أجري الرئيس محمد مرسي أول اتصال بإسرائيل الاسبوع الماضي، عملا بنصائح الولاياتالمتحدة، السرية والعلنية، بضرورة طمأنة الإسرائيليين بأن عمليات الجيش المصري في سيناء لا تنطوي علي نوايا بالاستعداد للحرب، او الرغبة في الغاء اتفاقية السلام بين البلدين. تم الاتصال من خلال مكالمة هاتفية أجراها الفريق عبدالفتاح السيسي، وزير الدفاع، بنظيره الإسرائيلي ايهود باراك، قبل لقاء السيسي مع مرسي لاطلاعه بتطورات الأوضاع في العمليات الجارية بسيناء. وتركز مضمون المكالمة التي اهتمت بها وسائل الاعلام الإسرائيلية بالتأكيد علي التزام مصر باتفاقية السلام. جاء هذا الاتصال الأول من نوعه بتعليمات مباشرة من مرسي، منذ توليه الرئاسة، في ضوء تطور الأحداث، ومساعي إسرائيل المستمرة لتسخين الأجواء، خوفا من تمركز القوات المصرية في سيناء بشكل دائم، بدعوي أن ذلك يمثل انتهاكا صارخا لاتفاقية السلام. وبلغت الأمور ذروتها بعد أن وجه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو رسالة شديدة اللهجة إلي مصر، مطالبا بإخراج دبابات الجيش المصري من سيناء فورًا. وذكرت صحيفة «معاريف» الإسرائيلية في تقرير حمل عنوان "رئيس الوزراء في رسالة شديدة اللهجة إلي مصر: اخرجوا دباباتكم من سيناء"، إن ديوان نتنياهو نقل رسالة شديدة اللهجة إلي مصر، من خلال البيت الابيض الأمريكي، بعد أن ادخلت مصر دباباتها خلال الاسابيع الماضية إلي منطقة شمال سيناء، في اطار حملتها علي العناصر الإرهابية هناك، وان إسرائيل طالبت بإخراج الدبابات المصرية من هناك فورا. كما طالبت إسرائيل بأن تتوقف مصر عن ادخال قوات من جيشها إلي سيناء دون تنسيق مسبق مع تل أبيب، بدعوي أن ذلك يمثل انتهاكا خطيرا لاتفاقية السلام المبرمة بين الدولتين. ولفتت الصحيفة الإسرائيلية إلي أن التنسيق، الذي كان يتم في الماضي بين جيشي الدولتين ومؤسستيهما العسكريتين، تتضرر كثيرا في الآونة الأخيرة، الامر الذي دفع الإسرائيليين إلي المطالبة بالتدخل الأمريكي. وقالت إن للولايات المتحدة تأثيرا كبيرا علي مصر، بفضل المساعدات العسكرية الضخمة التي تمنحها واشنطن للقاهرة، وتقدر قيمتها ب1.3 مليار دولار كل عام. ونسبت الصحيفة إلي مصدر إسرائيلي رفيع المستوي قوله إن إسرائيل منزعجة من الدبابات المصرية المتواجدة في شمال سيناء، لان ذلك يمثل انتهاكا صارخا لاتفاقية السلام، علي حد تعبيره. وأوضحت الصحيفة أن احد المخاوف الإسرائيليية تتمثل في أن مصر لن تعمل علي اعادة سيطرتها الامنية في سيناء، وان عملياتها ضد الخلايا الإرهابية هناك محدودة للغاية، وان مصر ستستغل تلك الاستثناءات من اتفاقية السلام كي تبقي قواتها المدرعة في سيناء بصفة دائمة، وبالتالي تغيير اتفاقية السلام علي أرض الواقع. أوضحت الصحيفة أن الحديث يجري عن وضع معقد، لأن إسرائيل تدرك جيدا أن العمليات التي يجريها الجيش المصري ضد الإرهاب، والتي من اجلها ادخل دباباته إلي سيناء، تخدم المصلحة الإسرائيلية أيضا، بالإضافة إلي وجود حساسية إسرائيلية كبيرة إزاء الرئيس محمد مرسي، الذي ينتمي إلي جماعة الإخوان المسلمين. وقالت إن ذلك كان سبب الحيرة الإسرائيلية إزاء الطريقة التي ينبغي الرد بها علي انتهاكات اتفاقية السلام