انطلاق امتحانات الدور الثاني لصفوف النقل بالسويس    تنسيق الجامعات 2025.. تسجيل الرغبات بموقع التنسيق الإلكتروني مجانا    وزير الري يتابع موقف الأعمال الجارية ضمن "المشروع المصري الأوغندى لمقاومة الحشائش المائية بالبحيرات العظمى بأوغندا"    أعرف التفاصيل .. فرص عمل بالأردن بمرتبات تصل إلى 35 ألف جنيه    وزير الإسكان يتابع مشروع إنشاء القوس الغربى لمحور اللواء عمر سليمان بمحافظة الإسكندرية    انخفاض اللحوم والزيت.. أسعار السلع الأساسية بالأسواق اليوم (موقع رسمي)    95 جنيهًا لكيلو البلطي.. أسعار الأسماك والمأكولات البحرية في سوق العبور اليوم    انخفاض أسعار الدواجن اليوم السبت بالأسواق (موقع رسمي)    بالأرقام.. الحكومة تضخ 742.5 مليار جنيه لدعم المواطن في موازنة 25/26    رئيسة وزراء إيطاليا: أؤيد بشدة قيام دولة فلسطين    إسرائيل تعلن سقوط صاروخ في منطقة مفتوحة أطلق من جنوب قطاع غزة    رئيسة وزراء إيطاليا: الاعتراف بفلسطين قبل قيامها قد يؤدي لنتائج عكسية    كمبوديا تدعو إلى وقف فوري لإطلاق النار مع تايلاند    شيخ الأزهر يعلق مكالمات تهنئة أوائل الثانوية ويلغى مؤتمر النتيجة تضامنا مع غزة    حكم قضائي جديد بوقف أمر ترامب بشأن «حق الجنسية بالولادة» رغم قرار المحكمة العليا    مواعيد مباريات السبت 26 يوليو - ليفربول ضد ميلان.. وإيندهوفن يواجه بلباو    "تأقلمت سريعًا".. صفقة الأهلي الجديدة يتحدث عن فوائد معسكر تونس    "قصص متفوتكش".. محمد صلاح يتسوق في هونج كونج.. نداء عاجل لأفشة.. ورسالة إمام عاشور لزوجته    "خنقتها حتى الموت".. ضبط ربة منزل بتهمة قتل طالبة شمال قنا    نقابة الموسيقيين تتخذ إجراءات قانونية ضد طارق الشناوى    ليلة أسطورية..عمرو دياب يشعل حفل الرياض بأغاني ألبومه الجديد (صور)    من رصاصة فى القلب ل"أهل الكهف".. توفيق الحكيم يُثرى السينما المصرية بكتاباته    أسامة قابيل: من يُحلل الحشيش يُخادع الناس.. فهل يرضى أن يشربه أولاده وأحفاده؟    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 15 مليون و128 ألف خدمة طبية مجانية خلال عشرة أيام    تشغيل قطارات جديدة على خط مطروح    أسبوع الحسم، آخر مستجدات قانون الإيجار القديم    بيراميدز يقترب من صفقة الأهلي.. إبراهيم المنيسي يكشف (فيديو)    محمود الجزار: الأهلي تواصل معي من أجل العودة (فيديو)    شهادات الادخار بأكبر فائدة 2025 وأعلى عائد في البنوك اليوم.. احسب أرباحك    «موعد أذان المغرب».. مواقيت الصلاة اليوم السبت 26 يوليو 2025 في القاهرة والمحافظات    بعد ظهور نتيجة الثانوية 2025.. وزارة التعليم: لا يوجد تحسين مجموع للناجحين    إصابة شاب في مشاجرة وتسمم مزارع بحوادث متفرقة في سوهاج    خدمة جوجل فوتو تضيف أدوات لتحويل الصور القديمة إلى مقاطع فيديو متحركة    الدفاع الألمانية تستعين بأسراب «صراصير» للتجسس والإستطلاع    أجندة البورصة بنهاية يوليو.. عمومية ل"دايس" لسداد 135 مليون جنيه لناجى توما    ترامب: غزو المهاجرين "المروع" يهدد وجود أوروبا    حظك اليوم السبت 26 يوليو وتوقعات الأبراج    حقوق الإنسان والمواطنة: المصريون يعلمون أكاذيب الإخوان ودعواتهم للتظاهر مشبوهة    التليفزيون هذا المساء.. جمال شقرة: الإخوان لم تقدم شيئا لفلسطين    الأهلى يزاحم الهلال على ضم نونيز من ليفربول    دعاء الفجر.. اللهم إنا نسألك فى فجر هذا اليوم أن تيسر لنا أمورنا وتشرح صدورنا    "الحشيش حرام" الأوقاف والإفتاء تحسمان الجدل بعد موجة لغط على السوشيال ميديا    قرار جديد من النيابة بشأن والد «أطفال دلجا المتوفيين»    بالأسماء.. مصرع طفلة وإصابة 23 شخصًا في انقلاب ميكروباص بطريق "قفط – القصير"    وزير الأوقاف يحيل مجموعة من المخالفات إلى التحقيق العاجل    موعد مباراة ليفربول وميلان الودية اليوم والقنوات الناقلة    موعد إجازة المولد النبوي 2025 الرسمية في مصر.. كم يومًا إجازة للموظفين؟    