يؤكد تقرير لمركز "نقاش"، المختصّ في الشأن العراقي، ما ذهبت اليه مجموعة الشرق الاستشارية، بشأن الضغوط التي يواجهها العبادي، ويضيف "نقاش" بأن الخلاف داخل التحالف الشيعي العراقي يعد الأخطر منذ عام 2003، ويرجع ذلك إلى خلافات عدة نشبت بين الأحزاب الشيعية، أهمها تلك المتعلِّقة بمصير حكومة رئيس الوزراء حيدر العبادي الذي يواجه أزمة مع الفصائل الشيعية وأخرى مع واشنطن وطهران. وكانت واشنطن قد أعلنت عن قرارها بتسريع تسليح عشائر سنية عراقية وتدريبها لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية، ووضعت بذلك رئيس الوزراء العراقي "حيدر العبادي"، في مأزق جديد، بسبب ممطالة العبادي في تسليح عشائر المحافظات السنية التي يحتلها تنظيم داعش، ومماطلة العبادي ترجع في الاساس الى ضغوط إيران وقوى شيعية نافذة في العراق تمنعه من تسليح العشائر السنية. وذكرت مصادر مقرّبة من العبادي أنه يواجه ضغوطا تدفعه إلى التفكير في الاستقالة، وفق تقرير خاص لمجموعة الشرق الأوسط الاستشارية، ونقلت المجموعة، التي تتخذ من واشنطن مقرّا لها، عن المصادر المقرّبة من رئيس الوزراء العراقي، أن الخلافات الشيعية - الشيعية تتفاقم داخل مراكز القرار العراقي، كشفت نفس المصادر إن السبب الرئيسي للخلاف هو الضغط الذي تمارسه قوى شيعية في الحكومة على رئيس الوزراء لتغيير وزير الدفاع العراقي السنّي "خالد العبيدي" وتعيين وزير محسوب على القوى الشيعية في هذا المنصب الحسّاس. والتحالف الشيعي يتكون من جموعة أحزاب تحكم العراق منذ 2003 وحتى الآن ضمن كتلة برلمانية كبيرة تسمى "التحالف الوطني"، وهذه الأحزاب هي "حزب الدعوة" الذي يترأسه رئيس الوزراء السابق نوري المالكي، والعبادي عضو فيه، و"المجلس الأعلى الإسلامي" بزعامة "عمار الحكيم"، و"التيار الصدري" بزعامة "مقتدى الصدر"، و"حزب الفضيلة" برئاسة رجل الدين "محمد اليعقوبي"، وهذه الأحزاب هي أبرز الأحزاب الشيعية التي تحكم العراق منذ 2003 وحتى الآن ضمن كتلة برلمانية كبيرة. ونقلت صحيفة العرب الدولية ما اشار اليه تقرير “نقاش” في هذا السياق، من أن هذه هي المرة الأولى على مدى 12 عاما، التي تندلع فيها خلافات بمثل هذه الحدّة بين أعضاء التحالف الشيعي، إذ أن هناك أطرافا شيعية قريبة من نوري المالكي تقوم منذ أيام بحملة لتشويه سمعة العبادي وإسقاطه، وذكر التقرير أن العبادي قال خلال جلسة سرية داخل البرلمان، في 28 أبريل الماضي، إن "هناك كتلة سياسية تريد إسقاط حكومتي"، وقال إنه مستعد لتقديم استقالته إذا فشل في مهمة قيادة الحكومة. ويؤكّد "كيرك سويل" محلل المخاطر السياسية على أن التداعيات السياسية الأخيرة، كان لها وقع كبير على العبادي، حيث اغتنم المالكي وحليفاه "منظمة بدر" و"عصائب أهل الحق" الفرصة من أجل التصدّي لسلطة العبادي المتنامية على قوات الحشد الشعبي، وأن الاحتجاجات التي اندلعت مؤخّرا في بغداد ضد وزير الدفاع خالد العبيدي خير دليل على ذلك، حيث زعم المتظاهرون أن عدم كفاءة العبيدي هي التي تسبّب في مقتل 140 جنديا عراقيا بعد محاصرتهم لأيام عدة في قاعدة ناظم الثرثار العسكرية. وشكّك العبيدي في التقارير الأولية عن أحداث ثكنة ناظم الثرثار العسكرية التي وقعت مرتين في غضون أسبوعين في يد تنظيم الدولة الإسلامية خلال الهجوم الذي شنّه في الأنبار، وقال إن التقارير التي تتحدث عن سقوط 140 قتيلا لا أساس لها من الصحة، وإنه تم العثور على 25 جثة فقط بعضها يعود إلى قوات العدو. كما خرج كل من المالكي و"هادي العامري" أمين عام منظمة بدر، و"قيس الخزعلي" زعيم عصائب أهل الحق، عبر القنوات التلفزيونية المتعاطفة معهم ووجّهوا انتقادات للعبادي، مطالبين بأن تتسلّم قوات الحشد مسؤولية الأمن مكان الجيش. ويشير المحلل السياسي "مصطفى حبيب" بمركز نقاش، إلى أن الميليشيات الموالية لإيران ما زالت تؤيد رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي ساعدها كثيرا عندما كان في الحكم وسمح لها بالتغلغل في الأجهزة