تعا اشرب شاي تطلعت إلى تلك الصورة الضخمة التى تصدرت حائط احدى المكتبات العامة بالقاهرة، شخص وسيم يبدو من هيئته انه ينتمى الى القرن قبل الماضى، بيد انى احفظ ملامحه عن ظهر قلب الا ان ارهاق يوم طويل قد شوش تفكيرى كثيرا، اخذت انظر اليه بإجلال واحترام ، خلته يبادلنى النظرات. هل تعرفيننى يا صغيرتى؟ تملكتنى الرهبة ورددت بتوجس : اظنك ممثلا؟ بدت على وجهه الوسيم كل علامات الاشمئزاز ، حتى ان شاربه الوقور قد علا فتحتى انفه ، ثم قال بقرف : مشخصاتى !! اعتذرت سريعا وقلت له: عفوا سيدى ، لابد انك صحفى كبير. فإزداد امتعاض وجهه وقال بنفور: جورنالجى!! ثم قال مصححا بإعتزاز : انا شوقى، امير الشعراء، هل نسيتمونى بهذه السرعة؟ قلت بتقدير وحفاوة : سيدى ومولاى ، ومن ينس قيس ليلى والنيل النجاشى؟ قال بحزن بالغ : هل ما زلتم على حالكم؟ أطرقت بخجل ولم أرد ، فقال بأسى: لقد مررنا بنفس نزاعاتكم وضربتنا الفرقة فى مقتل. قلت بإندهاش : هل اطلق البعض لفظ الخراف او العبيد على البعض الاخر؟ وهل اتهم البعض بأنهم نشطاء سبوبة؟ هل رفع احدهم حذاءه مهددا زميله فى مجلس الشعب؟ قال مقاطعا بإنزعاج: مهلا ، لم افهم شيئا ... ما هذه البسبوسة؟ وما مجلس الشعب؟ اشحت بيدى قائلة: لا عليك سيدى .. اسمها سبوبة ، ومجلس الشعب هو مجلس الأمة. قال بحزن شديد : يبدو انه داء متأصل فى شعوبنا ، نعم يا فتاتى ، حدثت الكثير من المشكلات وساءت الاخلاق وكثرت النزاعات بين الاحزاب وبعضها بشكل مزر ، فقد كان بعضهم يسخر من خصمه بينه وبين نفسه لان زر طربوشه غير مهندم، او يمر احد كبار السادة المحسوبين على المثقفين بجوار احد المعارضين فيقول له نهارك سعيد دون ان يكلف نفسه عناء الابتسام ، ولم يكن من المستبعد ان تجدى احد رجالات الفكر يتحدث عن مخالفيه فى الرأى بصفاقة غير مسبوقة فيكتب فى مدونته انه سليط اللسان! ! هل تتخيلين ؟ نعم هكذا اكتشفوا بعد وفاته حين اطلعوا على مدونته حتى انهم كادوا يستعينون بدار الافتاء للسؤال هل يحوز الصلاة عليه ودفنه فى مقابر المسلمين ام لا؟ ، ولم يكن من الممكن السكوت على تلك الجليطة التى منى بها البعض، كأن يجلس احدهم دون ان يلمع حذاءه الفاخر استهتارا وتنكيلا بمن امامه، ووصل ببعضهم الشطط لدرجة ان يقول لزميله فى احد المؤتمرات : اذهب عليك لعنة الفلاح ، بخلاف بخلاف بخلاف ........ قلت مشجعة : بخلاف ماذا يا سيدى؟ انهم اجدادى واحنا كلنا ستر وغطا على بعض. فقال بخجل شديد: قام أحد رؤساء الاحزاب بإتهام منافسه فى الحزب الاخر بأنه قد تحرش بإحدى السيدات ... نعم قال انه استغل فرصة وجودها وحدها وسولت له نفسه المريضة ان يقول لها ببجاحة متناهية : بنسوار يا هانم !! فلم استطع ان اتمالك نفسى وتجاوزت انا الاخر كل الخطوط الحمراء وقلت فى نفسى: لابد من ردع هذه الاحزاب التى تخطت حدود اللياقة والادب بهجاء شديد. تمتمت فى سرى : لا يا راجل !!.... ثم قلت وماذا قلت فيهم سيدى ؟ فأنشد قائلا: الاما الخلف بينكم إلاما؟. ...... .........وهذه الضجة الكبرى علاما؟ واين الفوز؟ لا مصر استقرت ......... على حال ولا السودان داما ثم عقب قائلا: واظن اننى قد اصبت الهدف فعلى مايبدو ان الامور تسير الى الاحسن وانصلح حال الامة ، فقد زادت اواصر المحبة وصلة الرحم حتى انى اسمع الاطفال الصغيرة تستخدم لفظ "الام" فى كل مواقفهم ... بخلاف ان الله قد زادكم بسطة فى الرزق فكلما مر امامى احدكم اسمعه يقول لصاحبه وانت مال اهلك ، زادكم الله عزا و جاها يا صغيرتى. ....................... مشيت دون ان انطق ببنت شفة ...... الله يرحمه مات يا نضرى دون ان يعرف اجابة إلاما هذه ، فأحزابنا قد تخطت التحرش اللفظى بعضها البعض ولعلها تتطلع الآن الى ان يولعوا فى بعض. اما بالنسبة لإجابة السؤال "علاما" ؟ فالحق يقال ان الاحزاب الان كبرت ووعيت ما شاء الله واجمعت على ان العلامة الوحيدة التى يعرفونها هى لقب مطرب لبنانى يسمى راغب. نام وارتاح يا شوقى وعندما آتى اليك يا جدى العزيز سنجلس معا ان شاء الله وننتظر دفعة وفيات سنة 3015 لعلهم يكونوا قد وصلوا للإجابة عن إلاما هذه. شوقى كان قلقا للغاية من انفصال السودان عن مصر والان بحمد الله السودان ذات نفسيها أصبحت دولتين ، والمحلة الكبرى سبق واعلنت استقلالها وسيناء تغلى واطلق عليها البعض لقب "ولاية" و النيل النجاشى راح ولا جاشى يا عمنا.