الأوقاف تعقد 27 ندوة بعنوان "ما عال من اقتصد.. ترشيد الطاقة نموذجًا" الأحد    مينا مسعود لليوم السابع: فيلم فى عز الظهر حقق لى حلمى    «بالحبهان والحليب».. حضري المشروب أشهر الهندي الأشهر «المانجو لاسي» لانتعاشه صيفية    «جلسة باديكير ببلاش».. خطوات تنعيم وإصلاح قدمك برمال البحر (الطريقة والخطوات)    بعد «أزمة الحشيش».. 4 تصريحات ل سعاد صالح أثارت الجدل منها «رؤية المخطوبة»    «الداخلية» تنفي «فيديو الإخوان» بشأن احتجاز ضابط.. وتؤكد: «مفبرك» والوثائق لا تمت بصلة للواقع    "هما فين".. خالد الغندور يوجه رسالة لممدوح عباس    رسميًا.. دي باول يزامل ميسي في إنتر ميامي الأمريكي    مستشفى الناس تطلق خدمة القسطرة القلبية الطارئة بالتعاون مع وزارة الصحة    «لو شوكة السمك وقفت في حلقك».. جرب الحيلة رقم 3 للتخلص منها فورًا    الجمهور على نار والأجواء حماسية.. انطلاق حفل تامر حسني بمهرجان العلمين الجديدة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الرواية الفائزة بجائزة البوكر للرواية العربية 2010
نشر في القاهرة يوم 23 - 03 - 2010


«ترمي بشرر».. رواية تخترق مثلث التابو العربي
جاء العنوان جزءا من الآية الكريمة في سورة المرسلات التي يتوعد فيها الله المكذبين بنار جهنم
الرواية تصور فظاعة تدمير البيئة والنفوس بالمتعة والسلطة والثراء بصورة ساخرة لا تخلو من حدة وصرامة قد نجدهما في روايات البساطي وصنع الله وخيري شلبي وقنديل
الشخصيات النسائية في الرواية مشوهة ودميمة وسيئة الخلق
فاتن حسين
لقد أثارت رواية "ترمي بشرر.."، للروائي السعودي عبده خال، كثيراً من الجدل، سواء علي مستوي لجنة التحكيم التي منحتها جائزة البوكر العربية لهذا العام، أو علي مستوي القارئ العربي، بدءاً من عنوانها، مروراً بمكان أحداثها، وانتهاءً بخاتمتها، وجاء العنوان جزءاً من الآية الكريمة في "سورة المرسلات"، التي يتوعد فيها الله المكذبين بنار جهنم، ولكي نفهم دلالة العنوان، نقرأ قوله تعالي: "ويل يومئذٍ للمكذبين، انطلقوا إلي ما كنتم به تكذبون، انطلقوا إلي ظل ذي ثلاث شُعب لا ظليلٍ ولا يغني من اللهب، إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جِمالةُ صُفْرُ"، الآيات من 28-33 من سورة المرسلات، فلم يحمهم الظل من شرر جهنم الذي يلفحهم كالقصر، والقصر هنا ليس ذلك المبني الفخم، بل هو مسحوق أبيض يستخدم في إزالة لون ألياف النسيج، أو تخفيفه، والقصّار هو المبيض للثياب، أما الجِمالة، فهو من الجمَل، أو الأجمال، ويعني الحبل الغليظ، وفي القرآن: "حتي يلجَ الجملُ في سَمِّ الخياط"، أي ينفذ الحبل الغليظ من ثقب ضيق كالإبرة، إذن، يكون معني الآية: انطلاق شرر جهنم عليهم، وكأنه حبال من مبيض تُرمي علي أجسادهم، فتزيل ألوانها، كاللحم حين تمسه النار، وعبقرية التشبيه القرآني هنا، وضحت الصورة، حيث ليس لهم فكاك من تلك الحبال، وبهذا، يكون العنوان مناسباً لأحداث الرواية، فقد أصابت لعنة القصر كل شخوصه، ولم ينجُ أحد، وأصبح الجناس بين القصر الأولي في العنوان، والقصر الثانية في أحداث الرواية، دالاً علي عبقرية المؤلف، الذي سئل عن سر اختياره لهذا العنوان، فقال إن ذلك كان محل جدل بينه وبين الناشر، الذي أعطاه حرية تغيير العنوان، بعد قراءته للرواية، وإذا بالناشر يقره.