مع مصر. وأشارت الصحيفة إلي مقال كتبه دينيس روس، المستشار السابق للرئيس الأمريكي في شئون الشرق الاوسط، بصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية، ودعا فيه الرئيس الأمريكي باراك اوباما إلي رهن استمرار المساعدات الاقتصادية لمصر بالحفاظ علي اتفاقية السلام مع إسرائيل. تعهدات كارتر ونقلت صحيفة "يسرائيل هايوم" الإسرائيلية عن مسئولين إسرائيليين رفيعي المستوي قولهم إن الاتصالات المباشرة بين القاهرة و"تل أبيب" باتت مكثفة ومتوالية حول هذا الموضوع، بالتوازي مع المباحثات التي تجريها إسرائيل مع الولاياتالمتحدة. وكشفت عن إرسال إسرائيل رسالة إلي واشنطن تتضمن تذكيرا بتعهدات الرئيس الأمريكي الاسبق جيمي كارتر بأن تتدخل الولاياتالمتحدة عند حدوث أي أزمة بين مصر وإسرائيل حول اتفاقية السلام. ومع ذلك اشارت الصحيفة إلي وجود شكوك لدي القيادة السياسية في إسرائيل حول امكانية اهتمام مصر أو الولاياتالمتحدة بحل الأزمة. ولفتت الصحيفة إلي تصريح مسئول عسكري مصري رفيع المستوي لوكالة "معا" الفلسطينية الإخبارية، قال فيه إن القاهرة طالبت إسرائيل بتأجيل النقاش حول إدخال قوات الجيش المصري إلي سيناء إلي موعد لاحق وغير محدد، بسبب حساسية الموقف الحالي بالنسبة للنظام المصري الذي يعمل علي محاربة الإرهاب في سيناء. من جانبها، شددت وزارة الخارجية الأمريكية علي ضرورة تنسيق القاهرة مع تل أبيب واحترام اتفاقية السلام فيما يتعلق بنشر تعزيزات عسكرية في سيناء لمواجهة الإرهابيين. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية، فيكتوريا نولاند: "ندعم جهود المصريين الذين يعملون جاهدين لدحر الإرهاب والقضاء علي تهديدات أمنية أخري في سيناء". وأضافت: "نشجعهم في الجهود التي يبذلونها ليس فقط من أجل تحسين الأمن في مصر، ولكن أيضًا من أجل مصلحة جيرانهم، ونحثهم علي مواصلة التنسيق واحترام بنود معاهدة السلام مع إسرائيل. رد مصر وذكر موقع "ديبكا" القريب من محافل الاستخبارات الإسرائيلية أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه ايهود باراك قررا التوجه مؤخرا بطلب إلي البيت الابيض ووزراة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ووزارة الخارجية الأمريكية، من اجل العمل علي اخراج الدبابات المصرية، خاصة تلك التي من طراز "إم60 إيه3"، من شمال سيناء. ونقل عن مصادر عسكرية إسرائيلية قولها إن الحديث يدور عن كتيبة دبابات مصرية تضم 19 دبابة، أدخلتها مصر إلي سيناء فور وقوع هجوم رفح، الذي استشهد خلاله 16 جنديا مصريا علي الحدود الإسرائيلية. وأكدت المصادر أن مصر لم تطلب في أي مرة، ولم تحصل علي موافقة إسرائيل لإدخال الدبابات، التي من المحظور تواجدها في شمال سيناء وفقا لبروتوكولات الملحق العسكري لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل. وقالت المصادر إنه فور علم مصر بتوجه إسرائيل إلي الولاياتالمتحدة بسبب هذا الموضوع، اتصل عدد من ضباط الاتصال المصريين بنظرائهم في الجيش الإسرائيلي، وحاولوا جس النبض لمعرفة مدي استعداد إسرائيل للموافقة علي بقاء هذه الدبابات المصرية في سيناء، للاستعانة بها في مواجهة الإرهابيين هناك. وكان رد إسرائيل بضرورة مغادرة