وزير الإسكان يتفقد وحدات «سكن لكل المصريين» بالعاشر من رمضان    وزيرة التخطيط تُشارك في إطلاق مبادرة لتعزيز الاستثمار في النظم الصحية    توقيع مذكرة تفاهم لإنشاء آلية للتشاور السياسي بين مصر والمالديف    الدفاع الروسية: السيطرة على بلدة بليشييفكا بدونيتسك والقضاء على 1565 جنديًا أوكرانيًا    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم مخيمي بلاطة وعسكر شرق نابلس بالضفة الغربية    دميترييف: العمل على فكرة النفق بين روسيا والولايات المتحدة بدأ قبل 6 أشهر    توروب في أولى مهمته يعلن تشكيل الأهلي أمام إيجل نوار    اختبار طبي يحسم مصير الدوسري أمام السد القطري    إنجاز مصري في الرماية بالخرطوش.. ماجي عشماوي ضمن أفضل 6 راميات على مستوى العالم    الأرصاد الجوية تحذر من الشبورة وانخفاض درجات الحرارة    محافظ الدقهلية ضبط 4 أطنان مشروبات ومياه غازية ومعدنية فى حملة لمراقبة الأغذية    بالأسماء.. مصرع وإصابة 14 شخصا بتصادم سيارتين بصحراوى البحيرة    ياسر جلال يحتفظ بعدسة الكاميرا من الفن إلى السياسة.. عضو مجلس الشيوخ: السياسى والفنان لديهما مهمة واحدة.. ويؤكد: الفنان قريب جدا من الناس.. ورامز جلال خط أحمر والأطفال بيحبوه قبل الكبار    «الصحة» تختتم البرنامج التدريبي لإدارة المستشفيات والتميز التشغيلي    مستشفى الشيخ زايد التخصصى ينجح فى استئصال ورم كبير نشط بالغدة الكظرية    محافظ الشرقية يثمن جهود الفرق الطبية المشاركة بمبادرة "رعاية بلا حدود"    «تموين كفر الشيخ» تواصل حملاتها الرقابية لضبط المخالفين    المشدد 6 سنوات وغرامة 100 ألف جنيه لعامل لاتجاره فى الهيروين بشبين القناطر    أمن المنافذ يضبط 77 قضية متنوعة خلال 24 ساعة    موعد مباراة الأخدود ضد الحزم في الدوري السعودي والقنوات الناقلة    نجمات اخترن تسريحة ذيل الحصان فى مهرجان الجونة 2025    أحمد مراد: نجيب محفوظ ربّاني أدبيًا منذ الصغر.. فيديو    انتخاب اللواء أحمد العوضي والمستشار فارس سعد وكيلين لمجلس الشيوخ    اليوم الرسمي ل بدء التوقيت الشتوي 2025 في مصر بعد تصريحات مجلس الوزراء.. (تفاصيل)    «حان الوقت لإيقافهم».. كوشنر عن الهجوم على قطر: ترامب شعر بخروج الإسرائيليين عن السيطرة    الدويري: خروج مروان البرغوثي سيوحد حركة فتح ويمنح الموقف الفلسطيني زخمًا    زلزال بقوة 5.3 درجة على مقايس ريختر يضرب تايوان    ميناء دمياط يستقبل 33 ألف طن قمح قادمة من روسيا    رئيس جامعة القاهرة: مصر تمضي نحو تحقيق انتصارات جديدة في ميادين العلم والتكنولوجيا    ضبط منادى سيارات اعتدى على سائق وطلب إتاوة فى الجيزة    تعرف على مواقيت الصلوات الخمس اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 بمحافظة بورسعيد    قالي عايز تتعلم ادخل شعبة ب1400.. طالب يقاضي والده أمام محكمة الأسرة: رافض يدفعلي مصاريف الكلية    القنوات الناقلة لمباراة بايرن ميونخ ضد بوروسيا دورتموند في الدوري الألماني.. والموعد    لا تدَّعِ معرفة ما تجهله.. حظك اليوم برج الدلو 18 أكتوبر    الثقافة: تعامد الشمس على وجه رمسيس الثانى من أعظم المعجزات الفلكية فى التاريخ    ما هو حكم دفع الزكاة لدار الأيتام من أجل كفالة طفل؟.. دار الإفتاء توضح    مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية يوضح 7 فضائل لإطعام الطعام.. اعرفها    بعثة المصري تغادر طرابلس فى طريقها إلى القاهرة بعد التعادل مع الاتحاد الليبي    النفط يتكبد خسارة أسبوعية وسط مخاوف تخمة المعروض    الرئيس السيسي يستقبل رئيس مجلس إدارة مجموعة «إيه بي موللر ميرسك» العالمية    تعليمات جديدة من «الصحة» لضبط معدلات الولادات القيصرية في الإسكندرية    رئيس هيئة الدواء: 91% من استهلاك مصر ينتج محليا ومخزون المواد الخام يكفي 7 أشهر    ثلاث حفلات كبرى وندوات علمية في ثالث أيام مهرجان