حدة ساخرة
وهي رواية ساخرة، فاجعة، تصور فظاعة تدمير البيئة والنفوس، بالمتعة والسلطة والثراء، وتقدم البوح الملتاع للراوي، وهو نفسه البطل، طارق فاضل، منذ الإهداء: "لها ولبقية من عصفت بهم في طريقي، ينداح هذا البوح القذر"، جاء بوح طارق ذاتياً، كشف عن عتمة النفس، حين يتضافر المضمون والذاتي، في جدلية من جدائل السرد، ليتداخل العام بالخاص، في بنائية تمنح المتلقي الحياة الطازجة كما يعيشها. وتمزج الرواية في بنائها بين قالبين، الأول: وصف الواقع الخارجي وصفاً دقيق التفاصيل، بحيدة تامة، فتبعد الأحداث من الواقع إلي الوجود، ويصل فيها اغتراب الإنسان إلي غايته القصوي، حيث تُبتعث الموضوعات والأشخاص والمشاهد، كما لو كانت في إطار صور فوتوغرافية، تبدو مفتقرة إلي الانفعال، والثاني: ما يسمي بتيار الواقعية المحدثة، والتي يختلف كتابها عن الواقعيين القدامي، حين يدخلون في تساؤلات عن طبيعة العلاقات الاجتماعية والتشكيك فيها، إلي حد محاولة الإطاحة بكل ما هو ثابت، مع الاعتماد علي معجم خاص، يتسم بالحدة والصرامة ودقة الوصف، كالذي نجده عند محمد البساطي، وصنع الله إبراهيم، وخيري شلبي، ومحمد المنسي قنديل، وآخرين، فنحن نري في الرواية، المرارة المرهقة التهكمية، والتحايل الفانتازي، والتوثيق التسجيلي، مع كسر التسلسل الزمني في السرد، من الماضي إلي الحاضر، وامتزاج الأزمنة أو تداخلها، بدون الإخلال بأجرومية السرد، فتظل للسردية قوتها وفعاليتها، مع استخدام صيغة الأنا طوال السرد، لا للنجوي أو الشكاة الرومانتيكية أو للمونولوج، بل لتعرية أغوار الذات، وصولاً إلي منطقة مشتركة وملتبسة، يمكن تسميتها: "ما بين الذاتيات"، كما أطلق عليها إدوارد خراط، فتتهاوي الحدود المانعة بين الأجناس الأدبية والفنية، ونري تداخلاً بين الشعر والدراما والسينما والتوثيق والتقرير التسجيلي والموسيقي المعمارية، في تناغم بالغ، من أجل الوصول إلي "الكتابة عبر النوعية".