الدبابات المصرية سيناء يعني اتهام مصر لإسرائيل بأنها تعرقل العملية الناجحة التي يشنها الجيش المصري ضد الإرهاب. وذكر الموقع أن مصر، ووزير دفاعها الجديد الفريق عبدالفتاح السيسي، طرحا دفاعا جديدا أمام الأمريكيين، يتلخص في أن إسرائيل أيضًا خرقت بروتوكولات الملحق العسكري لاتفاقية السلام اكثر من مرة. وأكدت مصر أن إسرائيل كلما شنت عدوانا عسكريا واسع النطاق ضد أهداف بقطاع غزة، كانت تدخل دباباتها إلي مناطق الحدود المصرية الإسرائيلية، بالقرب من محور فيلادلفيا ورفح ومعبري نيتسانا وكرم أبوسالم، رغم أن تلك المناطق تقع في نطاق المنطقة "د"، التي يحظر علي إسرائيل إدخال دبابات ومعدات عسكرية ثقيلة فيها، وفقا للملحق العسكري لاتفاقية السلام، والذي يحظر علي مصر الأمر نفسه في المنطقة "ج"، التي تضم شمال سيناء. وتري إسرائيل أن التوجهات وطبيعة الرد المصري علي المطالب الإسرائيلية والأمريكية تشير إلي أن مصر تسعي لكسب الوقت من أجل تحويل وجود الدبابات المصرية في شمال سيناء إلي أمر دائم، وأنها لن تخرجها من هناك، وإنما ستضيف إليها المزيد من الدبابات بمرور الوقت، الأمر الذي اعتبرته تل أبيب خطة مصرية لنسف بروتوكولات الملحق العسكري لاتفاقية السلام ببطء، تمهيدا لإلغائها. ونقل الموقع الإسرائيلي عن مصادر أمريكية قولها إن الدبابات المصرية في سيناء تحولت إلي موضوع ملغم بين القاهرةوواشنطن وتل أبيب، خاصة بعد ربطه بعدد من الملفات الاخري، مثل الحرب علي الإرهاب، وسياسة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إزاء جماعة الإخوان المسلمين في مصر، والتساؤل عما إذا كانت مصر تحت قيادة الإخوان ستسعي للتقارب مع إيران أم لا. وتتهم مصادر إسرائيلية مصر بعدم شن اي عمليات مهمة ضد العناصر الإرهابية الموجودة في سيناء حتي الآن، ووصفت العمليات الجارية هناك بأنها قاصرة علي مداهمة قوات الشرطة لبيوت مجموعة من المشتبه فيهم، والقبض علي بعض الأفراد، ومصادرة عدد من اجهزة الكمبيوتر، ولم تقع ولا مواجهة واحدة بين الجيش المصري ومجموعة إرهابية مسلحة او مداهمة أي من معسكراتها التدريبية. ويري مراقبون إسرائيليون أن اطلاق صاروخين من طراز "جراد" علي مدينة ايلات يوم 13 اغسطس 2012 كان بمثابة رسالة تحذير وجهتها التنظيمات الإرهابية الموجودة في سيناء إلي الجيش المصري بأنه إذا لم تتوقف عمليات المطاردة والاعتقال للعناصر التابعة لها، ستقوم تلك التنظيمات بتنفيذ عمليات ضد أهداف في إسرائيل، بما يترتب علي ذلك زيادة الأزمة الراهنة في العلاقات بين مصر وإسرائيل والولاياتالمتحدةالأمريكية. وأن ذلك هو السبب الحقيقي الذي دفع إسرائيل إلي تثبيت بطاريتي صواريخ تابعتين لنظام القبة الحديدية في ايلات من اجل التصدي لاي هجمات صاروخية اخري علي المدينة، بموجب تهديدات العناصر الإرهابية في سيناء. وذكر موقع "ديبكا" في تقرير مطول له أن الاتصالات السرية التي تجري بين مصر والولاياتالمتحدةالأمريكية، تشهد ضغوطا من ادارة الرئيس الأمريكي باراك اوباما علي مصر لدفعها إلي شن هجوم واسع علي العناصر الإرهابية في سيناء، وان المصريين يشيرون إلي انه طالما أن الرئيس الأمريكي اوباما لم يصدر امرا شخصيا بمنح مصر مساعدات اقتصادية