الموسيقى العربية    نجوى إبراهيم عن تطورات صحتها بعد الحادث: تحسن كبير واستكمل العلاج بمصر    أبرز معلومات عن المستشار عصام الدين فريد رئيس مجلس الشيوخ الجديد    100 مُغامر من 15 دولة يحلقون بمظلاتهم الجوية فوق معابد الأقصر    منافس بيراميدز المحتمل.. المشي حافيا وهواية الدراجات ترسم ملامح شخصية لويس إنريكي    مجلس أمناء جامعة بنها الأهلية يوافق على إنشاء 3 كليات جديدة    عبير الشرقاوي ترد على تجاهل ذكر والدها: نقابة المهن خسرت كتير    البنك الأهلي ضيفا ثقيلا على الجونة بالدوري    تعرف على عقوبة عدم التصويت في الانتخابات البرلمانية    زراعة 8000 شتلة على هامش مهرجان النباتات الطبية والعطرية في بني سويف    مواقيت الصلاة اليوم السبت 18 أكتوبر 2025 في محافظة المنيا    فيديو.. منى الشاذلي تمازح حمزة نمرة: أنت جاي تتنمر عليا    رد صادم من متحدثة البيت الأبيض على سؤال بشأن قمة ترامب وبوتين يثير جدلًا واسعًا    أسعار الفراخ اليوم السبت 18-10-2025 في بورصة الدواجن.. سعر كيلو الدجاج والكتكوت الأبيض    هل يجوز للمريض ترك الصلاة؟.. الإفتاء تُجيب    حكم التعصب لأحد الأندية الرياضية والسخرية منه.. الإفتاء تُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن " هات من الآخر " !

لا يتذكر ثقاة المؤرخين بالضبط متي بدأ هذا الزمن الجديد ، وكأنما هو زمن غافل الزمن وتسلل إلينا ، أو قطار داهمنا فجأة بينما كنا نسترخي فوق قضبان التاريخ و نمص عيدان القصب ، أو نيزك سقط فوق رؤوسنا فأحرق فيها مركز الذاكرة ومراكز الشعور والتأثر ، أو أثر بقي من آثار العدوان لم تتم إزالته منذ 1967 ...
وإذا سألتني ، لا أعرف ، وربما لا أريد أن أعرف ، فالمعرفة صارت هم الليل وذل النهار ، وأي إضافة تعني ذلاً وهماً جديداً وقد وصل العمر إلي أرذله ، ولم يعد يحتمل رذالات أخري ، ولعل في معني الزمن الجديد ما يريح ، فهو يشير بشكل ما إلي الإختزال وعدم اللف والدوران ، فكم أرهقتني دوائر الشيخ " إبن عربي " ودوخني معه في " الفتوحات المكية " ، وكم أبيضت ليال قرأت فيها للطبري والمقريزي وإبن إياس وأبو الفرج الأصفهاني وطه حسين والعقاد وغيرهم ... كيف لم يكتشف عبقري هذه الصيغة السهلة المريحة :" هات من الآخر " ويريحنا ويريح غيرنا ، هل كان ضرورياً أن أقرأ كل كتب طيب الذكر هنري كيسنجر كي أكتشف أن بذور العنف في السياسة الخارجية الأمريكية ، لم تكن سوي تنويعات علي لحن سياسات القوة ولعبة توازن القوي ، هل كان من اللازم أن أقرأ كل سطر وجدته أمامي يتحدث عن تاريخ وتطور الحركة الصهيونية بما في ذلك كتب الأدب والصحف العبرية كي أتوصل إلي أن إسرائيل دولة عنصرية توسعية ؟ ، ما أضيع الليالي التي أمضيتها في قراءة أسفار طويلة عن الحروب الصليبية ، وكتابات المستشرقين ، رغم أنها جميعاً في التحليل الأخير لم تكن سوي عداء وكراهية للإسلام ... أقول أنه كان من الممكن أن يعيش الإنسان أكثر سعادة لو اختزل كل ذلك واعتنق نظرية : " هات من الآخر " ...
أن المعرفة التي لا تكون زاداً للحياة بهدف تغييرها إلي الأفضل ، هي معرفة عقيمة ، تماماً مثل المقال الذي لا يتناسب مع الحال ولا يؤدي إلي مآل ، فحين تسود فلسفة الفهلوة والمحسوبية والواسطة ، فالمعرفة لن تكون إلا زاد عذاب ، ولا أدري لماذا أتذكر الآن ما قاله لي والدي رحمة الله عليه ذات مرة : " أعرف يا ولدي أنك لو ولدت مبصراً في مدينة يسكنها عميان ، عليك أن تصر علي أنك تري ما لا يرون مهما سخروا وتكالبوا عليك ، فبصرك نعمة ولكنه أيضاً مسئولية عليك أن تحملها بأمانة " .. لا شك في حكمته ، ولكنني أريد أن أعرف المصير إذا أصر العميان علي أن يخزقوا عين المبصر ، وصمم الجهلاء علي تلويث سمعة العلماء ، وسادت نظرية : " هات من الآخر " ؟ ...ثم – وهو الأهم – في هذا الزمن البرزخي ، هل يمكن أن نعرف حقاً التمييز بين الإعمي والبصير ؟؟ ...

