طيبة التكنولوجية تُشارك في ورشة عمل لتعزيز قدرات وحدات مناهضة العنف ضد المرأة    «التنسيقية».. مصنع السياسة الوطنية    أسعار الريال السعودي في ختام تعاملات البنوك المصرية الجمعة 14 يونيو    مواعيد صلاة عيد الأضحى 2024 بمدن الوادى الجديد    «العمل»: تسليم شهادات تأهيل 40 متدربا على سوق العمل بالإسكندرية    العاهل الأردني يتوجه إلى إيطاليا للمشاركة في قمة مجموعة السبع    حزب الله يطلق عشرات الصواريخ على إسرائيل    جيش السودان: مقتل أحد قادة "الدعم السريع" في معركة "الفاشر"    سامسون يرحل عن الزمالك ويقرر شكوى النادي    وكيل أوقاف الغربية: 443 ساحة لأداء صلاة عيد الأضحى المبارك    أول صورة للضحية.. حبس المتهمة بقتل ابن زوجها في القناطر الخيرية    فرقة الإسماعيلية للآلات الشعبية تتألق بمركز شباب الشيخ زايد    أبرزهم السقا.. نجوم ظهروا ضيوف شرف في أفلام عيد الأضحى    برامج وحفلات وأفلام ومسرحيات.. خريطة سهرات عيد الأضحى على «الفضائيات» (تقرير)    هل صيغة التكبيرات المشهورة عند المصريين بدعة؟.. المفتي يحسم الجدل    السعودية تستقبل ألف حاج من ذوي الجرحى والمصابين في غزة    لبنان يدين الاعتداءات الإسرائيلية على جنوب البلاد    علي صبحي يكشف كواليس تحضيره لشخصية الكردي ب«ولاد رزق 3» (فيديو)    الحصاد الأسبوعي لأنشطة التنمية المحلية    عالم أزهري يوضح كيفية اغتنام يوم عرفة    حج 2024| النقل السعودية تطلق مبادرة «انسياب» لقياس حركة مرور حافلات الحجاج    رسميا.. كريستال بالاس يضم المغربي شادي رياض    تردد قناة الحج السعودية 2024.. بث مباشر للمناسك لمعايشة الأجواء    "ليس الأهلي".. حفيظ دراجي يكشف مفاجأة في مصير زين الدين بلعيد    الأمين العام لحلف الناتو: توصلنا لخطة كاملة لدعم أوكرانيا تمهيدا لقرارات أخرى سيتم اتخاذها في قمة واشنطن    القاهرة الإخبارية: مستشفيات غزة تعانى نقصًا حادًا فى وحدات الدم    طرق مختلفة للاستمتاع بعيد الأضحى.. «أفكار مميزة للاحتفال مع أطفالك»    تضامن الدقهلية: ندوة تثقيفية ومسرح تفاعلي ضمن فعاليات اليوم الوطني لمناهضة الختان    بجمال وسحر شواطئها.. مطروح تستعد لاستقبال ضيوفها في عيد الأضحى    "الأوقاف": إمام مسجد السيدة زينب خطيبا لعيد الأضحى    هل صيام يوم عرفة يكفر ذنوب عامين؟.. توضح مهم من مفتي الجمهورية    الصحة: تقديم خدمة نقل الدم لمرضى الهيموفيليا والثلاسيميا في 14 وحدة علاجية بالمحافظات    أكلة العيد.. طريقة تحضير فتة لحمة الموزة بالخل والثوم    «التعاون الدولي» تصدر تقريرًا حول استراتيجية دعم التعاون الإنمائي بين بلدان الجنوب    «الإسكان»: إجراء التجارب النهائية لتشغيل محطة الرميلة 4 شرق مطروح لتحلية المياه    الفرق يتجاوز 30 دقيقة.. تعرف على موعد صلاة عيد الأضحى في محافظات مصر    إزالة مخالفات بناء بمدن 6 أكتوبر والشروق والشيخ زايد وبني سويف الجديدة|تفاصيل    وزير الري يوجه برفع درجة الاستعداد وتفعيل غرف الطوارئ بالمحافظات خلال العيد    مقام سيدنا إبراهيم والحجر الأسود في الفيلم الوثائقي «أيام الله الحج»    65% من الشواطئ جاهزة.. الإسكندرية تضع اللمسات النهائية لاستقبال عيد الأضحى المبارك    لجنة الاستثمار بغرفة القاهرة تعقد أولي اجتماعاتها