سخية، لن ينفذ الجيش المصري أي عمليات عسكرية واسعة ضد التنظيمات الإرهابية الموجودة في سيناء، ولن تخرج الدبابات المصرية من هناك. ويقول الموقع إن المصريين واضحون في مطالبهم، حيث يطلبون منحة من الولاياتالمتحدة قدرها نصف مليار دولار، بالاضافة إلي تدخل الولاياتالمتحدة لدي صندوق النقد الدولي لمنح مصر قرضا طويل الاجل، قيمته 4.6 مليار دولار، مع الاشارة إلي انه بدون هذا القرض لن يكون بوسع مرسي تدبير اجور العاملين بالدولة مطلع شهر سبتمبر القادم! والغريب في الامر أن يتزامن ذلك الحديث مع المكالمة التي اجراها وزير الدفاع المصري بنظيره الإسرائيلي، ووصول بعثة صندوق النقد الدولي إلي مصر للتفاوض حول القرض الذي تطلبه مصر! ويتوقع التقرير الإسرائيلي ألا يسافر الرئيس محمد مرسي إلي إيران لحضور قمة دول عدم الانحياز خلال ايام، في حالة توصله إلي تفاهمات مع الادارة الأمريكية، مع تلويحه بتحقيق تقارب مصري إيراني ما لم تستجب الولاياتالمتحدة للمطالب المصرية. تصريحات متناقضة ويمكن ببساطة أن نلمس طبيعة التصريحات المتناقضة الصادرة من إسرائيل، فقد حذر وزير الخارجية الإسرائيلي أفيجدور ليبرمان من تداعيات إدخال قوات الجيش المصري إلي سيناء، مطالبا الحكومة الإسرائيلية بعدم الصمت. وحذر ليبرمان من تدهور الاوضاع بين مصر وإسرائيل قائلا إن إسرائيل قد تجد نفسها قريبا في "منحدر زلق" مع قيام مصر بإدخال دبابات إلي سيناء، واصفا ذلك بانه انتهاك واضح لمعاهدة السلام. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي في اجتماع مغلق مع 20 سفيرا إسرائيليا رفيع المستوي إن علي إسرائيل التمسك بتطبيق بمعاهدة السلام، وألا تظل صامتة وتترك قوات الجيش المصري تدخل إلي سيناء. وأضاف: "علينا التأكد من تطبيق كافة بنود المعاهدة". قال رئيس الهيئة الأمنية والسياسية في وزارة الدفاع الإسرائيلية، عاموس جلعاد، إن إسرائيل لا تتخوف من العمليات العسكرية في مصر، وان هناك تنسيقا بين الطرفين حول ما يجري. ونفي جلعاد صحة الاخبار حول وجود توتر او أزمة نتيجة ادخال اليات ودبابات ثقيلة مصرية إلي سيناء، مبررا ذلك بأن كل ما يجري هناك يأتي بالتوافق بين الطرفين. في المقابل، قال العميد احتياط يسرائيل زيو، رئيس شعبة العمليات السابق بقيادة اركان الجيش الإسرائيلي، انه لا مفر من اجراء تغييرات بالملحق العسكري لاتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل، مؤكدا أن إسرائيل لن يكون بوسعها أن تكرر ما فعلته في لبنان، عبر الدخول إلي سيناء لاعادة الانضباط إلي الفوضي السائدة هناك، لان ذلك يعني اندلاع الحرب بين الدولتين. واوضح أن الوضع الحالي يشكل خطرا استراتيجيا علي إسرائيل، "لان حماس تحظي بجبهة متسعة وآمنة هناك، تسمح لها بالبقاء في غزة وتنفيذ الهجمات من سيناء". أكد إسرائيل زيو، في تصريحات لصحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية، أن مصر محقة وصادقة في قولها إن اتفاقية السلام تعيق تصديها للإرهاب في سيناء، وقال: "قوات حرس الحدود المصرية الموجودة هناك غير كافية، لا من حيث العدد ولا النوعية، لمواجهة التنظيمات الإرهابية في سيناء، ولذلك ينبغي علي إسرائيل أن توافق علي مطالب مصر بادخال القوات