تتصاعد المخاوف من اندلاع حربا دموية بقطاع غزة، يتوقع بأنها ستكون الأشد ضراوة حيث ستفتح جبهة السلفيين الجهاديين المناصرون لداعش، إلى جانب جبهة حماس وجبهة إسرائيل، يتمرّد السلفيون على المصالحة مع حماس، بهدف خلق بؤرة توتّر في القطاع تسمح للجهاديين بالتحرّك بشكل أكبر. وتشهد العلاقة بين حماس والمجموعات السلفيّة الجهاديّة حالة من عدم الاستقرار تنذر باندلاع حرب أخرى بين حركة حماس وإسرائيل في حال استمر إطلاق الصواريخ من قبل التنظيمات السلفية الجهادية في قطاع غزة تجاه البلدات والمستوطنات الإسرائيلية. وتقول دراسة ل"بينيديتا برتي" الباحثة في معهد دراسات الأمن القومي الاسرائيلي، إن تصدر جماعات السلفية الجهادية يعتبر مثار قلق لحماس التي اعتمدت موقفا متشدّدا تجاه هذه المجموعات في الأشهر القليلة الماضية، أملا منها في خنق هذه النزعة في مهدها. وترى أن عودة نشاط المعسكر السلفي الجهادي في غزة، سيخل بالتوازن المعقّد بين الفصائل المسلّحة الناشطة ليزداد هشاشة ويصبح أقل استقرارا، خاصة بعد سلسلة الصدامات التي ظهرت على السطح مؤخّرا بين حركة حماس والتنظيمات التابعة لما يُسمّى تنظيم الدولة الإسلامية في قطاع غزة. ويتوقّع المحللون أنه في حال استمر إطلاق تنظيمات السلفية الجهادية بغزة الصواريخ على إسرائيل فإن "كرة الثلج، ستتدحرج إلى واقعٍ أبعد من الرد، ورد الفعل". وقال تنظيم داعش في بيان نشر على مواقع مقربة من التنظيمات السلفية الجهادية في غزة، إنه أطلق 3 صواريخ من نوع "غراد"، على "عسقلان ونتيفوت ومجمع أشكول"، الساعة 11 من مساء أول أمس الأربعاء، ردا على مقتل أحد الكوادر السلفية، على يد قوات من وزارة الداخلية التي تُشرف عليها حركة حماس بغزة، وأعلن التنظيم ذاته، في بيان سابق أنه في حل من التهدئة التي أبرمتها حركة حماس مع إسرائيل، وأنه سيواصل إطلاق الصواريخ، مطالبا حركة حماس بالكف عن ملاحقة "الدعاة وطلبة العلم". والسلفية ليسن ظاهرة جديدة في غزة، ف برتي رصدت في دراستها تواجد مجموعات تصفها ب"الاجتماعية والسياسية غير العنفية" مثل حزب التحرير، وهي مجموعات تعمل في غزة منذ الثمانينات على الأقل، لكن خلال العقد الماضي، شهد القطاع صعود عدد صغير من المجموعات غير محكمة التنظيم التي تصف نفسها بالسلفية الجهادية، كما ظهرت هذه المجموعات قبيل الانسحاب الإسرائيلي في العام 2005، لكنها ازدادت نفوذا في خضم الصدامات بين حركتي فتح وحماس وما أعقبها من سيطرة حماس على قطاع غزة في العام 2007،ولهذه الخلايا الجهادية المحلية روابط عقائدية مع تنظيم القاعدة، وتنشط في غزة منذ العام 2007، وهي تعارض حكومة حماس بسبب رؤيتها بأن "حماس تنتهج سيساة معتدلة". ولطالما كانت لحماس علاقة معقّدة مع المجموعات السلفية الجهادية النشطة في غزة، وقد اعتمدت الحركة الإسلامية مقاربات مختلفة في التعامل مع هذه المجموعات مع مرور الوقت، بدءا من التغاضي عن الحراك السلفي الجهادي المحلي وصولا إلى شنّ حملات ناشطة للتضييق عليه، ففي العام 2009 كانت المواجهة الأقوى عندما تحدّى عبداللطيف موسى، زعيم جند أنصار الله وإمام مسجد