لمناقشة خطة العمل    «هيئة الدواء»: 4 خدمات إلكترونية للإبلاغ عن نواقص الأدوية والمخالفات الصيدلية    فحص 694 مواطنا في قافلة متكاملة بجامعة المنوفية    نصائح للحفاظ على وزنك في عيد الأضحى.. احرص عليها    القبض على 8 أشخاص فى أمريكا على علاقة بداعش يثير مخاوف تجدد الهجمات الإرهابية    نقل شعائر صلاة الجمعة من مسجد الكبير بالمحلة    إصابة شخص صدمته سيارة أثناء عبوره للطريق فى الهرم    ماس كهربائي كلمة السر في اشتعال حريق بغية حمام في أوسيم    مصطفى فتحي يكشف حقيقة بكاءه في مباراة بيراميدز وسموحة    الجيش الأمريكى يعلن تدمير قاربى دورية وزورق مسير تابعة للحوثيين    تشكيل الاهلي أمام فاركو في الدوري المصري    حاتم صلاح: فكرة عصابة الماكس جذبتني منذ اللحظة الأولى    يورو 2024| عواجيز بطولة الأمم الأوروبية.. «بيبي» 41 عامًا ينفرد بالصدارة    محافظ شمال سيناء يعتمد درجات تنسيق القبول بالثانوي العام    إنبي: العروض الخارجية تحدد موقفنا من انتقال محمد حمدي للأهلي أو الزمالك    فرج عامر: واثقون في أحمد سامي.. وهذا سبب استبعاد أجايي أمام بيراميدز    حظك اليوم وتوقعات برجك 14 يونيو 2024.. «تحذير للأسد ونصائح مهمّة للحمل»    كتل هوائية ساخنة تضرب البلاد.. بيان مهم من الأرصاد بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تفاصيل)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العمال.. ظاهرة سينمائية ازدهرت في أفلام الخمسينات والستينات وتلاشت في عهد
نشر في القاهرة يوم 01 - 05 - 2012

الخصخصة هل لاتزال احتفالات المصريين بعيد العمال تحتفظ بالرونق القديم نفسه الذي عهدناه به في أيام جمال عبدالناصر؟ وهل تخلي العمال الحقيقيون عن مكانتهم المقدسة في مسيرة الإنتاج بعد أن رضخوا لقسوة الخصخصة، وتم بيع مئات من المصانع والشركات الكبري لتهدم مبانيها وتتحول إلي مساكن وناطحات سحاب، مثلما حدث لشركة الغزل الأهلية في كرموز ومحرم بك بالإسكندرية، أم أن صورة العامل قد تغيرت، فلم يعد يهتم أن يكون عيد العمال بمثابة منح العاملين بالدولة إجازة من «الشغل» يوم الأول من مايو كنوع من الراحة بعد أن فقدت منحة هذا الاحتفال بهجتها، وقد ذابت بين مفردات المرتب؟ صورة طيبة رصدت السينما المصرية تحولات العمال منذ قرابة ثمانين عاما، وقدمت صورة طيبة لهذا العامل الذي ترك الماكينة يصيبها الصدأ، وملأ الأرصفة يبيع اشباه الأمشاط والفلايات. وعندما نقرأ تاريخ السينما المصرية مع صورة العامل سوف نكتشف أن طبقة العاملين كانت ظاهرة سينمائية زمنية في هذه السينما صعدت بشكل ملحوظ في فترات بعينها، ثم تقلصت في فترات أخري، وربما ابتعدت وتلاشت مثلما حدث منذ صعود الخصخصة، وحتي بعد قيام ثورة يناير فازدادت تضاؤلا. ورغم أن الطبقة العاملة في مصر قد تنامت مع مشاكلها منذ الثلاثينات من القرن الماضي، بدأ اهتمام السينما بها وحتي الآن فإنها تحولت إلي ظاهرة مثل جميع الظواهر، وهي تظهر ثم تختفي تبعا لظروف خاصة بالسينما من ناحية، وخاصة بحركة المجتمع من جهة أخري. في أغلب قصص السينما المصرية تري أن علاقة الأغنياء بالفقراء كانت بالغة الغرابة، فهناك ازدراء دائم للفقر، وعلي الفقراء الذين يظهرون في بعض الأفلام علي أنهم معدمون وهم بشر طيبون أن يكشفوا