قاسم عليوة شخصية خصبة متعددة المواهب فهو على المستوى الإنساني محبوب من كل من عرفه أحب الجميع وأحبه الجميع حتى خصومه السياسيين والمختلفين معه فكريا أجمع على حبه اليسار واليمين بكل درجاتهما أحبه كل رجال السلطة التنفيذية والسلطة الثقافية من محافظين ووزراء ورؤساء هيئات خدوم بطبعه يقدم الخير للناس ولا ينتظر جزاء ولا شكورا لين الجانب خفيف الظل حلو الروح والمعشر.. ذكي لماح ثاقب الرؤية والبصيرة مارس السياسة وعشقها متمترسا في خندق الوطن ومنحازا للفقراء وناشدا العدل والحرية سلاحه الوحيد دائما الكلمة الصادقة الشجاعة بلا تجاوز فهو بطبيعته لا يجنح إلى العنف مطلقا ومع ذلك دخل السجن دفاعا عن كلمته وموقفه السلمي في وجه الظلم والطغيان ونشدانه الدائم للعدل والحرية قضى عمره كله يجول أنحاء القطر المصري مشاركا في المؤتمرات الأدبية والسياسية محاضرا وباحثا وناقدا ومبدعا بجانب قدرته العجيبة على تكوين الجماعات الأدبية المستقلة بجانب مشاركته تقريبا في كل نشاط ثقافي رسمي. بدأ قاسم مشواره الأدبي شاعرا ثم لم يلبث أن هجر الشعر واتجه إلى القص فله عدد معقول من المجموعات القصصية بجانب رواية وحيدة و تجربة أو اثنتين في الكتابة للمسرح وعدد هائل من المقالات السياسية والأبحاث في الثقافة والنقد الأدبي كل كتاباته وإبداعه تعبير صادق عن موقفه السياسي والفكري الثابت والواضح والمحدد في إطار فني راق ولغة أدبية رفيعة فصيحة بليغة سليمة البناء. اخترت أن أتكلم الآن عن تجربة فريدة له في القص عنوانها " غير المألوف " – طبعة أولى – الهيئة العامة لقصور الثقافة – 1995 – الطبعة الثانية – دار المستقبل للطباعة والنشر 1999 - في هذه المجموعة نجد تقريبا كل خصائص قاسم الأسلوبية وموقفه الفكري الثابت والواضح تجاه الحياة والناس الفقراء الذين نخرهم الفقر والجهل والمرض وهذا الانحياز موقف أخلاقي يتسم مع شخصية هذا الثائر المسالم الذي يتسلح بالكلمة وحدها وسط جبال من القماءة تحتوي المجموعة أربع عشرة قصة تدور كلها تقريبا حول القهر وسبل مقاومته بالحيلة – بالفن والكلمة الجميلة المحرضة من غير مباشرة أو صياح أجوف -. في حديثه مع الشاعر الصحفي أحمد سراج يقول قاسم عليوة : " جل أعمالي القصصية والمسرحية وروايتي الوحيدة أرهصت بالثورة " ولأن الثورة هي موضوع قاسم الوحيد تقريبا كان لزاما عليه أن يبحث أن يبحث عن طرائق أسلوبية وجمالية تتصف بالجدة والطرافة عله يداري صيحته الثائرة المحرضة المباشرة الجهمة فبحث عن غير المألوف من الأساليب الفنية والفلسفات الحديثة استخدم الرمز والإيحاء والقناع والتمثيل والإحالة مشكلة صعبة تواجه الأديب الملتزم بقضية واحدة التزاما مباشرا كيف يجمل الحياتي والعادي ويلبسه لباس الفن الجميل. في قصة " معها " : " ورأيتها بأم عيني تحلق في الهواء فحاولت مجاراتها لدهشتي وجدتني أعلو عن الأرض وأحلق أنا الآخر كانت قد التحقت بسرب من النوارس فلحقت بها دفت بذراعيها ومادت فمدت معها سألتني وأجنحة النوارس تكاد تتلاحم من خلفها : ما رأيك ؟ أتريد العودة إلى الشط ؟ ". هنا ياواجه قاسم قبح الواقع بالخيال والغرائبية.. ألا يذكرك هذا بواقعية ماركيز السحرية وغرائبيته ؟. ومنه أيضا في قصة " امرأة ورجل " : " سحبت القبعة عن وجهه وأزاحت الرمل عن صدره وأنهضته غير أنها لم تجد ساقيه فكتمت صرختها فيما تدلت مئات السراطين المتزاحمة أسفل فخذيه وما بينهما " وكذلك في قصة " نافذة " وقصة " الممثل العظيم س. ج " وقصة " شاعر مجنون ". أما عالم " كافكا " السوداوي فنراه ونختنق معه في قصة " حكاية رجل عصبي " وقصة " رفض " وقصة " في مدينة الظلمة المميت " سوداوية كافكا وعالم " إدجار ألان بو " المخيف. أما قصة " زعقة في زكيبة " فهي نموذج حي لواقعنا المصري المتخلف الذي يعاني فيه القادة المثقفون والتنويريون المرشدون هي جبال من الغيبوبة والجهل تضيع معها كل صيحة ودعوة للإيقاظ واقع مات فيه التاريخ وتوقف الزمن لا يعرف الإنسان فيه يومه من غده : " قلت مستشعرا الخطر : لا مؤاخذه يا بهوات أردت فقط معرفة تاريخ النهارده......وحاولت أن أفتح لنفسي ثغرة أهرب منها لكنني لم أفلح فقد هجموا علي وألبسوني مقطفا وعبأوني في زكيبة ". لا نستطيع في هذه العجالة أن نلم بعالم قاسم عليوة الإبداعي أو الإنساني فهذا جهد يحتاج لتضافر كل أصدقائه وتلاميذه ومريديه لنضيء بعض جوانب الإبداع في عالم مبدع مصري كبير اسمه قاسم عليوة. بورسعيد في 17\3\2015