اللأزمة لتنفيذ العمليات المطلوبة". واستبعد إسرائيل زيو اندلاع حرب بين مصر وإسرائيل في حالة إدخال مصر مزيدا من قواتها إلي سيناء، حتي علي المدي البعيد، وقال: "يملك الجيش المصري تسليحا حديثا، لكنه ليس مؤهلا لحرب كهذه من الناحية اللوجيستية، فليس لديهم دعم روسي كما كان الامر في السابق، وهم يعتمدون بشكل رئيسي علي المساعدات الأمريكية، ولن تسمح لهم الولاياتالمتحدة بتهديد إسرائيل". ورفض فكرة أن تقوم إسرائيل باجتياح سيناء او شن عملية عسكرية فيها لضرب بؤر الإرهاب هناك، لكنه قال: "هل تستطيع إسرائيل تطوير امكانياتها السرية لتنفيذ ذلك؟ انا اعتقد أن المسئول عن ذلك يستطيع القيام به، خاصة علي المستوي الاستخباراتي". واضاف: "لا ينبغي العودة إلي خطط الحرب، لكن علينا بالطبع أن نكون مستعدين دائما، لان ليس بوسع احد أن يعرف ما سيحدث غدا في منطقة تتساقط فيها انظمة الحكم". وذكرت صحيفة «يديعوت احرونوت» أن إسرائيل تشعر بالقلق من عدم قيام مصر بابلاغها بموضوع دخول الدبابات إلي سيناء مسبقا، وتخشي من عدم حل الأزمة الراهنة الا بتدخل الولاياتالمتحدة للضغط علي القاهرة. ونقلت عن مصادر إسرائيلية قولها إن نتنياهو سيحتاج تدخل الأمريكيين لان الوضع يزداد تعقيدا بمرور الوقت، وأضافت: "ان مشكلة مصر ليست علي الحدود الإسرائيلية، وانما علي الحدود الاخري التي يجري عبرها تهريب الأسلحة إلي سيناء"، مشيرة إلي السودان وليبيا. حملة ضد مصر من جانبها، اتهمت صحيفة «يديعوت احرونوت» الإسرائيلية الرئيس محمد مرسي بأنه وراء تراجع التنسيق الأمني بين مصر وإسرائيل في الآونة الأخيرة. وقالت إن ثمة قلقا في إسرائيل من نجاح مرسي في تخفيض التنسيق الامني إلي ادني حد، وتصاعد قوته علي حساب الجيش، وان الولاياتالمتحدة هي القادرة علي وقفه. وقال المحلل السياسي للصحيفة رون بن يشاي إن الدبابات المصرية الموجودة في سيناء تثير قلقا اقل لدي إسرائيل اقل من قلقها من عدم وجود اي علاقات دبلوماسية تقريبا بين القاهرة وتل أبيب. واضاف: "ان عدد الدبابات التي ادخلتها مصر إلي شمال سيناء مؤخرا ضئيل للغاية ولا يشكل اي تهديد علينا بأي حال من الاحوال". واشار إلي أن موافقة إسرائيل العام الماضي علي ادخال مدرعات إلي تلك المنطقة لمواجهة التنظيمات الإرهابية وعمليات التهريب عبر الانفاق المؤدية إلي قطاع غزة. قال إن التنسيق الامني بين ممثلي الجيشين المصري والإسرائيلي يجري علي الارض وفق المعتاد، وكذلك الاتصالات بين قادة المؤسستين العسكريتين والاستخبارات علي الجانبين، واضاف: "بل يمكن القول بأن امن إسرائيل هو الرابح من العمليات التي ينفذها الجيش المصري في سيناء". لكنه قال إن اكثر ما يقلق قادة إسرائيل الآن ليس ما يجري في سيناء، وانما ما لا يجري بين القاهرة وتل أبيب، بسبب مساعي محمد مرسي لتخفيض درجة التنسيق والمحادثات الامنية بين مصر وإسرائيل، بهدف تهميش اتفاقية السلام، وصولا إلي الغائها. واضاف أن إدخال الدبابات المصرية إلي شمال سيناء دون تنسيق مسبق مع إسرائيل يدل علي اتجاه النظام المصري الجديد إلي اجبار إسرائيل علي قبول و"بلع" خطوات احادية الجانب من مصر، التي فاجأت الجميع بالغاء اتفاقية تصدير الغاز إلي إسرائيل منذ عدة