فيما بعد أنهم من الأثرياء أخفوا ثرواتهم لظروف خاصة مثلما حدث في فيلم «العريس الخامس» و«ابن الحداد» أي أن الأصل عند السينما هو الثراء وليس العكس، وأثرياء السينما في مستوياتها لم يكونوا من أصحاب المصانع، بل من ملاك الأرض الزراعية. إذًا فمنذ نشأة السينما المصرية وهي تعطي ظهرها للطبقة العاملة، وتتعامل معها بازدراء ملحوظ، فالفقير أو البسيط في الأفلام التي تم إنتاجها إبان الثلاثينات والأربعينات من القرن الماضي هو المجرم الحاقد الذي يسعي للابتزاز ودس المكائد، وقد ظلت هذه الصورة في حالات صعود، وهبوط حتي وقتنا هذا، وتحديدا للدراسة، فسوف نتناول من كل عقد زمني من عمر السينما المصرية فيلما أو أكثر يكشف صورة الطبقة العاملة التي تمثل غالبية المجتمع في هذه الفترة. العزيمة من أبرز الأفلام في الثلاثينات «العزيمة» لكمال سليم عام 1939، الذي تدور أحداثه في حارة بالقاهرة، ومحمد أفندي هو الشاب المتعلم الوحيدة بالحارة، يمثل المكان الذي يسكنه، حيث يتوق الأهل إلي تعليم أبنائهم، فالوظيفة الحكومية هي الأمل اللانهائي الذي يتطلع إليه الشاب المصري، حيث تضمن له دخلا شهريا طيبا طيلة حياته، ونتيجة للظروف التي يمر بها الأب، وهو يعمل حلاقا، فإن محمد أفندي الموظف هو أمل أهل الحارة، ولاشك أن اقترانه بفاطمة كان حلما عند أبيها ولفاطمة نفسها، إلا أن هذا الحلم يتبدد تماما حين يطرد من عمله بسبب ضياع ملف مهم، فيخفي محمد أفندي الخبر عن زوجته، ويعمل سرا كبائع في متجر يلف البضائع، وعندما تعلم الزوجة بالأمر فإنها تتعامل مع زوجها علي أنه خدعها، وتصر علي الطلاق.. وقد كشف فيلم «العزيمة» أزمة المتعطلين التي تسيطر حتي الآن علي الشباب، حيث يبحث ألوف الشباب عن عمل ولكنهم لا يجدون وظائف، وفي لقطات متتابعة قدم المخرج قصاصات من الصحف تكشف عن الأزمة ومنها عنوان تحقيق في إحدي الصحف جاء فيه «600 جامعي يتقدمون لوظيفة فراش». ويقول سعد الدين توفيق في كتابه «قصة السينما في مصر»: «ولكننا عندما نعيد الآن النظر في فيلم «العزيمة» فإننا نعتب عليه النهاية التي حل بها المؤلف مشكلة بكل القصة، إذ نجد أن الإنقاذ جاء علي يدي باشا رأسمالي.. ولعل هذه النتيجة غير المنطقية تحيرنا فتجعلنا نتساءل: كيف اختارها هذا الفنان التقدمي، علمًا بأنه هو مؤلف القصة وكاتب السيناريو ومخرج الفيلم؟ الأربعينيات وفي سنوات الأربعينات ظهرت مجموعة من الأفلام التي تدور أحداثها في المصانع وتتناول ظروف العمال الاجتماعية والنفسية من أبرزها «لو كنت غني» لبركات عام 1942، و«الورشة» لاستيفان روستي عام 1940، و«ابن الحداد» ليوسف وهبي عام 1944 و«العامل» لأحمد كامل مرسي عام 1943 و«سفير جهنم» ليوسف وهبي أيضا عام 1945 وغيرها من الأفلام. في فيلم «بركات» نري الأسطي محروس الحلاق البسيط الذي يحلم دوما بالثراء ويعد زملاءه من العمال أنه سوف يدافع عنهم إذا صار ثريا، هؤلاء العمال الذين يبتزهم صاحب العمل إلا أنه عندما يصاب بالثراء فجأة تتملكه نوبة هيستيرية هو وأسرته المكونة من زوجته وابنته وابنه فتبعا لهذا الثراء فإن محروس ينتقل إلي فيلا فخمة ويقتني السيارات والرياش ويبعثر أموال ويشتري مطبعة ويسند إدارتها إلي صهره، ويسي مصالح العمال أنه يتحول إلي رأسمالي جشع مثل رئيسة الأسبق ثم تجذبه