تحتفل مصر هذه الأيام بإعادة افتتاح معبد موسي بن ميمون ذلك الحاخام اليهودي الذي جاء إلي مصر قبيل إسقاط الخلافة الفاطمية بأعوام قليلة ليصبح نجما من نجوم السياسة والطب والدين في بلاط يوسف بن أيوب أو الناصر صلاح الدين!!. يقول عبد اللطيف البغدادي في كتابه (الإفادة والاعتبار): وكان قصدي في مصر ثلاثة أنفس ياسين السيمياوي والرئيس موسي بن ميمون اليهودي وأبو القاسم الشارعي، وجاءني موسي فوجدته فاضلا في الغاية قد غلب عليه حب الرئاسة وخدم أرباب الدنيا وعمل كتابا في الطب كما عمل كتابا لليهود سماه كتاب (الدلالة) ولعن من يكتبه بغير اللسان العبراني ووقفت عليه فوجدته كتاب سوء يفسد أصول الشرائع والعقائد بما يظن أنه يصلحها!!. صاحب كلمة مسموعة كان ابن ميمون طبيب البلاط الأيوبي وهي مكانة رفيعة جعلته صاحب كلمة مسموعة وشفاعة مقبولة لديهم حيث يذكر المؤرخون أن شمويل بن يهوذا بن تبون، وكان وقتئذ يترجم دلالة الحائرين إلي العبرية، طلب منه أن يأذن له بزيارته فحذره من الظن أنه سيحدثه في أي موضوع علمي ولو مدة ساعة واحدة بالليل أو بالنهار لأن عمله اليومي يجري علي النحو الآتي: "فأنا أقيم في القسطاط بينما يقيم السلطان في القاهرة علي بعد مسيرة (ميل واحد ونصف ميل). وواجباتي نحو نائب السلطان جد ثقيلة؛ فعلي أن أزوره في كل يوم في الصباح الباكر وإذا ما كان هو أو أحد أبنائه منحرف المزاج فلن أجرؤ علي مغادرة القاهرة بل علي أن أقيم معظم النهار في القصر. ولا أعود إلي الفسطاط إلي ما بعد الظهر... وأكون وقتئذ قد أوشكت أن أموت من الجوع. ولكني أجد غرفة الاستقبال مزدحمة بالناس، من رجال الدين، وموظفي الدولة والأصدقاء والأعداء فأنزل عن دابتي، وأغسل يدي، وأرجو مرضاي أن يصبروا علي حتي أتناول بعض المرطبات- وتلك هي الوجبة الوحيدة التي أتناولها كل يوم. ثم أستقبل مرضاي... وأظل كذلك إلي أن يحل الليل، فأصف لهم الدواء وأنا مستلق علي ظهري من فرط التعب، حتي إذا جن الليل تكون قواي قد خارت حتي لا أستطيع الكلام. ولهذا لن يستطيع إسرائيل أن يجتمع بي علي انفراد إلا في يوم السبت. ففي ذلك اليوم يقبل علي جميع المصلين، أو الكثرة الغالبة منهم علي أقل تقدير، بعد صلاة الصبح، ليتلقوا علي بعض العلم. يري البعض في الظاهرة الميمونية دلالة علي تسامح الأيوبيين مع المخالفين في الدين إلا أن الضرورة تملي علينا أن نتذكر أن نفس هذا العصر هو الذي شهد أكبر عملية تغيير ديموجرافية تعرضت لها مصر حيث جري إبعاد العناصر الفاطمية ونفيهم من القاهرة وقد تمت هذه الخطة علي مراحل بدأت بإخراج السودان وتشريدهم من القاهرة ومزقوا كل ممزق كما أن رجال صلاح الدين قاموا بالاستيلاء علي ممتلكات كل من ينتمي إلي الدولة البائدة حتي لقد بلغ الأمر بأنصاره أن كل من استحسن منهم دارا من أملاك أتباع الفاطميين وأشياعهم أخرج منها سكانها واستوطن بها كما بلغت إجراءات التهجير ذروتها عام 569ه بعد اكتشافه (للمؤامرة المزعومة) الأمر الذي دفعه إلي نفي وتهجير خدم القصر إلي أقصي بلاد الصعيد ومن الواضح أن الإجراء الأخير قد قضي وبشكل نهائي علي وجود تجمعات سكانية كبيرة للشيعة في القاهرة. تشجيع الهجرات السكا نية ولكي تتواصل عملية التغيير السكاني حرص صلاح الدين علي تشجيع الهجرات السكانية إلي مصر بشكل عام وبالإضافة إلي الأجناد والعسكريين فلقد قدم إلي مصر في ذلك العهد عدد كبير من الناس علي اختلاف أجناسهم من المناطق المختلفة (1). أما حظ النصاري في مصر فلم يكن أفضل كثيرا من حظ الشيعة فقد "اختفي في ذلك العصر الاحتفال الرسمي بأعياد النصاري حيث كان الفاطميون يشاركونهم أعيادهم فاختفت هذه المشاركة الرسمية من الدولة حيث كان الفاطميون يضربون في هذا العيد خراريب من ذهب ويفرقونها علي أرباب الدولة برسم التبرك بها فبطل ذلك في دولة صلاح الدين"(2). إذا لم يكن هناك تسامح ولا يحزنون بل قتل وتهجير جماعي ومحو للأماكن فكيف يمكن لنا أن نفسر هذه القسوة مع الشيعة والنصاري ونفسر ذلك (التسامح) مع موسي بن ميمون؟!. الأهم من هذا أن موسي بن ميمون قد استخدم نفوذه في البلاط الأيوبي أولا (لحماية يهود مصر) وهو ما لا نعترض عليه إلا أن من حقنا أن نسأل عن السر الذي حال دون أن تمتد هذه الحماية لملايين المصريين من ضحايا يوسف بن أيوب أما الأهم من هذا فهو ما ذكره المؤرخون (ولما فتح صلاح الدين فلسطين أقنعه ابن ميمون بأن يسمح لليهود بالإقامة فيها من جديد). يضاف إلي ذلك ما يقوله المؤرخون (وعبر القرون توالت الفتاوي، حول ضرورة بناء الهيكل، والذي أصّل لذلك "موسي بن ميمون" الذي زار القدس عام 1267م، (أثناء العصر الأيوبي) ولفت انتباه اليهود إلي ضرورة بناء هيكل، ليكون رمزاً لوحدتهم.. هيكل مركزي وحيد موحد يكون بديلاً عن أماكن عبادتهم في الكنس، بحيث يتوقف عصر الحاخامات ويبدأ عصر الكهنة ممن يعودون بالعبادة من بدعة المزامير إلي عادة تقديم الأضاحي والقرابين. وذهب موسي بن ميمون إلي أن الهيكل الثالث لن يبْني بأيدٍ بشرية، وإنما سينزل كاملاً من السماء. إنه إذا (المسئول عن توطين اليهود في فلسطين) وهو المؤسس الحقيقي للمشروع الصهيوني المعاصر وليس حاييم ويزمان. أما عن كتاب دلالة الحائرين وتأثيره في تفكير بعض المسلمين وما جره علينا حتي الآن من كوارث فتلك حكاية أخري!!.