منذ أكثر من ألفي عام قُُطعت رأس يوحنا المعمدان بثمن رخيص قدره رقصة فاجرة من سالومي .. وحتي اليوم مازالت الانسانية - علي افتراض أنه مازال لها من الانسانية الاسم - تكرر نفس الحدث بصور تناسب قدر قسوة كل عصر وقدرة مقاومة الخير لصالح قوي الشر .. وهذه اللوحة واحدة من عشرات اللوحات لفنانين كبار من مختلف العصور عبروا عن الحدث حرفياً في مشهد بصري مباشر يصف جائزة سالومي نتيجة رقصتها وهي رأس يوحنا مقطوعاً تحمله .. ولوحات أخري تصف ما قبل الحدث أثناء أداء سالومي لرقصتها .. اللوحة أمامنا للفنان الإيطالي كارافاجيو [ 1571 - 1610 ] رسمها ما بين 1607 الي 1610 أثناء اقامته القصيرة في نابولي لتكون آخر لوحاته قبل وفاته .. وقد أختفت هذه اللوحة الرائعة في قيمتها الفنية والتاريخية حتي اُكتشفت عام 1959 ضمن مجموعة خاصة .. وقصة سالومي مأخوذة من العهد الجديد "6".. وهي عن سالومي ابنة "هيروديا" التي رقصت للملك "هيرودوس" زوج أمها رقصتها الخليعة بعدما أقسم لها أن يمنحها أي شيء تطلبه مقابل رقصتها .. وبإيعاز من أمها هيروديا التي أرادت الانتقام والثأر من يوحنا المعمدان حثت الأم ابنتها أن تسأل الملك مقابل الرقصة رأس يوحنا وذلك لكلمة حق قالها يوحنا لانتقاده واتهامه علانية لهيروديا لزواجها المحرم غير المشروع من هيرودوس .. في اللوحة نلاحظ رسم كارافاجيو لسالومي الي أقصي اليسار تنظر الي خارج المشهد كالشر الذي ينكر فعلته.. و في نفس الوقت الذي تحمل بيديها الصينية وفوقها رأس يوحنا مقطوعاً أضفي الفنان علي وجهها نوع من البراءة التي غالباً ما يغلف الشر بها وجهه .. كما جعل رأسي سالومي وأمها أو ربما خادمتها ] كأنهما تنبتان من جسد واحد.. من شر واحد.. وبدا السياف الي أقصي اليمين لايبدو سعيداً ولا راضياً بالأمر الذي نفذه بل بدا في ذهول من سرعة صدور أمر الإعدام وامر تنفيذه لذلك رسم السياف في منطقة معتمة اللون كئيبة وهي التي يتبناها كارافاجيو دائماً للتعبير الدرامي.. ليكون أقصي تعبير درامي أن تنفذ يداً ماجورة حكم انهاء حياة انسان دون مبرر أو سبب غير ان الضحية قالت كلمة حق في وجه ظالم. أثبتت الحياة أنه ليس من خير الإنسان أن يكون الانتقام منهج حياة وأن يصبح الشر المباح ميراثا انسانيا تتوارثه أجيال قهر الخير .. رغم هذا مازال الشر قائماً ..