النوادي الليلية فيبرز ويهمل بيته وينتهن الصهر هذه الفرصة فيسرق أمواله، فتهجره الزوجة وينحرف الابن وتباع المطبعة ويفيق الاسطي محروس من طيشه ويقسم أن يعود إلي الطبقة التي جاء منها ويعي بأن السعادة ليست في الثراء بل في الاقتناع بما قسمه الله للبشر من أرزاق. تكلم المخرج أحمد كامل عن فيلم «العامل» في نشرة جمعية الفيلم «العدد 22» أن حسين صدقي يعمل في مصنع كبير مملوك لأحد كبار الرأسماليين، وفي أثناء العمل يصاب عامل إصابة تكون نتيجتها أن يفصل من عمله دون تعويض، وكان هذا عرفا شائعاً وقتها، بلغ مرتبة القانون لدي كل الرأسماليين وكان أحد بنود المطالب العادلة للعمال في جوقة الصراع الطبقي منذ ثورة 1919، ويحدث أن تحتج مجموعة من العمال علي هذا الإجراء، ويبدأ المشرفون علي المصنع حملة إرهاب خفية ضد العمال الذين كونوا جمعية سرية وتعاهدوا علي النضال المشترك ضد صاحب المصنع ولصالح العمال. ويبدأ الإضراب العام لعمال المصنع تحت زعامة المجموعة القيادية، وعندما يحس صاحب المصنع بالخطر المؤكد يلجأ إلي الوسائل غير القمعية فيحاول استمالة زعيم المجموعة، وهو حسين صدقي، وذلك باغرائه بواسطة مديحة يسري، لكن لإيمانه القوي يحاول دون وقوعه في الشر، بل إنه يصبح صاحب مركز بكفاحه ونضاله، فلم ينس العمال الذين نجحوا في الاستيلاء علي مصنع الرأسمالي وإدارته ذاتياً، حيث يعطون لكل ذي حق حقه. الفيلم كما جاء علي لسان صاحبه يتناول مشكلة التأمينات، فالإضراب ينجح ويضطر صاحب العمل إلي التنازل في النهاية والاستجابة لمطالب العمال، وقد يكون هذا طريقاً يجب أن تسلكه الطبقة العاملة في كفاحها، وقد يكون مرحلة فحسب، لكن المهم هو ان قانونا قد صدر في أعقاب نجاح الفيلم غير المتوقع يقضي بالزام صاحب العمل بتعويض العامل عن الإصابة بسبب العمل، بل إن النقابات العمالية قد علا صوتها كثيراً وأطلقت علي بعض الأفلام «المخرج الأحمر». لقد كان أول فيلم في مصر يتناول بشكل مباشر ومن موقع متقدم مشكلة العامل. وحول الموضوع نفسه ذكرت مجلة «السينما والمسرح» يناير 1979 أنه بعد ظهور الفيلم شنت التشريعات العمالية التي ترعي العامل وأسرته وتنظم علاقته بمن يعمل لديهم، أما مصطفي عبدالوهاب فيؤكد في نشرة نادي سينما القاهرة «27 أكتوبر 1980» أن هذا الفيلم شاهده الملك فاروق متنكرا مع الناس، فأمر بإيقاف عرضه في الحال لأنه يفتح أذهان العمال علي حقوقهم المشروعة، ويدعو المنتج حسين صدقي وزير الشئون الاجتماعية عبدالحميد عبدالحق لمشاهدة الفيلم، فيأمر بعرضه بعد أن يعجب به، ويهنئه علي جهوده العظيمة في إنتاجه، لكن فؤاد سراج الدين يأمر بمنعه مجاملة للملك، باعتباره خطراً علي الأمن العام وتتألف لجنة عليا لمشاهدة الفيلم مع الجمهور فتقرر عرضه باعتباره فيلما إصلاحياً جيداً.. وهذه المعلومات علي مسئولية كاتبها. إنسانية الطبقة العاملة ومع بداية الخمسينات بدأت المناظير تتغير كثيراً في السينما المصرية فازداد الاهتمام بالكشف عن نقاب إنسانية الطبقة العاملة، وقد حدث ذلك في العديد من الأفلام وكان هناك عقاب صارم ضد كل عامل تسول له نفسه الخروج عن عشيرته، والترقي إلي طبقة الأثرياء مهما كان السبب، هذه الطبقة الثرية «النخبة» صورتها أفلام عديدة علي أنها فاسدة ينخر فيها السويس ويحولها إلي أطلال