اكتست كل التكاتك في مدينتنا وكل مدن الصعيد بصور المرشحين علي الجوانب وفي الخلف بدلا من صور نانسي عجرم وإليسا وعمرو دياب* نسمع ونحن في المسجد أثناء صلاة الجمعة خطيبا، جيد الحديث، يحمد الله أن وهبنا ثورة ذهبت بالظلم وجاءت بالعدل ممثلا في حكم الشرع، ويطالبنا أن ننتخب من يطبق الشريعةسارت العملية الانتخابية بطيئة في أول الأمر، ثم تسارعت خطواتها مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وأصبح الصعيد عندنا مسرحا لدعاية انتخابية لاختيار رئيس جمهورية من بين 13 مرشحا، وهو ما لم يحدث في تاريخ مصر القديم والحديث، فلم تشهد حوائط مصر ولا أسوارها صورا لرئيس جمهورية محتمل قبل ذلك. في مدينتنا في الصعيد وضع أهل الصعيد طابعهم الخاص علي الدعاية الانتخابية للرؤساء. فأنت تجد بعض أعضاء حملة أحد المرشحين من يرتدي جلبابا بلديا ويحمل بين يديه أعدادا هائلة من البوسترات، ويسرع فجرا في لصقها علي حائط كبير أو سور مدرسة او جدار منزل، وامتلأت كل المساحات الخالية من الحوائط ببوسترات المرشحين، ثمة تطور حدث في تقنية الدعاية، فقد كانت الدعاية في الماضي تتم ببوسترات أسود وأبيض علي ورق عادي، ويتم دهان الحائط بالمادة اللاصقة وهي من النشا، ثم يتم لصق صورة المرشح، أما الآن فهي ملونة بطريقة طبيعية، والبوستر من الورق البلاستيكي الذي لا يتأثر بالماء ويلصق بطريقة ذاتية . الغريب أن هناك بوسترات بمساحات عملاقة قد وضعت علي حوائط بيوت بعض العائلات، بينما ترفض عائلات أخري لصق صور مرشح لا تؤيده وفي سبيل ذلك تقع بعض التحرشات والمشاحنات بين العائلات بسبب تأييد مرشح معين قد لا تؤيده العائلة الأخري، والتي قد تصل الي شجار بين أعضاء الحملة الانتخابية لمرشح وبعض أفراد العائلات وقد يقع الشجار بين أعضاء الحملة وأعضاء حملة مرشح آخر، بسبب محاولة مرشح لصق بوسترات بجوار مرشح آخر . ويدعي من لصق أولا علي سور مدرسة او سور كورنيش أنه وضع يده علي السور فلا يجوز لفريق حملة أخري أن يلصق عليه بعد أن لصق عليه هو .البوسترات والمالوتعكس البوسترات الحالة المالية لصاحب الصورة، فكثرتها وجودتها وتعدد اللقطات المصورة يشي بمقدرة مالية عالية، وهو ما بدا من خلال حملات محمد مرسي وعبد المنعم أبو الفتوح واحمد شفيق، فصورهم عالية الدقة ومتعددة ومنتشرة في كل مكان، وفريق دعايتهم واثق ومطمئن ويلصق أولا في الأماكن المميزة، مثل الميادين المكتظة، واستغلال الأماكن المصرح بها لشركات الإعلان، ويستخدمون الأشرطة الضوئية والشاشات الرقمية. أما عمرو موسي فقد ظهر في الصور التي أرسلت الي الصعيد في لقطات نصفية، أي يظهر نصفه الأعلي مرتديا بلدة كاملة بدون رباط عنق، ربما ليبدو شابا، او ليبدو متحررا، وهي صورة بأعداد كثيرة لصقت متجاورة بكميات كبيرة، فقد تجد صورا متلاصقة لمسافة عشرة أمتار علي سور كورنيش او مدرسة أو مصنع . من الطبيعي ان