المؤسسات الحكومية هي التي تدير الدول، فإذا كانت هذه المؤسسات تتبع نظم إدارية قديمة و غير فعالة، وتتبنى في أدائها معايير للجودة عفى عليها الزمن فأصبحت لا ترقى إلى طموحات المواطنين، وبالتالي يزيد الشعور بالبيروقراطية الشديدة وتعقد الإجراءات وطول فترة تقديم الخدمات وبالطبع زيادة الفساد الإداري، فإن هذه المؤسسات سوف تكون بالضرورة سبباً رئيسياً في إضعاف الدولة بشكل عام، وهذا على الأغلب هو ما يحدث في مصر. ولهذا بدأت وزارة التخطيط و المتابعة و الإصلاح الإداري "التنمية الإدارية" في تطبيق مشروع قومي على مستوى عالٍ جداً من الأهمية، بل أدعي أن أهميته لا تقل عن أهمية مشروع قناة السويس الجديدة، وهذا المشروع هو تطبيق معايير الجودة الأوروبية في المنظمات الحكومية عن طريق ما يسمى بأداة “CAF” أو إطار التقييم الذاتي. وبدأ التنفيذ بالفعل في ثلاث جهات حكومية هامة كنموذج إسترشادي، على أمل أن تتابع الجهات الحكومية في تطبيق هذا المشروع، وهذه الجهات الرائدة هي: مصلحة الضرائب، الهيئة العامة للتنمية الصناعية و وزارة العدل، وانضمت إلى هذه الجهات أخيراً مصلحة الكفاية الإنتاجية. ويسعى هذا المشروع إلى دعم الجهات الحكومية لتتمكن من "تقديم الخدمات الصحيحة، بالشكل الصحيح، من المرة الأولى" ويتم الوصول إلى هذا الهدف من خلال العمل على العديد من المحاور الهامة مثل: نشر ثقافة الجودة و التميز بين العاملين في الجهات الحكومية، وبناء قدرات العاملين وصولاً إلى تسهيل الإجراءات وإعادة الهيكلة، مما يؤدي في النهاية إلى توفير الوقت و الجهد و الأموال على المواطنين و على الجهات الحكومية ذاتها. والعجيب في الأمر، أنه على الرغم من ظهور بوادر لنجاح النموذج في مصلحة الضرائب المصرية، وإقامة مؤتمر ليوم الجودة المصري في ديسمبر الماضي بالتعاون مع البنك الدولي و معهد الإدارة الأوروبي للتعريف بالمشروع ونشر ثقافة الجودة في المؤسسات الحكومية، إلا ان وسائل الإعلام لم تعطي المؤتمر الأهمية الكافية و الدعم التي يستحقها، خاصةً و أنه كما ذكرنا سابقاً يعتبر مشروعاً قومياً يمس كل مواطن مصري، بالإضافة إلى أنه يعكس توجه الحكومة نحو التطوير والوصول إلى التميز، وزيادة قدرة الحكومة المصرية على المنافسة العالمية.