من الملاحظ في الآونة الأخيرة وخاصة بعد تولي الدكتور محمد مرسي رئاسة الجمهورية تردد العديد من التكهنات التي تصل إلي حد المخاوف من إقصاء المرأة عن تولي المناصب القيادية في الوزارات المختلفة عموماً ووزارة الثقافة بصورة خاصة. قيادات نسائية شهدت مرحلة ما بعد الثورة تغيير العديد من القيادات في وزارة الثقافة وأولها الوزراء أنفسهم ، فقد تولي منصب وزير الثقافة خمسة وزراء في فترة لم تتعد العام ونصف العام وإن ظلت أبرز إنجازات تلك الوزارات هي تعيين د.شاكر عبد الحميد لقيادتين نسائيتين هما للدكتورة كاميليا صبحي في منصب أمين عام المجلس الأعلي للثقافة والدكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا. وقد اعتذرت الدكتورة كاميليا عن الاستمرار في السباق القيادي لظروف شخصية خاصة بها ثم ما لبثت أن عادت إليه مؤخراً كمدير للمركز القومي للترجمة ونتمني لها التوفيق والصمود في منصبها الجديد لما تتمتع به من نجاح وصلابة علي مدار مشوارها العلمي والعملي، أما د.إيناس عبدالدايم فهي شخصية تستحق أن نتوقف عندها قليلاً ، فالأوبرا ظلت مكاناً مبهماً غامضاً لجميع الوزراء، فمع العلم بحجم التجاوزات والمخالفات الموجودة بها إلا أن أحداً لم يقترب منها سوي د.عماد أبوغازي وزير الثقافة السابق الذي قام باقتحام عش الدبابير لكشف ما به من خبايا ومخالفات، ثم لحقه د.شاكر عبدالحميد بإنقاذ ما تبقي من هذا الصرح بتعيين د.إيناس عبدالدايم رئيساً للأوبرا، تلك السيدة التي حملت عبئاً مثقلاً وميزانية خربة وخزينة خاوية من الأموال عامرة بالمشكلات والاعتصامات والاحتجاجات التي باتت تهدد هذا الكيان الضخم، تلك المشكلات الناتجة عن سيادة مبدأ الشللية وتغليب المصالح الشخصية وإهمال حقوق صغار العاملين بالأوبرا والتفاوت الكبير في الأجور، ولا ننكر أن البعض من أذيال الإدارة السابقة التي اتسمت بالفساد راهنت علي قدرتها علي الاستمرار والصمود أمام أمواجهم العاتية التي استهدفتها. لكن وفي صمت تام وصمود استطاعت المقاومة بل والنهوض بأقل الإمكانيات بعد أن غزلت عروضاً تبتعد عن التهويل والاستفزاز فاختارت عروضاً تتعايش مع الأزمات التي عانتها مصر في المرحلة السابقة ومازالت تعانيها، فوجدنا الأوبرا تتطور وتمتلئ مسارحها بالجمهور علي عكس ما كان يحدث في السنوات الماضية من عروض تتكلف الملايين ومقاعد خاوية بلا جمهور. والأهم هو الهدوء الذي خيم علي هذه الدار التي كانت تئن وتتألم وتفور من الداخل وقد نتج ذلك عن حسن إدارة ولا مركزية في اتخاذ القرارات والأهم هو العدالة في التعامل مع مشكلات الكبير والصغير. ولأول مرة نجد الأوبرا تخرج من عباءتها الحريرية وتنزل من برجها العالي لتتلاحم مع الجمهور المصري البسيط في قصور الثقافة من خلال تعاون بينهما وبين صندوق التنمية الثقافية لتوصيل الثقافة الراقية إلي جمهور المحافظات كما حدث في دمنهور لتحقيق ديمقراطية الثقافة وخلق جمهور جديد للأوبرا ، فوجدنا رئيس الأوبرا تتحرك أسبوعياً إلي الاسكندريةودمنهور لحل مشكلات العاملين وممارسة الإدارة من أرض الواقع وليس عبر الأثير المشوش. والأهم وجدنا رئيس أوبرا يحضر مع الجمهور في صالات العرض ويصفق ويتفاعل مع العروض ليرصد رد الفعل الواقعي دون أن ينتظر تزييفا للحقائق. وبهذا تكون المرأة المصرية قد اجتازت الاختبار بنجاح و أثبتت وجودها كقيادة قوية في أول بث تجريبي للقيادات النسائية في وزارة الثقافة بعد الثورة. نقطة الصفر أكتب تلك السطور وأسوق تلك الأمثلة لأنه ليس من المنطقي أن نعود إلي نقطة الصفر من جديد ليأتي وزيراً للثقافة يقوم بهدم كل ما تم بناؤه لكي يبدأ من جديد ، كما أنه ليس من المنطقي أن يتواري دور المرأة القيادية في وزارة الثقافة بعد أن أثبتت وجودها فعلياً وفي أحلك المواقف وأصعب الظروف، لذا قررت أن أهدي هذه السطور للرئيس الجديد ووزير الثقافة القادم لأؤكد الرفض التام لجموع المثقفين لتهميش دور المرأة في المناصب القيادية بكل الوزارات وخصوصاً وزارة الثقافة. كما نطالب الرئيس محمد مرسي بالوفاء بما وعد به من احترام لمكانة المرأة وعدم تحجيم دورها ونطلب منه أيضا أن يبحث عن المبدعات والباحثات المتميزات ممن تم إقصاؤهن عن الحياة الثقافية وإعادتهن إلي مكانتهن التي سلبت منهن من قبل نظام فاسد ليفي بما وعد به من مساواة وعدالة اجتماعية. كما نؤكد أيضاً ضرورة الالتزام بمبدأ حرية الرأي والتعبير الذي سمح له بأن يفوز ويتولي منصب الرئاسة.