلة, لأن هؤلاء لا يفتحون "أدراج" بقصد الإعانة على غلاء الأسعار.. بل يفتحون "دواليب" بغرض إمتلاك عقارات في مجمعات سكنية فخمة وفيلات على جميع الشواطئ وسيارات فارهة ألمانية وأمريكية الصنع.. وأرصدة في البنوك لتعليم أبنائهم في المدارس الإنجليزية والأمريكية النظام.. ما أحلاها عيشة الفساد. هل جميع الوزراء فاسدون؟ نعم.. كل الوزراء فاسدون سواء كان بصمت أقليتهم على الفساد أو بفساد معظمهم.. كل من يصبح عضواً في الحكومة من خلال ترأسه لحقبة وزارية يعرف جيداً ما يفعله زميلة المسؤول عن الحقبة الوزارية الأخرى.. فجميع الوزارات أعملها متشابكة ولا يمكن فصل إحداها عن الأخرى بسبب الدعم تارة والديون الداخلية بين بعضها لبعض.. فلا تصدق أن هناك وزير لا يعلم كثيراً من المخالفات الإدارية والمالية في الوزارات الأخرى, لكن صمته نابع عن أمرين؛ الأول هو أنه الأخر فاسد وشريك.. والثاني هو أنه يخشى على نفسه من الإطاحة به هو لأن الوزير الفاسد وزير مهم وتربطة علاقات قوية بمسؤولين أكر من الوزير.. وهؤلاء لا يفتحون أدراج أو دواليب في مكاتبهم.. بل يفتحون في "جنيف" بنوك من بابها! هل يمنعنا حظر النشر في قضية الفساد الكبرى من الحديث عن تفاصيلها؟ نعم.. حظر النشر في قضية الرشوة الكبرى المتهم فيها وزير الزراعة بتهمة تلقي الوزير رشوة عينيه من رجل أعمال كبير عبر وسيط صاحب علاقات مهمة مع معظم المسؤولين المصريين كي تُخصص له أرض كبيرة في طريق مصر الإسكندرية الصحراوي وتم اكتشاف أن هناك تخصيصات أخرى لوزراء أخرون ورجال أعمال وإعلاميون.. يمنعنا من سرد الأسماء إلى أن تتم انتهاء التحقيقات والتي سيتم من خلالها إحالة من تلقى رشوة إلى المحكمة والتصالح مع بعضهم بدفع ثمن الأرض والبعض الأخر برد الأرض مع الغرامة.. لكن من حقنا أن نتحدث فيما حول القضية. لماذا كل هذا الفساد في رجال "السيسي" الذي جاء شريفاً أو هكذا يبدو؟ نعم.. عبد الفتاح السيسي قُدم لنا على أنه رجل لم تحوم حوله شبهة فساد قط, لكن هل معنى هذا أنه ليس فاسداً؟.. نعم هو بالنسبة لشخص مثلي يبني أرائه على معلومات هو ليس فاسداً حتى الأن طالما لم تصلني معلومة عكس هذا. لكن سبب فساد رجال الرئيس ليس بسبب سوء إختياره لهم فقط؛ بل بسبب غياب الموضوعية الناتجة عن غياب الرؤية التي جاءت بسبب أنه لم يقدم نفسه على أنه صاحب برنامج مرتبة خطواته, بل قدم نفسه على أن برنامجه يتمثل في شخصه؛ ومن ثم جاءت إختياراته لرجاله بناءاً على شخصيتهم وليست رؤيتهم, فهذه شخصية مهذبة وذاك شخصية حازمة وجميعهم على خبرة عميقة بالأجهزة الإدارية للدولة رغم أن تلك الخبرة تدل على الضرر أكثر من كونها تنفع, وبدا للرئيس أن تلك الصفات وحدها تكفي قياساً على نفسه.. حيث قال يوماً فيما معناه معاتباً من سألوه عن برنامجه وقت أن كان مرشحاً: "برنامج إيه؟!.. انتوا - قاصداً الناس - الي إترجتوني أترشح وأنا مرضتش أخزلكم" هل على الشعب أن يفرح عندما تتكشف له قضية فساد؟ نعم.. من حق الشعب أن يفرح لسببين: الأول أن الأجهزة الرقابية يبدوا أنها أصبحت لديها صلاحيات فعلية وحماية قانونية تجعلها تباشر عملها دون تدخل من أجهزة الدولة ووزراتها السيادية.. وأنه لا أحد ببعيد عن التوقيف. الثاني أنه قد تكشف له أن سبب عدم تغيير الوضع الإقتصادي والإجتماعي والسياسي المصري بعد الثورة ليس لأن مصر لا أمل لها ولا في مقدورها التقدم وانتهت تماماً.. بل بسبب أن الفساد مازال موجود وبكثرة مثلما كان يحدث في الماضي القريب والبعيد, وأن الأمل موجود إذا ما قضي على الفساد. ولكن على الشعب أن يعرف أن الوضع السياسي المصري الأن والمتوقع مستقبلاً بعد البرلمان يدل على أن الفساد سيزداد مهما بلغت قوة الأجهزة الرقابية, لأنه وللأسف البرلمان القادم الذي سيشكل الحكومات القادمة هو برلمان الأثرياء من رجال أعمال وأصحاب المصالح على شاكلة رجل الأعمال المتهم بدفع رشوة بالملايين من أجل الفوز بأرض واسعة ليست من حقه.. فما بالك عندما يختار مثل هؤلاء للشعب وزراء, فمؤكد أنهم سيكونوا على شاكلتهم.. وهذا يعني أن الفساد سيزداد من الركب إلى الرقاب. في النهاية على الشعب أن يدرك أنه لا يريد أن يكون فاسداً بل تُصر حكوماته المتعاقبة على إفساده كي تنعم بفسادها الأكبر. المشهد .. لاسقف للحرية المشهد .. لاسقف للحرية