بعد الثورة ضد العنصرية في جنوب إفريقيا وخروج نيلسون مانديلا من السجن واختياره زعيما لينقل الدولة إلى مصاف الدول الديمقراطية استعانت السلطة بعدد من خبراء الإعلام حول العالم ومنهم الخبير الألماني هندريك بوسيك الذي قابلته في القاهرة في يناير 2014 ، بوسيك يحكي أنه في بداية الأمر عام 1990 أثناء المناقشات الأولى علم أن حكومة جنوب إفريقيا بصدد تعيين وزير للإعلام فذهب مع زميل له للقاء المرشح للوزارة وقال له بوسيك : " هل بالفعل تريدون الانتقال إلى إعلام يخدم الشعب ويساهم في مجتمع ديمقراطي ؟ " فأجابه الرجل الذي على وشك الجلوس على كرسي الوزارة نعم نريد مجتمعا ديمقراطيا . " فقال بوسيك .. "إذن لا يجب أن يكون هناك وزارة للإعلام بل هيئة مستقلة تماما عن الحكومة . " فقام المرشح للوزارة واتصل بالرجل الكبير " the old man " وقال له الخبراء يقولون أنه لا يجب أن تكون هناك وزارة للإعلام لنؤسس مجتمعا ديمقراطيا . " فهل رد الرجل الكبير وقال أن الوقت لا يسمح أو أننا نحتاج مؤقتا إلى وزارة تروج لنا ؟ لا .. كان رد الرجل الكبير حاسما وهو :" إذن لن ننشيء وزارة للإعلام ولنبدأ في تأسيس إعلام لشعب جنوب إفريقيا " الرجل الكبير كان نيلسون مانديلا الذي أصبح رمزا في جميع دول العالم وسيظل التاريخ يذكره بحروف من نور ولا ننسى جنازته التي حضرها نحو 90 رئيس دولة ذهبوا لينالوا شرف التواجد في جنازته لأنه عرف كيف يؤمن بالشعب ويعمل له ويضحي من أجله ومن أجل التعايش حتى مع من ظلموه وآذوه وكان صادق النية ولديه الإرادة السياسية الحقيقية لتغيير وطن عانى من أسوأ سياسات التمييز العنصري . بينما نادت الثورة في مصر بتطهير الإعلام وإلغاء وزارة الخنوع للسلطة وخدمة النظام بدلا من إعلام يخدم الشعب فما كان من المجلس العسكري أن أعاد وزارة الإعلام وظل يتذرع بأن الوقت لا يسمح وجاء المشير طنطاوي بأهل ثقته من المحررين العسكريين واللواءات والمدنيين برتبة لواء لكي يقدموا خدماتهم له ولسلطته ولا عزاء للشعب في إعلام خدمة عامة نحلم به جميعا . الكوميديا السوداء تكمن في أن وزارة الإعلام الغيت منذ نحو عام لكن ظل حال الإعلام كما هو في خدمة النظام ولمزيد من سواد الكوميديا تفكر الحكومة هذه الأيام في استعادة كرسي وزير الإعلام رغبة منها في مزيد من السيطرة وبسبب طمع عشاق الكراسي ممن حول السلطة في هذا المنصب والكرسي الوثير وربما أثناء نشر هذه السطور يتم تعيين وزير جديد للإعلام ليؤكد ان مصر تتراجع يوميا الى عصور الظلام في كل مجالات الحياة .. بس الحمد لله الاستقرار حلو ! .. من العدد المطبوع من العدد المطبوع