لا أمل في إعادة بنائها وفي أحيان أخري فانها تتسم بطيبة وخلق قويم، علي كل فأكثر حالات الصعود الاجتماعي الذي قامت به الطبقة العاملة إلي درجات أعلي منها، هو صعود انتهازي مثلما حدث في «الأسطي حسن» و«لست شيطانا ولا ملاكا» و«الشيطان امرأة» و«الأرملة تتزوج فورا» و«خيوط العنكبوت» و«صاحب الإدارة بواب العمارة» و«الجردل والكنكة».. والغريب أننا في مؤسسة كبري يمتلكها «مرجان أحمد مرجان» لم نتعرف علي عامل واحد فقط يعمل لدي هذا الانتهازي الفاسد. الأسطي حسن انتهز أول فرصة للخروج عن طبقته العاملة، كي ينقلب عليها فلا يعود إليها إلا بعد أن امتصت كوثر هانم من رجولته كل ما يمكنها الحصول عليه ثم تتجه إلي عصير آخر تمتص منه رجولة أخري.. ولو لم تنقلب كوثر هانم علي «الأسطي» حسن لظل هذا في نعيم يغرف منه، فالعامل هنا شخص غشيم يبحث عن الشهوة والصعود القائم علي قوة الجسد.. يبيع ماضيه وأهله، فهو لا يكتفي فقط بالارتماء في أحضان ساكنة الزمالك، بل إنه يطرد زوجته التي جاءت تبحث عنه لتخبره بمرض ابنه وهو يصرخ في وجهها: أنا شفت جوع وفقر، سيبيني أدوق طعم الدنيا. أما أمين في «الشيطان امرأة» لنيازي مصطفي 1972، فهو العامل في مصنع صغير للأقطان، وهو يعمل في وظيفته بالأمن محاطاً بالعديد من العاملات الجميلات وينساق وراء إحداهن التي تسرق القطن فيتركها تفعل، بل إنه يحميها ويندفع وراءها كي تنقله إلي طبقة عليا من خلال انغماس كل منهما في عالم الجريمة، إنه يلفظ الطبقة التي جاء منها وعندما أحس بخطر العودة إليها يقتل فتاته مثلما حاول الأسطي حسن ان يقتل كوثر هانم. وفي «لست شيطانا ولا ملاكا» لبركات نري صعود عامل آخر داخل مصنعه والصعود هنا مزدوج الوجه، فأحمد العامل في المصنع يدرس الهندسة يصير مهندسا أما كوثر التي تزوجت بصاحب المصنع من أجل إنقاذ أسرتها من الفقر ومن خلال رغبة الانتقام لقصة حب فاشلة، فانها تري حبيبها القديم يصعد اجتماعياً ويقترن بمهندسة من طبقة راقية. ومرسي في فيلم «الأرملة تتزوج فوراً» هو عامل آخر صعد السلم الاجتماعي من خلال اقترانه غير المتوقع بوريثة المصنع، هو رئيس عمال ماهر يتسم بالأمانة وحسن الخلق، ولأن صاحبة المصنع تكتشف أن زوجها الراحل كان يعاشر نساء أخريات، فانها تتزوج بمرسي نكابية في الورثة، وينتقل العامل من العنبر إلي المكتب كمدير للمصنع، ثم إلي فراش الأرملة الوثير كزوج، ولم يهتم الفيلم بالكشف عن علاقة مرسي بزملائه العمال فيما بعد وصار عليه أن يؤكد لصاحبة المصنع أنه رجل وفي، وإن تعرض لنكايات خاصة تحاول إثبات عكس ذلك. أغلب هؤلاء العمال الصاعدين اجتماعياً لا يرغبون العودة مرة أخري إلي الطبقة التي صعدوا منها، وهناك تمرد موجود داخل كل منهم ضد طبقته حتي وان غلفه ببعض العبارات التي تعبر عن انتمائه إلي طبقته الأصلية ، مثلما حدث في «لست شيطانا ولا ملاكا» لبركات ثم «خيوط العنكبوت» لعبداللطيف زكي 1985 . عامل الستينيات في الستينات من القرن العشرين، ظهرت مجموعة من الأفلام تمجد العمل وحياة العاملين وتدعو إلي ممارسة الشغل.. مهما كانت نوعيته، فالبرنس في الفيلم الساذج «الأيدي الناعمة» يجد نفسه مضطراً إلي ممارسة عمل يرتزق منه بعد أن تفسخت الطبقة التي ينتمي إليها في «النظارة السوداء» لحسام الدين مصطفي وقف المهندس