تتضارب المشاعر والأفكار أحياناً داخلي، فيميل قلبي إلى أمر يرفضه عقلي، فأحتار بينهما، ولا أدري ما العمل، أأقتل قلبي أم أتهم عقلي بالخيانة! أم أقنع كلاهما بأنني إنسان جَبَلهُ الله على هذا، و أعمل على إيجاد حلٍ يرضي عقلي ويريح قلبي في نفس الوقت. ويدور السؤال في ذهني، إذا كان هذا الصراع يدور داخل الواحد منا، فما الخطأ إذاً في أن تختلف آراءنا و أفكارنا وخاصةً أن الحقائق المطلقة في عالمنا محدودة؟ ألم ينشأ كل واحد منا في بيئة مختلفة عن الآخر، وسَلَك كلٌ منا طريقاً خاصاً به فتغيرت سلوكياتنا و إتجاهاتنا و شخصياتنا، فلماذا يطالب أحدنا الآخر بأن لا يختلف معه، ولماذا يصر كل واحد منا على أن أي رأي مخالف لرأيه هو رأي فاسد وحائد عن الحق و الصواب؟ لماذا ننسى أن الله سبحانه وتعالى لعن إبليس عندما تعصب لرأيه ورأى أنه أفضل من آدم، فعصى أمر ربه ورفض السجود، فاستحق اللعنة، أما الملائكة الذين أعطوا فرصة للعقل حين سألوا ربهم أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء، فأجابهم بأنه يعلم مالا يعلمون، فلم يصروا على رأيهم وانصاعوا لأمر ربهم وسجدوا لآدم، فاستحقوا الرحمة. و أتذكر قصة لأخين جلسا على مائدة، كلٌ منهما في مقابل الآخر وأمامهما ورقة مكتوبٌ عليها رقم، الأول يرى الرقم من زاويته "سبعة"، أما الثاني فيرى الرقم من وجهة نظره "ثمانية"، وإستقر كلٌ منهما على رأيه و أصر على جهل أخيه، أما أختهما فهي طفلة لا تقرأ، فناداها الأول وشرح لها كيف يكون الرقم "سبعة" فتعلمته، ثم ذهبت إلى الآخر فعلمها الرقم "ثمانية"، فعلمت أن كلاهما على حق ولكن من وجهة نظره فقط، فأخبرت الأول بأنه على حق وحاولت إقناعه بأن الثاني لم يخطئ، فإتهمها الأول بالجهل، وعندما حاولت مع الثاني إتهمها بالحماقة، ولم يدركا أنها الوحيدة التي سمحت لنفسها برؤية الموقف من كل الزوايا فعلمت ما جهلا. لماذا يبذل كل واحد منا الكثير من الجهد لإثبات خطأ وجهة نظر أخيه بدلاً من أن يبذل هذا الجهد في إثبات صحة رأيه هو، لماذا لا نُعمل عُقولنا فتغنينا عن إستخدام ألسنتنا و أيدينا و أسلحتنا ضد مخالفينا؟ لماذا لا نسمح للإختلاف بإثراء عقولنا وزيادة خبراتنا و قدرتنا على فهم الحياة، وخاصةً أن إختلافنا من آيات الله سبحانه وتعالى، فهو القائل "ومن آياته خلق السماوات و الأرض و إختلاف ألسنتكم و ألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين". لماذا لا نراعي إختلافاتنا، ونحاول إيجاد حلولٌ وسط ترضينا معاً، وتغنينا عن سقوط اللعنات علينا، لعنة كل طرف على الآخر، لما لا يقول كل واحد منا: أنا على حق...و أنت أيضاً.