قصر من جحيم
الرواية لوحة سوداوية بالغة القتامة، تكاد تخلو حتي من مساحات رمادية أو ظلال، تصور قصراً فاخراً، هو جنة جحيمية، ترمي بشررها علي الحارات البائسة المحيطة به في جدة، فيمتد الحكي جسراً بين عالم سيد القصر، وبين من تحولوا إلي دمي بشرية وعبيد، وهم سكان الحي الفقير، الذي بني القصر فيه، فسلبهم بحرهم وقوارب نجاتهم وبراءتهم، ومن خلال بوح طارق، تقدم الرواية راهناً إنسانياً مرعباً، علي امتداد أربعمائة وخمس عشرة صفحة، وطارق أحد العاملين بالقصر، ومن سكان الحي الفقير، الذين اجتذبهم القصر، يؤدي خدمات للسيد من نوع خاص، فهو يقوم بتأديب خصومه وأعدائه، من خلال اغتصابهم جنسياً، بينما يقوم فريق من المصورين بتصوير العملية كاملة في حضور سيد القصر، الذي يبدي استمتاعاً بالمشهد، ويشهد ليل القصر والحي الفقير المحيط به، صرخاتهم واستغاثاتهم، ولم يظهر الراوي سبب تأديبهم، لكن مع أحداث الرواية، يعلم القارئ أنهم منافسون لسيد القصر في الأعمال التجارية، فهو رجل أعمال فاحش الثراء، والقصر هو مسرح الأحداث، الذي تتجلي فيه مشاهد التحلل من الإنسانية والفساد والشذوذ، فمرتادوه، إما رجال أعمال فاسدون، أو مومسات، أو أشخاص مشوهون، يقومون بأعمال تتطلب من شخصياتها أن تكون نفسياتها مخزناً للقاذورات، وهي شخصيات مهمشة، نادراً ما تكون في دائرة الضوء، بائسة ومشوهة وشبه معدمة، استخدم طارق الفلاشباك في الحكي، بعد أن بدأ من نقطة النهاية، فقد كان طفلاً يقطن حي الحفرة الفقير بجدة، أو جهنم، كما يطلق عليه أهله، لقذارته، وامتلائه بأكوام النفايات، ولأزقته المظلمة، التي تنتهك فيها أعراض الغلمان، وقد حرص طارق أن يكون ممن يؤتون الغلمان، حتي لا يؤتَي هو من أحد اللوطيين، وفي صباح العيد، ومع تكبيراته، استحم ولبس نظيفاً، وخرج للحصول علي العدية من أقاربه، محافظاً علي نظافة ثيابه، متحاشياً أكوام القمامة، وإذا به يلقي فوق رأسه كمية من القاذورات، تذهب بنظافته، ومن هنا، يعلم بحتمية قذارته، التي لا ينجو منها طوال حياته: "هل تحرزنا وحذرنا مما في الأرض، يقيناً مما يلقي علينا من السماء؟ هذه هي الحكمة العظيمة التي تعلمتها..كل كائن حي يتخفي بقذارته، ويخرج منها مشيراً لقذارة الآخرين"، وعندما بني القصر بأسواره العالية، آخذاً جزءاً كبيراً من البحر، الذي كان متنفساً لأهل الحي ومصدر رزقهم، وظل الأولاد يحلمون بالدخول إلي القصر، وكأنه الجنة الموعودة، ويقضون الليل في عد مصابيحه المضيئة، وقد سبقهم إلي دخوله عيسي الرديني، ثم دخل أسامة وطارق وآخرون، فعرفوا أن جنة القصر، لم تكن إلا جحيماً، وأن جنتهم الحقيقية، هي حيهم الفقير، وعاشوا علي أمل الخروج من آلة جهنمية، تُسحق فيها إنسانية الإنسان، وتنتهي الأحداث بفاجعة مروعة، حين يكتشف طارق أن مرام التي كان علي علاقة بها، لم تكن إلا مريم أخته من أبيه، فيشعر بهدم كيانه، ويقرر قتل صاحب القصر. تبدو الأحداث تيمة مكررة في روايات وأفلام قديمة، يظهر فيها طغيان الباشا وسحقه للفلاحين، لكن الفعل لا يكرر نفسه مع تكرار حدوثه، فالإنسان لا تطأ قدمه النهر مرتين، ويكون كل عمل فني ليس تكراراً، وإن تشابهت أحداثه بغيره. جاءت شخصية سيد القصر باهتة، باردة، سواء علي المستوي النفسي أو علي مستوي الفعل، أو حتي علي مستوي اللغة، ولكنني أري أنه لابد أن يكون كذلك، لأن القصة تروي من خلال أحد الخدم، أو بالأحري، إحدي الدمي التي يعبث بها سيد القصر، فلا تكون مشغولة إلا بتشوهاتها، كما جاء في إحدي مقولات طارق، كما جاءت شخصيات الرواية باهتة وبلا ملامح، وكأن الكاتب يصفها من بعيد، ولكن ذلك كان علي حساب المضمون المكاني للأحداث، والذي حرص الكاتب علي جعله البطل الحقيقي، ولكنه استطاع، بحرفية، أن يصهر الشخصيات والمكان في بوتقة الرواية، فلا تطغي إحداهما علي الأخري.