الأمنية ومدها بالسلاح والمال والصلاحيات، والآن ينتقد المالكي العبادي على الرغم من أنهما من الحزب نفسه. ويذكر كيرك سويل أن العبادي سعى إلى نزع الطابع المذهبي عن الحشد عبر ضم السنّة إليه، ويعتبر أن تسليم العبادي شخصيا البنادق إلى أبناء القبائل السنّية الذين تطوّعوا في قوات الحشد، في أبريل الماضي في منطقة الحبانية، غرب العراق، مشهد قوي وذو دلالة. لكن، لم يستطع حيدر العبادي تجاوز سطوة الميليشيات الشيعية، ودورها في الحشد الشعبي، الأمر الذي يعكسه تراجعه عن قراره بعدم إشراكه في أي معارك ضدّ تنظيم داعش في محافظة الأنبار. فقد كان لهذا القرار تأثير كبير على مجريات الأحداث في المحافظة العراقية، خاصة بعد الانسحاب المتعمّد للميليشيات الشيعية المسلّحة فاتحة المجال لتقدّم تنظيم داعش. ويشير "نقاش" في هذا الصدد إلى أن التطوّر الخطير الذي حصل بعد معركة تكريت هو قرار الفصائل الشيعية وقف القتال ضد داعش، وقد ترك أبرز قادة الفصائل مثل هادي العامري، زعيم منظمة “بدر”، وأبي مهدي المهندس، زعيم “كتائب حزب الله”، أماكن القتال حيث كانوا يتواجدون دائما بلباسهم العسكري، وعادوا إلى بغداد ومدنهم في الجنوب وهم يصدرون تصريحات مستمرة لوسائل الإعلام تنتقد العبادي بشدة. واستثمر تنظيم داعش هذه الخلافات وشنّ هجوما على مصفى "بيجي" شمال تكريت وسيطر على أجزاء واسعة منها، كما تمكّن من تنفيذ عملية اقتحام جريئة لأحد السجون في مدينة "الخالص" في ديالى وأطلق سراح عدد من عناصره المسجونين، على الرغم من أن ديالى تم استعادتها بالكامل من "داعش" منذ شهور. ومع اندلاع معركة الرمادي، والخلاف الأميركي العراقي حول مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي فيها، ضاق الخناق أكثر على حيدر العبادي، الذي رضخ في الأخير للشق الإيراني وأعلن مشاركة الميليشيات الشيعية في استعادة مدينة الرمادي من تنظيم داعش. بدورها، فرضت الميليشيات نفسها من موقع قوّة ووضعت شروطا مقابل عودتها إلى القتال، من بين هذه الشروط منح حصانة قانونية لعناصرها، وطالبت أحزابا شيعية مثل حزب "الفضيلة" وأعضاء من حزب "الدعوة" بإقرار قانون نيابي يمنح الحصانة للميليشيات الشيعية، التي تعاني بدورها من خلافات حادة. وتتجاوز الخلافات الشيعية الشيعية الخلاف بين العبادي والمالكي، لتشمل خلافات خطيرة بين الفصائل المسلحة، التي تنقسم إلى قسمين: المجموعة الأولى هي الميليشيات القريبة من إيران والتي ترتبط دينيا بالمرشد الإيراني علي خامنئي وأبرزها "منظمة بدر" و"عصائب أهل الحق" و"كتائب حزب الله" و"سرايا الخراساني"، وهذه الميليشيات لا تحترم قرارات الحكومة كثيرا. أما القسم الثاني فهو الميليشيات الموالية لرجال الدين "علي السيستاني"، و"عمار الحكيم"، و"مقتدى الصدر"، وهي أقرب للحكومة، وأبرزها “"واء علي الأكبر"، و"سرايا الجهاد"، و"سرايا العتبة العباسية"، و"سرايا العتبة العلوية" التابعة إلى السيستاني، و"سرايا الجهاد والبناء"، و"سرايا عاشوراء"، و"سرايا أنصار العقيدة" التابعة إلى عمار الحكيم، و"سرايا السلام" التابعة إلى التيار الصدري. وتصل الخلافات بين هذه الفصائل الشيعية المسلّحة في بعض الأحيان إلى حد رفع السلاح ضد بعضها بسبب الصراع على المناطق والأسلحة، بالإضافة إلى صراعات سياسية تتعلّق برئاسة كتلة "التحالف الوطني" التي تضم جميع الأحزاب الشيعية وفشلت حتى اليوم في اختيار رئيس لها، وهو ما شتت مواقف هذه الأحزاب. وإذا ما استمرت الخلافات بين الأحزاب الشيعية فإنها ستؤدي إلى تغيّرات سياسية كبيرة ربما تشمل تغيير الحكومة أو بعض وزرائها، فيما بدأ "داعش" يستعيد قوته مستغلا هذه الخلافات، ويحقق انتصارات جديدة في صلاح الدين والأنبار وديالى. ويؤكد الجنرال "ديفيد بترايوس" الذي قاد القوات الأميركية في العراق بين عامي 2007 و2008، على أن "الميليشيات الشيعية، وكثير منها تدعمها إيران، تشكل التهديد الأبرز لاستقرار العراق على المدى الطويل، وعلى التوازن الإقليمي الأوسع".