يتراجع دور الصحافة الثقافية بالمغرب يوميا، ويضيق حيزها أمام هيمنة أخبار الإثارة والفرجة والحوادث، وما عادت قادرة علي تتبع الحراك الثقافي المغربي. وسواء تعلق الأمر بالصحافة المرئية أو المسموعة أو المكتوبة، فإن حضور الثقافي فيها يظل شبه غائب: فالقناتان الفضائيتان الرئيسيتان لا تبرمجان سوي برنامجين ثقافيين يبثان بعد أن ينام الجميع. والأمر نفسه ينسحب علي الإذاعات. أما الصحافة المكتوبة فتُزحم صفحاتُها الثقافية بالإشهارات والصور المغرية التي لا علاقة لها بالثقافة، في حين يظل الحدث الثقافي خارج الحسبان، مما جعل أغلب المثقفين يبحثون خارج الحدود عن منابر جديرة بأعمالهم وأنشطتهم الثقافية والإبداعية، خاصة بعد أن أضحت أغلب المنابر الوطنية أبواقا لجهات رسمية أو حزبية لا تمثل فيها الثقافة إلا عناوين خرقاء. أمية ثقافية ويعتبر الشاعر محمد نجيم أن الثقافة لاتزال في مهدها نظرا لتفشي الأمية التي لم تفلح سياساتنا التعليمية في محاربتها، كما أن الأمية الثقافية متفشية بدرجة مهولة وسط المتعلمين من مختلف أجيال المجتمع المغربي. لذلك، لايزال سؤال الثقافة منحصرا في أوساط ضيقة من المجتمع، ولا يعني سوي من ابتلوا بها كالكتاب والشعراء وأهل الفكر. ويضيف بأن الصحافة الثقافية تحتاج إلي إمكانيات مادية ولوجوستيكية غير متوفرة في مجتمعنا المغربي، ناهيك عن غياب تقاليد العمل الصحافي في مشهدنا الصحفي، مقارنة ببعض بلدن المشرق العربي التي راكمت تجارب وأرست دعائم قوية للعمل الصحافي، ومنه الجانب الثقافي. وهذا ما جعل "أدمغة الصحافة الثقافية" تهاجر إلي الخارج. وأصبح الكاتب المغربي يسفّر مقالاته إلي كبريات المنابر الثقافية الخليجية التي تملك إمكانيات هائلة، وبنيات ثقافية بمعايير عالمية، فهناك ىُحترم الكاتب المغربي وتعطي قيمة إضافية لمادته التي تنشر علي نطاق واسع، بفضل وصول تلك الصحف إلي عدد كبير من القراء، نظرا للتوزيع الجيد. ويختم نجيم كلامه، بكون الصحافة الثقافية في المغرب، صحافة من دون ثقافة، لأن المجتمع برمته يهمش المشروع الثقافي، ويلغيه من حساباته. تعتيم إعلامي أما الروائي هشام بن الشاوي، فقد شكك أصلا، في وجود صحافة ثقافية بالمغرب معبرا عن قلقه تجاه غيابها وطرق اشتغالها. يقول: "تخيل بلدًا يتجاوز فيه عدد المنابر الأربعين مطبوعة، ولا توجد صفحة ثقافية واحدة، تغريك بتصفحها. ثمة صفحات ثقافية باهتة، أغلبها يكرس الرداءة والعهر الثقافي.. حضورها وغيابها سىّان صفحات يحررها متطفلون، بينهم من لم يسبق له أن كتب حتي خاطره، ويشرف علي ما "يشبه صفحة ثقافية" في جريدة سىّارة، جلّ موادها يتم السطو عليها من مواقع إلكترونية عن طريق النسخ واللصق! وتُحشر فيها أخبار أنشطة غير ثقافية.. وأكثر من ذلك، بعضها يخصص هذه الصفحات لنشر الإعلانات العقارية بدل أن يواكب أخبار حصد الشباب المغربي لجوائز في الإبداع والنقد. ويرجع بن الشاوي هذا التعتيم إلي الحقد وعدم الاختصاص اللذين يميزان المشرفين علي هذه الصفحات. البديل الرقمي وإذا كانت المنابر الورقية والمرئية قد أدارت ظهرها للثقافة والمثقفين المغاربة، فإن الثورة الرقمية وفرت لهم آفاقا رحبة للترويج والنشر والتواصل. وقد بادر هؤلاء إلي تجريب هذا الوسيط الجديد منذ نهاية التسعينيات، غير أن صعوبات جمة وقفت في وجه استمرارية هذه المنابر الشخصية، لما تتطلبه من موارد وبنيات ضخمة، حيث يرجع محمد أسليم صاحب موقع أسليم المبكر الإنشاء (يناير 2002 سبب توقف تحيين الموقع، إلي غزارة المواد المرسلة، ولغة بنائه التي تتطلب وقتا كبيرا في التحيين يتجاوز قدرة فرد واحد، ما يقتضي الحصول علي دعم مؤسسي. علما أنه تمَّ إرسال إشارة لوزارة الثقافة المغربية، في ضرورة دعم المواقع الإلكترونية المغربية، عبر منابر ثقافية محلية، لكن النداء لم يصادف أي صدي...". ويضيف أسليم أنه بالموازاة مع الموقع، تمَّ بناء مجلة ميدوزا ومنتدياتها، اللذين صادفا الترحاب نفسه، لكن تمَّ إغلاق المجلة مؤقتا لسببين: الأول تقني يتمثل في غياب فريق يتولي الترقية والحماية، وهو ما لا نملك إمكانياته المادية، والثاني الحاجة إلي فريق تحرير، وما كل الناس تريد التطوع في الحقل الثقافي الرقمي لغايات ثقافية بحتة. ناهيك عن خاصية ميزت حضور مجموعة من الأدباء المغاربة في الإنترنت، وهي التشرذم والتنافس، لأسباب غير ثقافية... ومع أن المنتديات لا تزال موجودة وتشتغل بإصرار، لكنها ليست بالتفاعل المطلوب، لصرامة معايير التسجيل والتفاعل، ما لا يقبله سائر مرتادي الإنترنت المغاربة والعرب. وبذلك تحولت إلي أرشيف ومنبر للنشر الحر لأعضائها المسجلين. صحفي وباحث مغربي