الأسطورة واحدة، هي أسطورة "هيروديا"، والفتاة رائعة الجمال »سالومي« التي طلب منها زوج أمها الحاكم الروماني الطاغية لمنطقة الجليل الأردنية »هيرودوس أنتييباس« أن ترقص له في حفل كبير مع أصدقائه، وكان في قلبه ميل لها، فتمنعت الجميلة، فوعدها هيرودوس إن رقصت أن يعطيها ما تشاء، فوافقت، ورقصت شبه عارية حتي أذهلت كل من شاهدها، وحين انتهت طلبت رأس النبي يحيي في طست من الفضة لتقدمه هدية لأمها التي يزعجها كلام يحيي في محبسه الذي أودعه فيه هيرودوس حتي لا يهدد ملكه بالزوال، تردد قليلاً، لكنه - أمام إصرارها ووفاء لوعده-وافق في النهاية. الأسطورة واحدة إذن، لكن الاستفادة منها أدبيًّا يختلف من كاتب إلي آخر، ومن مكان إلي مكان، ففي حين نجد أن الصراع الرئيسي في قصة "هيروديا" للروائي الفرنسي جوستاف فلوبير (1821- 1880) صراع علي السلطة بين سلطة دينية وأخري علمانية، فإنه عند المؤلف المسرحي والشاعر والروائي الأنجلو أيرلندي أوسكار وايلد (1854- 1900) صراع بين الجسد والروح، وعند محمد سلماوي في مسرحيتيه "سالومي" و"رقصة سالومي الأخيرة" صراع بين اثنين من الأيديولوجيات التي لا يمكن أن تتعايشا في بلد واحد. هذا ما توصلت إليه الباحثة رانيا محمد فاروق عبد الرحمن الشرقاوي في أطروحتها للماجستير المكونة من ثلاثة فصول، والتي ناقشتها في قسم اللغة الفرنسية وآدابها بكلية الآداب جامعة عين شمس بعنوان "أسطورة سالومي بين فلوبير وسلماوي" أمام لجنة مكونة من د.أمينة رشيد ود.هدي أباظة ود.هيام أبو الحسين المشرفة علي الرسالة، وقد نالت عنها الدرجة بمرتبة الشرف الأولي.. وقد صبت اهتمامها علي دراسة الصراع بين الشخصيات في الأعمال محل الدراسة، مستعينة بتطبيق "نموذج العوامل"لجريماس لإبراز الصراع بين الأبطال. في الفصل الأول تناولت الباحثة نشأة الأسطورة، منطلقة منها إلي دراسة العلاقة المتشعبة بين النص والإلهام، وفي الفصل الثاني حللت"الحبكة" بين الأعمال الأدبية التي تناولتها الدراسة من خلال تطبيق"التصور الخماسي" لبول لاريفاي الذي أتاح لها فرصة دراسة البنية وتسلسل الأحداث في النصوص من ناحية، وإبراز الجديد الذي أضافه كل كاتب للأسطورة من ناحية أخري، مع التشديد علي قيمة هذه الإضافات، مع تسليط الضوء علي عناصر الثبات في الأعمال محل الدراسة، والتي بدونها تتلاشي الأسطورة، وعلي المتغيرات التي يضيفها كل مؤلف تبعًا للمتغيرات التي تخص ثقافته، والصراع الدائر في زمنه ووطنه وقت الكتابة. من المعروف أن محمد سلماوي كتب مسرحية"سالومي" عام 1985 وفيها أعاد تفسير الأسطورة وأضاف إليها بعدًا سياسيًّا واجتماعيًّا متماشيًا مع الأحداث وقتها، وبعدها بسنوات قليلة كتب مسرحيته الأخري " رقصة سالومي الأخيرة " التي اهتم فيها بمصير سالومي بعد قطع رأس المعمدان، مستخدمًا الأسطورة قناعًا يخفي وراءه رؤيته للأحداث الاجتماعية والسياسية.. وعرضت المسرحيتان علي خشبة المسرح القومي: "سالومي" التي قامت ببطولتها رغدة، و"رقصة سالومي الأخيرة" التي قامت ببطولتها سهير المرشدي أمام عبد المنعم مدبولي .