تشاهد سيارة ملاكي وقد لصق علي جانبيها صورة لمرشح، او علي زجاجها الخلفي، أما السيارات الصغيرة المخصصة للنقل فقد وضعت عليها بوسترات . وقد تشاهد سيارة عليها بوستر لمرشح، وفي اليوم التالي بوستر لمرشح آخر، مما يعكس ان من يدفع يعلن عن نفسه ومن لا يدفع لا يعلن. نصحو من النوم فنجد بوسترات احد المرشحين قد تم نزعها او تشويهها بمعرفة فريق حملة منافسه وهذا يحدث فجرا، وعندما بدأت فرق الدعاية تستخدم توقيت الفجر في لصق أو تشويه صورة مرشح آخر، يبدأ الصدام بينها، وبدلا من الصدام بدأت الفرق حملاتها بعد منتصف الليل، وغاب فريق الحملات، وظهر بدلا منهم احد البلطجية أو الفتوات في المنطقة ومعه بعض الصبية يقومون باللصق والتشويه حسب الأحوال . تكثر البوسترات والصور في الأماكن التي يوجد بها تجمعات الناس، وعندنا توجد تلك التجمعات في مكانين لا ثالث لهما، أإما أمام مخبز، او أمام منزل عضو اللجنة الشعبية التي توزع البوتاجاز . ويكون الانتظار مملا وطويلا ويتذرع المواطن بالصبر والنظر الي الأوجه الباسمة في صور المرشحين دون كلل آملين بحل عاجل . كل بوسترات المرشحين تبتسم، وبعضهم اتخذ ابتسامة المفكرين، ولكن الابتسامة سرعان ما تشي بنوع من السخرية، ولا أعلم إذا كان المرشح المبتسم يسخر منا او يسخر من وضعه ولصقه بجوار كوم زبالة، او مزرعة مواش تفوح منها الروائح الكريهة، او مقلب دائم لمياه الصرف . مرشح واحد بدا ملتحيا وله شارب، وآخر لحيته قصيرة، وباقي المرشحين بدون لحي، وكلهم يرتدون الملابس الكاملة، لم نجد صورة لمرشح بقميص وبنطلون فقط، ربما لأن جلال المنصب يترفع عن تلك الملابس الشعبية، ولم نجد مرشحا يرتدي جلباب بلديا أو حتي إفرنجيا، مع أن نصف المجتمع المصري يرتدون الجلباب البلدي بأنواعه المتعددة. وربما اتخذت سبل الدعاية أشكالا ممنهجة وطرقا غير مسبوقة. فقد تجد منتقبة تدخل عيادة أحد الأطباء وتقوم بتوزيع صور المرشح علي المرضي الذين ينتظرون دورهم في الكشف الطبي، وقد يعطي لك صاحب صيدلية مع كيس العلاج صورة لمرشح مكتوب عليها بعض أقواله المأثورة لتعينك علي تحمل المرض . اكتست جميع التكاتك جمع تكتكفي مدينتنا وكل مدن الصعيد بصور المرشحين، علي الجوانب وفي الخلف، بدلا من صور نانسي عجرم وإليسا وعمرو دياب والشاب خالد والممثل الأمريكي أرينولد شواريزنجر عاري الصدر، وقد أخبرني سائق تكتك أنه مزق صور المرشحين التي كان يضعها بناء علي طلب زبوناته من النساء، وطلبن صورة عمرو دياب وأحمد حلمي وتيم الحسن وكريم عبد العزيز وغيرهم، بدلا من مرسي وموسي والعوا وشفيق . ندوات المرشحين أما عن ندوات المرشحين فقد حظيت مدينتنا بزيارات لكل من عمرو موسي والشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل قبل نكبته وعبد المنعم أبوالفتوح وحمدين الصباحي ومحمد مرسي. عمرو موسي زار مدينتنا بعد إعلان ترشحه بأسبوع واحد، في إطار