الشك في المسلمات والبديهيات يعد منهجاً علمياً ، لم يبدأه " ديكارت " ، وأقرأ معي ما قاله إبراهيم لربه : " أرني كيف تحيي الموتي ؟ " ، فسأله الرب : " أولم تؤمن ؟! " ، فقال : " بلي ولكن ليطمأن قلبي " ، هذا الحوار الدال القوي مع أبي الأنبياء يضع علامات واضحة كي نهتدي بها ، فالوصول إلي الحقيقة معاناة البحث بين التفاصيل للربط بينها وإستخلاص ما يشبه الحقيقة ، وهذا البحث قد يستغرق العمر كله أو أعمار أجيال متعاقبة ، فكيف يمكن أن يختزل ذلك في : " هات من الآخر " ؟ .. صحيح أن " خير الكلام ما قل ودل " ، ولكن لابد أن يكون للكلام بيان ، وإلا صار الحوار حواراً للطرشان .. أليس ذلك ما تعلمناه ؟ ، أولم يكن ذلك منهج الأمم التي حققت التقدم والرخاء منذ قديم الأزل وحتي يرث الله الأرض ومن عليها ؟ ..
ربما لا تعني النظرية الجديدة سوي " كسل عقلي " أو " بلادة حسية " أو " يأس من النتيجة" ، فهل يصح ما كتبه بعض المستشرقين من أن " مناخ الشرق يؤثر علي أسلوب تفكير أهل الشرق ، بعكس الغرب الذي تدفع برودة طقسه الناس إلي النشاط واليقظة والرغبة الدائمة في الحركة " ؟ .. وإذا كان ذلك صحيحاً ، فهل كانت مصر في عصرها الفرعوني تحيي في الفترة الجليدية ، وكان عرب النهضة الإسلامية يضعون أكياساً من الثلج فوق رؤوسهم ؟ ، بل كيف نفسر حضارات الصين والهند والفرس وغيرها ؟ ، بل وتلك النهضة التي تحققها النمور الآسيوية ومعها – مرة أخري – الصين والهند ؟ ..
هل يمكن أن نعزي ذلك إلي قصور مناهج التعليم وضآلة مخصصات البحث العلمي بشكل عام ، وعدم الإحتفاء الواجب بالعلماء والمفكرين ( يحضرني هنا الجهبذ جمال حمدان ) ، أم أن المسألة تضرب بجذورها إلي أعماق أبعد ؟ ، هل هي مثلاً ما ذهب إليه البعض من سيطرة الفكر الإستبدادي المتحصن بالدين والتقاليد الموروثة تلك التي تدفع إلي الفرار من العقل والركون إلي الأسطورة والخرافة والغيبوبة ؟ ..
من المؤكد أن هناك من سيمر بعينيه علي هذا المقال وينفخ في ملل وهو يقفز بعينيه إلي الخاتمة كي يدخر الوقت ويريح العقل ، وإن كنت لا أعرف يدخر الوقت لماذا ؟ ، ويريح العقل من ماذا ؟ ، فكلنا نعرف أن الوقت لم يعد " كالسيف إن لم تقطعه قطعك " ، وإنما صار مثل قطعة الأفيون نستحلبها في لذاذة كي نغيب عن الوقت نفسه ، وليس هناك سيف ولا قطع ولا يحزنون .
أصارحكم القول بأنني أحياناً أشعر بالرغبة في تمزيق المقال فور الإنتهاء من كتابته ، فما هي جدوي الكتابة ؟ ، وربما علي ضوء المقال الحالي قد يكون من المناسب أن أكتب سطراً واحداً " من الآخر " وكفي الله المؤمنين شر الكتابة ! .. قد تتمحور المسألة كلها حول شعور كاذب بإدعاء إمتلاك الحقيقة ، ولكن ذلك غير صحيح ، لأن الذي يمتلكها أو يتصور ذلك لن يحتاج للكتابة أو حتي البحث والتفكير ومكابدة متعة وعذاب التأمل ، أنه الأرق الأزلي الذي يفتش بلا إستقرار عن الإجابات ، وهو النار المقدسة التي تدفئ وتضيئ ، تلسع وتحرق ، وفي النهاية قد لا يبقي منها سوي الرماد والدخان ...
من العدد المطبوع
من العدد المطبوع


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.