المرأة في الرواية
أما الشخصيات النسائية، فهي غير ناضجة، وقد وضعها الكاتب في أطر خاصة، فالمرأة، إما مشوهة أو دميمة وسيئة الخلق، ولم يظهر بعض النضج سوي شخصيتين: تهاني التي تسبب طارق في قتلها علي يد أبيها بعد اغتصابها، ومرام التي استولت علي قلب سيد القصر، واشتهاها طارق، وكأن ظهورها كان عقاباً إلهياً لكل من بالقصر، بما فيهم طارق، وذلك انعكاس طبيعي لعدم توازن القيم، ممثلاً في الاهتزاز الاجتماعي الملحوظ، وقولبة المرأة داخل عادات وتقاليد بالية، مما يجعلها غير قادرة علي أن تظهر بنضوج في واقعها، فتشظي صورة المرأة، يعطينا صورة مهمشة لواقع مهمش، بينما خرجت القصة ناضجة. ثم جاءت الإضافات التي وضعها الكاتب في نهاية الرواية، والتي سماها "البرزخ"، والبرزخ في اللغة تعني الحاجز بين شيئين، فهي الفراغ بين الحياة والموت، وفي الجغرافيا هي أرض طينية بين بحرين، فأضاء البرزخ أحداث الرواية، لينقل لنا رسالة مؤداها: أن الرواية لم تعد منتجاً للمتعة وتزجية الوقت، بل غدت منتجاً للمعرفة، حين يحمّل الكاتب شخصياته الآراء التي يؤمن بها، لإصلاح الحاضر، والانتقال للمستقبل، وكلما تساءلنا، من خلال البرزخ، هل هذه الشخصيات حقيقية؟ نزداد حيرة، حتي يصبح من المستحيل الفصل بين الخيال والواقع، فقد لجأ الكاتب إلي تضفير الأحداث بكولاج من مقتطفات الصحف والمواقع والصور، وكأنه يضفي علي أبطاله ملامح واقعية. وبإسقاط الرواية علي الأمور الحياتية، في كل زمان ومكان، نري أنها تستعرض مدي الاختلال الذي تعانيه المجتمعات، من خلال تسلط من بيده المال والسلطة، وتحكمه في مصائر الفقراء والمستضعفين، فلا يملكون سوي الخضوع من أجل المال، ظانين أن المال سيحقق لهم الكرامة، غافلين مقولة طارق: "تمنحك الحياة سرها متأخراً حين لا تكون قادراً علي العودة للخلف"، سلطت الرواية الضوء علي قضايا أخلاقية واقتصادية واجتماعية وسياسية، عن طريق عالم القصر المليء بالمآسي والرذيلة والجريمة والشذوذ والفقر والعوز والغني والسلطة والجبروت والزواج غير المتكافئ وتفكك الأسرة. تمتع الراوي بنفس حكّاء، وأسلوب زاوج فيه بين السخرية والألم. وهكذا، لم تفز هذه الرواية بالبوكر لجرأتها فحسب، بل لأنها استطاعت أن تدين اغتيال البراءة، وأن تعري المجتمع، بدون استخدام ألفاظ فاحشة، أو تقديم مشاهد بورنو، واستطاع عبده خال، أن يصنع من القبح والفقر والطغيان والشذوذ والبغاء والخسة والأنانية والانكفاء علي الذات، رواية جميلة، ونصاً أدبيا راقياً، يوقظ في النفس كل قيم الحق والخير والجمال، كما حرص علي إعلاء قيمة الحب، الذي ظل مضيئاً طوال الرواية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.