معرض الفنان الكبير دكتور مصطفي الرزاز المقام بقاعة سفرخان بالزمالك حول موضوع واحد هو صيد السمك ليرسم لوحاته وينجز تماثيله البرنزية تزدحم بها قاعتا عرض الجاليري في استضافة رؤية وإبداع وتنوع غير مكرر رغم أنه موضوع واحد. في هذا المعرض بدا الرزاز النحات بالغا قمة الثراء في الإحساس والتنفيذ الملموس في منحوتاته لذلك الإحساس رغم بساطة العلاقة بين الإنسان والسمكة في تماثيله إلا أنها بدت طقوسية أو ايقونية لثنائية العلاقة أو كأنها تحمل في ثناياها فكرا قديما متوارثا في تعامل الإنسان والسمكة كحكايا سحرية أو كتميمة حبلها السري ممتد بين عين السمكة وعين الإنسان خارجيا. والمثير أن لوحات الرزاز تضم مشاهد لصيد السمكة لتكون فكرة الصيد ذاتها هي مبحثه الفني والنفسي في لوحاته التي ما إن تخرج مفردات اللوحة من مسطحها إلي مجسم النحت تتحول فكرة الصيد إلي فكرة الاحتواء لتعميم علاقة الإنسان والسمكة أيقونية كرابطة يحكمها الاحتياج النفسي، حتي في بعض الأعمال النحتية نجد هناك امتدادا عضويا من السمكة إلي جسد الإنسان الذي يحيط جسده غشاء رقيق يحتويه ونجد تنوع الملامس المتناغمة علي السطح الواحد متعددة في ثراء والثراء النفسي نجده أيضا تنوع احتواء الإنسان لسمكته فمرة يوشوش لها وأخري يحتضنها وأخري يقفز بها طائرا وأخري تصبح مرادفا لوجه الإنسان الراقد أيضا بينما سمكته بدت كمنقذته نبتت لها أجنحة. والرزاز نحات رائع شديد الحساسية للخامة وشديد الوعي لهذه الخامة التي يجعل منها نافذة روح لمكنون نفسه ورؤية الميثافيزيقية والفنية للاشياء والعلاقات بينها في عالمنا، ونراه بإستاذية وقد نفذ الشخوص والأسماك بمادة البرنز وقصد أن يحدث بهما تأثيرات بالقدم ليتناسب والحس الاسطوري كأنها خامة تعامل معها الماء البحري فبدت الأكسدة للاجساد البشرية والأسماك طحلبية اللون، خضراء مجنزرة كأن هذين الكائنين جمعتهما مادة مائية واحدة طحلبية اللون تكلست مع القدم والسنوات. ومعرض الرزاز يثير الكثير من الرؤي حول عالم السمكة ومالها من علاقة وثيقة بالإنسان وطقوسه منذ القدم ومازالت ممتدة احساسا مع الرزاز ليبدو هذا واضحا في معرضه هذا. وعلاقة الإنسان بالسمكة علاقة قديمة وعلي الأرض المصرية كان سمك النيل النهري أو لاتيس رمز الخصب وشارك في طقس النيل أثناء الفيضان وكان له مدينة المعبد لاتابوليس، ومومياوات هذه السمك كثيرة جدا في مقبرة كرست، وقد أظهر كما ذكر أحد علماء العرب التصوير الاشعاعي الكربوني للمومياوات الهيكل العظمي للسمكة، وهناك أسماك كانت ترمز للميت في مسيرته نحو البعث وكان يري بعض الباحثين أن السمك موصل أرواح يعمل علي اجتياز أرواح الموتي للنهر لتنقل للمقر الأبدي. وللسمكة في أماكن عدة حتي اليوم معناها كحامية ضد العين الشريرة ولها أيضا رمز علاجي مقبول من بعض الأهالي وبخاصة في تونس. وفي نصوص الملاحم الهندية نجد السمكة موضوعا كونيا وترتبط مدلولاتها الاسطورية بالفكرة الهندية «شريعة الأسماك» المتكافئة تماما «وشريعة الغاب».. هذه من بعض رؤي الشعوب للسمكة.. وهذا معرض للسمكة كتميمة وأيقونة اسطورية كما يراها الرزاز.