أشهر. ولفت "بن يشاي" إلي وقوع انتهاكات اكبر واخطر لاتفاقية السلام في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، وطوال السنوات ال33 الماضية، لكنه قال إن تقديم إسرائيل شكوي إلي القوات متعددة الجنسيات المتمركزة في سيناء ووزارة الخارجية الأمريكية كانت كفيلة دوما باعادة الوضع إلي ما كان عليه، حيث كان واضحا أن للنظام المصري مصالح اقتصادية وعسكرية وسياسية استراتيجية من استمرار اتفاقية السلام والدعم الأمريكي النابع منها، علي الرغم من عداء اغلبية المثقفين والشعب المصري لإسرائيل. وطالب المحلل السياسي الإسرائيلي إسرائيل بأن تجبر الولاياتالمتحدة علي الضغط علي مصر، وان تطلق حملة ضد مصر وانتهاكاتها لاتفاقية السلام في المحافل الدولية والرأي العام الدولي، ولدي الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة. خطة الحرب ويبدو أن الحملة الإسرائيلية انطلقت بالفعل من إسرائيل نفسها، لاسيما عندما نطالع تقريرا في مجلة الجيش الإسرائيلي يستعرض ما اسماه خطة الحرب الإسرائيلية ضد مصر، بما يعني أن الحديث يجري عن حرب نفسية واعلامية تستهدف معنويات الجيش المصري والمصريين. قالت المجلة إن دخول دبابات الجيش المصري إلي سيناء يضع الدولتين علي طريق الصدام العسكري، وان السلام في عهد الرئيس السابق حسني مبارك كان باردا لكنه كان مستقرا. قالت المجلة في تقريرها إن ما يحدث منذ اندلاع ثورة 25 يناير كان متوقعا في إسرائيل منذ البداية، لكن ما يدهش الإسرائيليين حقا هو معدل الاخبار السيئة الصادرة من القاهرة، حيث إن العمليات التي كانت تستهدف اعواما لحدوثها باتت تحدث في الوقت الحالي خلال ايام قليلة فقط، بل واحيانا خلال بضع ساعات! وتحت عنوان "لعبة البوكر بين القدسوالقاهرة"، كتب المحلل السياسي لمجلة الجيش الإسرائيلي عامير ريبابورت، أن اسرايل اضطرت لبلع المرار والضفادع عبر السماح لمصر في السنوات السابقة بادخال قوات من جيشها إلي سيناء، بالمخالفة للملحق العسكري لاتفاقية السلام بين الجانبين، من اجل تمكين مصر من محاربة اعمال تهريب الأسلحة إلي قطاع غزة. وزاد عدد القوات المصرية الموجودة في سيناء منذ ثورة 25 يناير، حتي ان مصر كانت تدخل قواتها اولا ثم تبلغ إسرائيل بها لاحقا، خلافا لما تنص عليه الاتفاقية من ضرورة ابلاغ مصر لإسرائيل مسبقا. ولكن لم يكن هناك شك لدي إسرائيل انذاك في التزام مصر باتفاقية السلام. ولكن الوضع تغير بعد وصول جماعة الاخوان المسلمين، ممثلة في الدكتور محمد مرسي، إلي الحكم، وما ترتب علي وقوع هجوم رفح، الذي قام الجيش المصري بعده بادخال مروحيات قتالية من طراز اباتشي، وتلي ذلك دخول الدبابات إلي سيناء. وورد في التقرير أن جماعة الاخوان المسلمين لن تعترف بدولة إسرائيل اساسا لاسباب ايديولوجية، ولن تحافظ علي علاقاتها المعتدلة بإسرائيل لوقت طويل، لاسيما انها تنظر إلي منطقة الشرق الاوسط باعتبارها جزءا من دولة الخلافة الاسلامية. وأكد التقرير أن وضع اتفاق السلام بين مصر وإسرائيل يتدهور اسبوعا بعد آخر. وانتقد عدم موافقة الحكومة الإسرائيلية حتي الآن علي تمويل خطة الجيش الإسرائيلي لمواجهة مصر في الحرب القادمة، والتي تحمل اسم "خطة عوز"، التي قال انها لا تبشر