في عام 1995 وعلي هامش المعرض العام في دورته ال24 أصدرت بيانا عن نقابة التشكيليين بالدقهلية -أيام أن كانت هناك نقابة تساهم بشكل حقيقي في الفعل والحراك التشكيلي، وكنا رغم ذلك ننتقدها آملين في دور أكثر حيوية وفاعلية ،فالنقابة في ذلك الوقت كانت ندا لمركزية القاهرة لاخادم مطيع لرغبات وتوجهات الغير -جاء هذا البيان احتجاجا صارخا علي الطريقة التي خرج بها المعرض العام حين استخدم المعرض لتصفية حسابات بين مجموعة معينة من الفنانين اشتبكت مصالحها بشكل مباشر مع القوميسير العام للمعرض بتوجهات مباشرة لدعم الصراع علي ادارة مجلس نقابة التشكيليين والذي كان يرؤسه أنذاك الفنان الكبير حسين الجبالي والذي -للأسف الشديد- تم تجاهله تماما بعد أن أقعده المرض . فاستخدم المعرض كدعاية انتخابية لبعض الفنانين وتم تجاهل فنانين كبار، وقتها أهين الفنان حسين الجبالي عن عمد حين عرضت أعماله في قاعة صغيرة معزولة بجوار دورة المياه في الوقت الذي خصصت فيه حوائط كاملة بقاعة اخناتون لتجارب أبسط مايقال عنها أنها مراهقات فنية! وكان القوميسير وقتها هو القوميسير الأوحد الفنان أحمد فؤاد سليم رحمه الله عليه .نعم كنا نختلف معه اختلافات حادة لكننا رغم ذلك لم ننكر أبدا قيمة الرجل لأنه لا أحد يستطيع تجاهل كون الرجل ناقدا مهما ومثقفا موسوعيا . وصحيح أنه سيطر علي كل نواصي الحركة التشكيلية (معارض داخلية وخارجية ومقتنيات وبيناليات..) الخ، ولم تكن تلك السيطرة إلا نتاج سياسات وزارة الثقافة آنذاك . ما الذي يدفعني لكتابة تلك المقدمة الآن؟ ربما لأننا ننسي فأحاول أن أذكر وربما لأننا لا نقرأ الماضي وبالتالي لا نتعلم من أخطائنا، وربما لأننا نسيء إلي الحاضر والمستقبل معا ونغامر بقيمنا وثقافاتنا وتاريخنا في تلك الفترة العصيبة والحرجة من تاريخ هذا الوطن المسكين! تصورنا أن الثورة حتما ستعيد حرث الأرض من جديد وتطهر ما أفسدته الحقب الماضية لكننا للأسف فوجئنا بالمعرض العام في دورته ال34 بمهزلة أعادت رغما عنا إلي الذاكرة ماسبق الإشارة إليه في بداية هذه السطور ولكن.. كيف؟ أولا: لا يخفي علي أحد أن فلسفة و مفهوم المعرض العام لايختلف عليه إثنان فهو منوط به التأريخ لشكل الحركة التشكيلية في لحظتها الراهنة بما تمتلكه الساحة من إبداعات حديثة لايتجاوز تاريخها عامين .لذلك يكتب هذا الشرط في استمارة الاشتراك بشكل مباشر وواضح وهذا مالم يلتزم به القوميسير ولن أقول اللجنة لأنني أعرف جيدا أن القوميسير قام منفردا بتغيير كل ما أوصت به اللجنة وبالتالي تعامل مع المسألة باعتباره المسئول الأوحد عن شكل العرض وماهيته. فها هو يعرض أعمالا جاوز تاريخ انتاجها ربما أكثر من عشر سنوات بصرف النظر عن أسماء فنانيها وعلي سبيل المثال لا الحصر أعمال الفنانين صبري منصور، سيد عبده سليم ،السيد القماش ،عبد الهادي الوشاحي نعيمة الشيشيني ، وغيرها وهذه الأسماء بالقطع لفنانين كبار أثروا الحركة التشكيلية بإبداعاتهم ولا يمكن التقليل من شأنهم لكننا نتحدث عن فلسفة المعرض وشروطه المعلنة سلفا. ثانيا: في إطار المجاملات التي اطاحت بهيبة المعرض قام القوميسير بشكل خاص بعرض أعمال دون المستوي بل ربما لاترقي لمستوي المعرض العام إلا أن القوميسير واللجنة لم يهتما بما قدم من أعمال قدر اهتمامهما بتوقيع صاحب العمل وهذه مأساة لامعني لها سوي أننا مازلنا نخلط الخاص بالعام ونضحي بالقيمة في مقابل العلاقات. ثالثا: أيضا في نفس السياق من المجاملات تم عرض كم هائل من الأعمال التي لاترقي لمجرد أن تكون في معرض طلبة في مدارس المراحل الأولي والغريب والمدهش أن السيد القوميسير ويسانده في ذلك أحد أعضاء اللجنة يتحجج بعدم