أنا شخص متفائل جدا بطبيعتي ولكن ليس إلي درجة تقبل السلوكيات العشوائية أو أي ترتيبات تحكمها الأغراض الشخصية وتدفعها الخطط النفعية، وأنا أومن بأهمية عقد مؤتمر للمثقفين بوصفهم منتجي الفكر والفنون والآداب وليس بالمعني العام للمثقف كما يفهم البعض، ومنهم رئيس مجلس الشعب الذي قال: المثقفون ليسوا فئة معينة لأننا جميعا مثقفون. علي المثقفين إذن النظر في أوضاع وزارة الثقافة بهيئاتها المختلفة لأن الوزارة يتعين أن يكون لها أدوار كبيرة ومؤثرة، خاصة أنها الوزارة التي من المفترض أن تتعامل مع العقل والوجدان كما أنها- من المفترض- أن تحمل علي عاتقها مسئولية أعمال بالغة القيمة تجاه المستقبل بالاشتراك مع وزارات معنية أخري ، كما أن المثقفين لابد معنيون بحال الثقافة بشكل عام أي ثقافة مجتمع وليس ما يخص الوزارة فقط ، ولا أظنه يغيب عن البال أن الثقافة ليست الكتب والأفلام والأغاني والآثار فقط، لكنها أفق التفكير السائد وحالة الوعي لدي أغلبية الجماهير. إنها المناخ العام الذي نتنفسه ويتأثر بما يقترفه السياسيون ورجال الأعمال والإدارة كل يوم. ومن هنا لا يتعين النظر من ثقب الباب ولا الاكتفاء بدرس مشكلات شتي ألوان الإبداع والنقد ونحوها، فليس هذا بحاجة إلي مؤتمر بحجم ما نصبو إليه. قضايا مهمة لذا فالقضايا التي يتعين أن يناقشها المؤتمر كثيرة وعلي درجة عالية من الأهمية، ويجب أن تؤخذ بمنتهي الجدية، وما أحري أن يقدم عدد من كبار المفكرين الراصدين للتجربة أوراقا قليلة ومكثفة وعميقة، علي أن يدور بشأنها الحوار في إطار علمي محكوم بالمعايير والضوابط الموضوعية الخالية من العواطف والعلاقات والمصالح والتوازنات التي تجور في أحيان كثيرة علي دقة القرار بحيث يضل طريقه نحو التغيير الحقيقي والمؤثر. يمكن إذن أن يكون هناك مؤتمر ناجح، لا مجرد مكلمة أو مهرجان مثل بعض مهرجانات الوزارة حيث تنتهي فقاقيعها فور خروج الضيوف وتبادل القبل. وليس من شك أننا جميعا نتمني النجاح للمؤتمر، لكن تحقيق الأماني وتجسيدها علي الأرض من وجهة نظري المتواضعة له شروط أو عوامل وبدونها لا داع لتنظيمه وتحبير الصفحات عن المؤتمرين وأفكارهم الطائرة ، ولا داعي لوجع قلوب المنظمين والقلوب التي تأمل في شيء جاد وخال من الثقوب وما أكثرها في كل عمل ، خاصة إذا كان الغرض هو الصهللة وعمل جو (شو). أتصور أن الشروط والعوامل التي تساعد علي إنجاح المؤتمر تتبلور فيما يلي: أولا: الشروط الإجرائية 1- توجيه استبيانات لمائة شخصية علي الأقل أكثرهم من غير أعضاء لجان المجلس الأعلي للثقافة وطلب آرائهم ومقترحاتهم للمحاور والموضوعات وجميع التفاصيل. 2- تشكيل لجنة الإعداد نصفها من كبار الأدباء والمفكرين ونصفها من الشباب والمرأة والأقباط. 3- مشاركة فاعلة وعلي أعلي مستوي من وزارات التربية والتعليم والإعلام والتعليم العالي. ثانيا: الشروط الموضوعية وضع أجندة أو برنامج لمناقشة عدد من القضايا المصيرية التي لم يقترب منها النقاش إلا نادرا وقد آن أوانها بالإضافة إلي ما قد تقترحه الاستبيانات ومن ذلك: 1 - مواجهة أكبر قضية وهي الحريات بجميع أشكالها وكفانا الادعاء بحتمية الأمن. 2- موقف السلطة من المثقفين الذي يقوم علي الإزاحة الدائمة لهم وتهميشهم سواء بالعنف أو بالولائم والمنح ( اطعم الفم تستحي العين- العصا والجزرة) كما أنها لا تسمح لهم بأي دور في التغيير (محمد السيد سعيد نموذجا) وقد استخدمت أعتي قوي الأمن لردعهم مع أنها لا تردع المجرمين كما تردع المثقفين وأصحاب الرأي. 