بتغيير ثوري في بنيان القوة العسكرية للجيش الإسرائيلي. واوضح أن إسرائيل ستواصل انتاج دباباتها من طراز "ميركافا 4" حتي عام 2022 علي الاقل، مشيرا إلي صفقة الطائرات التي اشترتها إسرائيل من الولاياتالمتحدة، من طراز "إف 35"، التي من المقرر أن تصل دفعتها الاولي إلي إسرائيل بنهاية 2016 او 2017 . وذكرت المجلة عددا من التدابير العسكرية التي تعتزم إسرائيل اتخاذها، أو اتخذتها بالفعل علي الحدود المصرية تحسبا لاي مواجهة مستقبلية. ويتزامن ذلك مع بروز بعض الاصوات التي تحذر من تخدير إسرائيل وجيشها بمقولة أن مصر لا تقوي علي الدخول في حرب جديدة مع إسرائيل في ظل الظروف الحالية التي تمر بها مصر، لا سيما في ظل تدهورها الاقتصادي، وصراعاتها السياسية الداخلية. قال كاتب إسرائيلي يطلق علي نفسه اسم "زئيف جابتونسكي" في صحيفة يسرائيل هايوم الإسرائيلية، أن هذه الاقوال نفسها هي التي كانت تتردد في إسرائيل قبل اندلاع حرب اكتوبر 1973، التي فاجأت مصر الجميع بها، وانتهت بهزيمة قاسية وصدمة مروعة لإسرائيل، لم تفق منها حتي الآن. وينطلق الكاتب من ذلك إلي القول بأن مصر قد تفاجئ إسرائيل بحرب مباغتة جديدة، في ظل تهوين قيادات المؤسسة العسكرية في إسرائيل من قدرات مصر في الوقت الحالي. أخيرا.. من الواضح أن إسرائيل تمارس هوايتها في شن الحروب الدعائية والنفسية من جهة، واطلاق حملات الضغوط علي خصومها من جهة اخري. ومن الواضح أيضًا أن إسرائيل تجيد استغلال التحركات المصرية لابتزاز الولاياتالمتحدةالأمريكية من اجل الفوز بصفقات عسكرية جديدة تضم احدث الأسلحة الأمريكية، فضلا عن حزمة مساعدات اقتصادية سخية ايضا. لكنني في الواقع، انظر إلي حملة المبالغات الإسرائيلية في الحديث عن النوايا والتحركات المصرية ازائها، باعتبارها خطة مرتبة لجأت اليها إسرائيل كي تتمكن بواسطتها من النزول عن شجرة التهديد بشن هجوم عسكري علي منشآت البرنامج النووي الإيراني، بعد أن صعدت إسرائيل فيها إلي ابعد مدي، عبر الحديث التفصيلي عن خطة الحرب والاجراءات الدفاعية الواجب اتخاذها في إسرائيل تحسبا لرد انتقامي من إيران. ويمكن التدليل علي ذلك بتأكيد الخبراء العسكريين علي عدم قدرة إسرائيل من الناحية اللوجيستية علي شن عدوان كهذا علي إيران، حيث لا تملك الأسلحة ولا المساعدات اللأزمة لتنفيذه. اضف إلي ذلك أن إسرائيل تألمت بشدة من بضع صواريخ اطلقتها حركة حماس الفلسطينية علي العمق الإسرائيلي، علاوة علي حالة الذعر التي انتابت الإسرائيليين خلال الحرب الإسرائيلية الثانية علي لبنان، لاسيما في ظل مئات الصواريخ التي أطلقها حزب الله علي المدن الإسرائيلية، والتي تأكد انه يمتلك الالاف منها الآن، خاصة الاكثر تطورا مما سبق أن اطلقه. وبالمقارنة يمكن تخيل ما لدي إيران من أسلحة، لاسيما علي صعيد الصواريخ، وحجم الألم الذي بوسعها أن تسببه لإسرائيل. ومن المنطقي أن نتوقع هجوما متزامنا من الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، وربما السورية ايضا، مع هجوم انتقامي إيراني ضد إسرائيل. فهل حقا تقوم إسرائيل باستخدام مصر كحجة للتراجع أمام العالم عن شن هجوم علي إيران، دون أن تقول ذلك علنا، بدعوي انشغالها بتطورات الحدود المصرية؟!