ابن تيمية في رفح، حكومة حماس وأعلن إنشاء "الإمارة الإسلامية في رفح"، ما أدّى إلى اندلاع مواجهة عنيفة بين أنصاره السلفيين وحكومة حماس أسفرت عن مقتل قادة التنظيم وانهياره، ومنذ ذلك الوقت، لم تشهد العلاقة بين حماس والمجموعات السلفية تحسّنا كبيرا، على الرغم من أنه بعد إطاحة حكومة الرئيس الإخواني محمد مرسي في صيف 2013 في مصر، سعت حماس، وفق بعض التقارير، إلى تجميد النزاع مع المعسكر السلفي الجهادي من خلال محاولتها تحقيق انفراج في العلاقات وتبنّيها جزئيا موقفا أكثر تساهلا لتعزيز الوحدة داخل القطاع، لكن منذ حرب صيف 2014 مع إسرائيل، احتدمت التشنّجات الداخلية من جديد، فالتيارات السلفية الجهادية تبرز أكثر فأكثر على الخارطة منذ صعود داعش وانفصاله الجزئي عن تنظيم القاعدة دفع عددا من المجموعات الجهادية بغزة إلى تبديل ولائها ونقله من أيمن الظواهري إلى أبي بكر البغدادي. ويرى الكاتب السياسي "عدنان أبو عامر" بغزة، أن الجماعات الجهادية في غزة ليس لها هيكل تنظيمي، موضحا أنها تحاول تحدي حماس من خلال "المناكفة"، موضحا أن "المجموعات السلفية، تحاول أن تبتز حماس، لعلمها أن حماس واسرائيل لا تريدا اشعال حربا جديدة بينهما"، محذرا من ان استمرار إطلاق الصواريخ سيقلب المعادلة، وتوقع أن تلجأ حماس للتفاوض مع هذه المجموعات و"تغليب الصفقة على الضربة". ويرى "طلال عوكل" الكاتب السياسي بصحيفة الأيام الصادرة من الضفة الغربية، أنّ "الحكومة الإسرائيلية لن تتهاون مع إطلاق الصواريخ من غزة، فإسرائيل تعلم أن طلاق الصواريخ يقف وراءها تنظيمات سلفية تريد أن تتحدى حركة حماس، وتسعى إلى ابتزازها لتحقيق مطالبها المتمثلة في إطلاق السلفيين الذين تعتقلهم، لكن إسرائيل لا ترى في غزة سوى حماس التي تسيطر على القطاع، وتحملها مسؤولية أي توتر ميداني". وتشن حماس حملات أمنية الى السلفيين الجهاديين، وتطلق الأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية بغزة، حملات اعتقالات مستمرة ضد أنصار الجماعات السلفية الجهادية، التي تتهم حماس، بالكفر والردة عن الإسلام. وترى برتي أن قلق حماس، ذات التوجّهات الإخوانية، من صعود التنظيمات السلفية الجهادية، سياسي وليس عسكري، ولقد أثبتت الدراسات أن تردّي الوضع الاجتماعي وتعاظم الاستياء في صفوف المواطنين يعتبران من أبرز الأسباب التي تدفع بهم إلى الانضمام إلى المجموعات المتشدّدة، مثل التنظيمات المؤيّدة لتنظيم الدولة الإسلامية، وغزّة ليست بمعزل عن ذلك، بل تتوفر فيها كل المؤهّلات التي تساعد الجهاديين على استقطاب مجنّدين جدد، بل ويكون بعض هؤلاء المجندين الجدد من صفوف حماس نفسها. ويشدد "مخيمر ابو سعدة" استاذ العلوم السياسية بجامعة الازهر بغزة على ضرورة فتح حماس لحوار عاجل مع المجموعات السلفية الجهادية، قبل أن تصل الأمور إلى حد لا يمكن التراجع عنه، موضحا أن "الوضع في قطاع غزة لا يحتمل حربا أخرى فالحرب الأخيرة لا تزال آثارها في كل مكان، ولكن أن يتم إطلاق صواريخ على إسرائيل بين الفينة والأخرى، فهذا يعيدنا إلى حالة من الرد ورد الفعل لا أحد يعرف إلى أين ستقودنا".