3- موقف المثقفين من أجهزة الإعلام ( خاصة التليفزيون) التي تعمل بكل تركيز في عكس اتجاه الثقافة وعكس اتجاه القيم وعكس اتجاه المستقبل الذي يعد المحك الأول لكل عمل ناجح. 4 -مناقشة موقف الحكومة من المواطنة بوصفه أهم عناصر الوحدة الوطنية والتماسك الاجتماعي، خاصة أن المجتمع المصري يعيش حالة خلخلة بنيوية تهدد مسيرته وأحلامه. 5- معرفة رأي المثقفين من قضايا المجتمع الذي أوشك علي الانهيار في كل المجالات وهي مسئوليتهم ومهمتهم التي يتعين عليهم تبنيها نيابة عن الشعب المستغل (بفتح الغين) من النخبة السياسية. 6- موقف المثقفين من عمليات التهويد في القدس والمدن الفلسطينية، وموقفهم من ترسيخ الدولة الدينية في إسرائيل، وشتي مفردات الصراع العربي الإسرائيلي من أجل رؤية موحدة. 7- موقف المثقفين من التراجع الثقافي المصري في السينما والمسرح والأغنية والفكر والنقد. 8- رأي المثقفين في حال التعليم الذي يخرج كل عام الملايين من بينهم الجهلاء والمشاغبين وغير المنتمين. 9- موقف المثقفين من التدهور الذي لحق العديد من هيئات وزارة الثقافة حتي أصبحت الشكلية والمهرجانية هي الغالبة (يكفي اتساقا مع ذلك ملاحظة جمال مباني الهيئات من الخارج والقبح والعفونة في كل ركن بالداخل) فضلا عن إهدار المال العام. 10- موقف المثقفين من هوية مصر المعاصرة في ظل التباس السياسة العامة للدولة داخليا وخارجيا. 11- موقف المثقفين من دور وزارة الثقافة فيما يخص مهمة مقدسة مثل تثقيف الشعب، خاصة بعد انعدام دور وزارتي الإعلام والتعليم. 12- موقف المثقفين من قضية ترجمة الأدب المصري إلي اللغات الأجنبية، مع العلم بأن إسرائيل أنشأت المركز الأكاديمي لترجمة الأدب العبري إلي عشر لغات عالمية منذ عام 1962، يعني منذ خمسين عاما، فما معني التخلف إذا لم يتمثل في هذا الفارق؟! 13- موقف الوزارة من كتاب الطفل (عدد الأطفال يزيد عن عشرين مليونا سيقودون كل مؤسسات الدولة بعد ربع قرن علي الأكثر).. النشر محدود للغاية ولا جوائز ولا توزيع جيد ولا ورش ولا ندوات ولا تعريف ودعاية ولا دور للتليفزيون ولا المدارس ولا ترجمة من وإلي العربية. 14- موقف المثقفين من معرض القاهرة الدولي للكتاب الذي لا يختلف كثيرا عن أي سوق في مدينة صغيرة يختلط فيه كل شيء بكل شيء وكل الكائنات بكل الكائنات. 15- قلة الخدمات الثقافية في الصعيد، مع مراعاة أن المباني ليست الثقافة. 16- الكتاب المصري لا يصل إلي القراء في كثير من أنحاء البلاد ولا يجد طريقه إلي الخارج حيث القاريء العربي ومشاركتنا في المعارض العربية والعالمية هزيلة للغاية. 17- الخطاب الديني لا يزال يمثل عقبة في طريق إعادة إحياء وعي الجماهير، ولا سبيل لركوب المواطن المصري البسيط قطار العصر الحديث إلا بتجديد الخطاب الديني بحيث يعود إلي التسامح وقبول الآخر واحترام كل العقائد وتبسيط الدعوة والتيسير علي الناس والتبشير لا التنفير. 18- ضرورة النظر في تشكيل كيان ثقافي حر ومستقل عن الدولة تكون مهمته مقاومة كل سلوك رسمي أو أهلي يهدد المواطنة والجمال والعدل والحرية (دعوت إلي هذا التشكيل منذ نحو عشر سنوات ولم يستجب أحد) ويتعين أن يكون لهم صوت قوي مهاب. 19- العمل علي إطلاق سراح كل سجناء الرأي مع تحديد مواقف حاسمة يجب علينا اتخاذها مستقبلا في مثل هذه الحالات. وبعد... فإذا كنا نطمع في مؤتمر ناجح فهذه بعض الشروط، وعند غيري مثلها وزيادة. والعبرة بالحوار والقرار والتوصيات الملزمة ولجان المتابعة الجسور، لا الوعود والتصوير والتصفيق، ولو تذكرنا مصر الجريحة لأمكن تنظيم مؤتمر طيب... وكان الله في عون الجميع ما كانوا في عون بلادنا المنهوبة والمهملة بامتياز إهمالا لا يتم عفوا أو عبر مؤامرة خارجية ولكن بتخطيط وتواطؤ.