عرض أعمال لفنانين كبار بالشكل اللائق بأن عدد الأعمال كانت كثيرة وأن المساحات غير كافية للعرض بينما عدد الفنانين الذين تم عرض لوحتين لهم علي الاقل جاوز سبعين فنانا منهم عشرة علي الاقل انفرد كل واحد منهم بحائط كامل وكان الأولي له أن يحترم قرار لجنة الفرز في استبعاد الأعمال التي لا ترقي للعرض وبالتالي تتوفر مساحات أكثر للعرض وبدلا من أن يمنح أحد الفنانين مساحة لاتقل عن 40 م مربعاً بينما شروط العرض 2 متر طولي أو 6 أمتار مربع كان يمكن له توفير مساحات أكثر وبدلا من المجاملات التي لم تكن للفنانين الكبار فقط بل جاوزتها فطالت من هم مازالوا في مرحلة المراهقة الفنية أو يعرض نصف العمل المقدم من أحد الفنانين المعروفين ولا يكتفي بذلك بل يعرضها خلف الباب وأمامها طاولة تحجب عنها الرؤية ظل الجدل حولها هل هي طاولة أم لوحة ليس ذلك لعدم قيمتها الفنية ولكن للطريقة التي وضعت بها في قاعة اخترعها مازجا بشكل فوضوي وعبثي أعمال فنانين كبار وأعمال لفنانين فطريين وأعمال لاترقي كما سبق أن قلت لعرض مدرسي. رابعا: في أحد الممرات المؤدية إلي الطابق العلوي بقصر جحا أقصد قصر الفنون وهو ممر طويل يحوي نماذج لأعمال فنية بالخط العربي وهي نماذج هزيلة فنيا بعضها بإطاره ذكرني بتلك اللوحات التي تنتشر في الأسواق عند محلات الزجاج والبراويز التي لا يمكن قبول عرضها علي حوائط معرض له تاريخه وربما كان له قيمته. فإذا كان القوميسير بصفته نحاتا يجهل أصول فن التصوير والتشكيل العربي عبر فنون الحروفية العربية والتي حقق تواجدها علي الخريطة العربية فنانون كبار كضياء العزاوي من العراق والمهداوي من تونس ووجيه نحلة ومفيد زيتوني من لبنان وكثيرون يعرفون جيدا معني استخدام الخط العربي في التشكيل الحديث وليس في كتابة لافتات لاترقي للمشاركة في معرض متخصص للفنون التشكيلية إلا إذا كان هو واللجنة التي تورطت معه لم تتجاوز معلوماتهم عن فن الحروفية العربية خط الرقعة والنسخ كما يتعلمها الطلبة في مدارس الخط العربي والمدرسة الزخرفية وإذا كان القوميسير يجهل ذلك فكان الأجدر له الاستعانة بمن يفهمون في فنون التصوير حتي لا يقع بنا في مثل تلك الخطايا وحتي يحافظ علي القيمة الإبداعية والحضارية لهذا المعرض. خامسا: وإذا كان القوميسير أو اللجنة إذا كانت قد شاركته هذه الجريمة قد وقع في إشكاليات خاصة بالتصوير إما لعدم المعرفة أو لعدم الأمانة وكلاهما خطيئة فالمثير للدهشة والتعجب أن توضع معظم الأعمال النحتية علي الأرض أو تحت مستوي النظر في أحسن الحالات لتصبح رؤيتها نوعا من العبث الذي يوحي بالضرورة أن القائمين علي إعداد المعرض يجهلون تماما المبادئ الأبجدية لفنون العرض. ولاعجب إذن حين تقام الندوة الأولي والتي كان يديرها الفنان رضا عبد السلام بحضور هزيل لم يتجاوز عشرة شخوص بينما اختفي كل أعضاء اللجنة من المشهد تاركين القوميسيروحيدا يجني ثمار المهزلة ويردد الآية 35 من الاصحاح 15 من انجيل مرقص حين رفع المسيح علي الصليب وهو يردد.. الهي.. الهي.. لماذا تركتني. وأخيرا فإن المعرض العام بهذه الطريقة التي خرج بها يؤكد لي من جديد أهمية ماطرحته سابقا علي الفنان القديرد.أحمد نوار مقرر لجنة الفنون التشكيلية بالمجلس الأعلي للثقافة حين عجزت اللجنة علي الإتفاق علي تسمية قومسيير لبينالي القاهرة الدولي بعد أكثر من ثلاث جلسات فقد تبنيت فكرة استبدال القوميسير بلجنة متخصصة تتفق علي منهج وشروط وآليات عمل محددة تحول دون أن نكون ضحية تقصيير أو عدم معرفة أو جهل أومغامرة لأحد الشخوص الذين قد لايعرفون معني المسئولية فيصيبون غيرهم بالأذي. ألم يحن الوقت كي نتخلص ولو قليلا من هذا العبث؟