جولة في الصعيد ومحافظة أسيوط، وزار رجال اكبر العائلات ممن كانوا أعضاء في مجلس الشعب علي قوائم الحزب الوطني في المرحلة الماضية، واعتقد الرجل أن هذا يكفي، ويبدو ان الرجل تلقي نصيحة من احد فريق حملته الانتخابية بأنه لابد أن يلتحم بالجماهير في لقاءات مباشرة، وأعاد الكرة في بداية شهر مايو . أما حمدين صباحي فقد زار مدينتنا مرتين، مرة بعد أن أعلن ترشحه، ومرة أخري في أوائل مايو، وفي المرتين لم يعد له القائمون علي حملته الانتخابية إعدادا جيدا، فكان جمهوره قليلا مقتصرا علي المدرسين من أعضاء نقابة المعلمين وفي ناديهم . أبوالفتوح زار مدينتنا مرة واحدة، واقتطع أنصاره جزءا من الشارع العريض، وأقاموا فيه سرادقا كبيرا وفخما، صفوا الكراسي في الهواء الطلق، وجاء الرجل في كوكبة من رجاله الملتحين وأساتذة الجامعات، واستعان ببعض رجال الدين المحليين لإلقاء خطبة الافتتاح، ثم تحدث الرجل عن برنامجه، وقال إنه سيوزع الأرض علي الخريجين وسيحقق الأمن، وسيطور الأزهر، وتلقي مئات الأسئلة أجاب عن اثنين فيها فقط منها سؤال عن موقفه من تطبيق الشريعة الإسلامية، فقال انه سيطبقها وهي من أولويات برنامجه . وفي الختام تنازع كبار العائلات علي دعوته لزيارة دواوين عائلاتهم، وتناول طعام العشاء معهم، ووصل النزاع الي حد التشابك، وكان المرشح حائرا، غير أنه كان ذكيا، ورفض ان يدخل أي منزل في المدينة حتي لتناول الشاي. أما حازم صلاح أبو أسماعيل قبل أن يجبروه عن الخروج من السباق، فقط زار مدينتنا، وصلي بها ظهر الجمعة، ولم يعقد لقاءه بالناس في المسجد، ولكنه عقده في سرادق أقيم بجوار المسجد وحرص علي حضور علية القوم ومن بينهم عدد من رجال الدين الأقباط، ودعا الشيخ أحدهم الي إلقاء خطبة في المؤتمر، وهو ما لم يفعله أحد من المرشحين قبله ولا بعده. وقد تسمع وأنت في المسجد أثناء صلاة الجمعة خطيبا جيد الحديث منسق العبارات يحمد الله ان وهبنا ثورة ذهبت بالظلم وجاءت بالعدل ممثلا في حكم الشرع، ويطالبنا أن ننتخب من يطبق الشريعة، ولا ننتخب أعوان إبليس، ولا فرعون ولا قارون، ولا من أهان المؤمنين من رجال الله، ننتخب من يأمر بالعدل والإحسان، وهم ظاهرون للجميع وبرنامجهم معلن للجميع وهو تطبيق الشريعة الإسلامية فقط لا غير . وان من ينتخب غيرهم فهو آثم قلبه لن يرضي الله عنه . ويبشره الله بسوء العاقبة، وأن الصوت أمانة ائتمنك الله عليها فلا تفرط فيه ولا تمنحه لمن ينادي بالحرية لعبدة الشيطان والبهائيين وأنصار تبادل الزوجات وحرية البنات، ثم يستغفر الله لنا جميعا، وبعد ان تمسك حذاءك بيدك وعند الباب أثناء خروجك من المسجد تجد صبيا يمد يده بورقة مصقولة ألوانها زاهية فيها صورة لمرشح ودعاء لك بحسن الخاتمة وتقبل الصلاة، وبجواره صبي آخر يمد لك ورقة فيها إعلان عن محل كشري جديد او محل لبيع الكبد والفراخ أو العطور. وإلي أن تبدأ الانتخابات.