إلي جوار العمال يدافع عن مصالحهم، ورغم أن المهندس ينتمي إلي الطبقة الوسطي فانه يقف ضد صاحب العمل من أجل عامل فقد ذراعه أثناء العمل، وحين يسعي المهندس إلي إحداث تغيير في حياة الفتاة ماجي فإنه يأخذها معه لزيارة العامل المصاب في المستشفي وعندما يتحول المهندس عن موقفه كمتمرد، فإن ماجي تواصل زياراتها لأسرة العامل ويكون هذا سببا في إعادة العلاقة فيما بين ماجي والمهندس الذي يرجع عن شططه، وفي فيلم «الحقيقة العارية» لعاطف سالم 1963، نري نموذجاً من العمال
يمارسون عملهم بحب، وهم يدقون أوتارهم في مواقع العمل أثناء بناء السد العالي، لكن الفيلم نظر إلي العمال بشكل هامشي قياسا إلي اهتمامه بقصة الحب التي ربطت بين مهندس يعمل في السد، وبين مرشدة سياحية جاءت للعمل في المنطقة وقد ظهرت هذه الأفلام لتواكب صدور قوانين يوليو الاشتراكية وتطبيقها، كما أن هذه الرؤية لم تتغير كثيراً في الفيلمين اللذين أخرجهما يوسف شاهين حول السد العالي وهما «النيل والحياة» 1968 و«الناس والنيل» عام 1972 . تغيرت الصورة الاجتماعية للعامل، فصار في سنوات الستينات هو الموظف التكنوقراطي فوق المكتب، ولو توقفنا مثلا عند الأدوار التي جسدها فريد شوقي في ثلاثة عقود، فانه في الخمسينات جسد مهنا مارسها أبناء الطبقة العاملة، ابتداء من العامل الميكانيكي في «الأسطي حسن» إلي الصياد حميدو وصول البحرية «رصيف نمرة 5» والسائق في «سواق نص الليل» والبائع الجوال في «الفتوة» والحمال في «باب الحديد» وبائع اللبن في «جعلوني مجرماً»، إلا أنه بدأ يرتدي بدلة الموظف البسيط في أفلام الستينات، مثل دوره في «العملاق» و«لعبة الحب والزواج» و«مطلوب زوجة فوراً» و«المغامرة الكبري» ثم اتجه لأداء شخصيات أخري في «الجاسوس» و«العميل 77» و«سكرتير ماما» وهي كلها أفلام أقل أهمية من تلك التي لعبها فيما قبل وجسد دور العامل بكل أشكاله. فترة الانفتاح ومع بداية السبعينات وسنوات الانفتاح بدأ التناول الحاد لمشكلة أبناء الطبقة العاملة يختفي إلي حد كبير وقد كتب الفاروق عبدالعزيز في الدراسة السابقة الذكر، ومع الانفجار الاستهلاكي علي جثة القطاع العام بعد 1971، ازدادت نسبة الأمية بمعدل مخيف وواصلت السينما رسالتها التي أخلصت لها منذ نشأة هذا الفن في بلادنا التحذير والابتعاد الكامل عن عامل الطبقة العاملة، وسري تيار الأفلام التي تمجد العالم البرجوازي، وتشيع التطلع إليه باعتباره حلما في ظل الصعوبات التي يواجهها التطبيق الاشتراكي في مصر، بل إني أؤكد أن الأفلام التي تناول الطبقة العاملة قد اختفت نهائياً مع بداية الستينات ولعل الأمر هو أحد الغاز السينما المصرية المكشوفة.. ربما. من سمات الطبقة العاملة في سبعينات القرن العشرين أنها تغيرت، وعند أول تحول أصبح الكثير من أبنائها انتهازيين، وهبطت البرجوازية الاجتماعية الصغيرة إلي طبقات أدني ماكانت عليه، وأصبح من الصعب وضع تقسيم علمي لما حدث في هذه المرحلة، وصار من العسير إطلاق أحكام مطلقة علي ماحدث من انتهازية، أو من تحول سلبي لهذه الطبقات. وقد اهتمت السينما بهذا التغيير فجعلته كل همها، ولا يمكن أن ننكر أن كل السينما المصرية ازعجها هذا التحول، فقدمته بكل مقاييسها، وتعني كلمة «كل» هنا كل المستويات الفنية الجيد منها والرديء، وانشغل كتاب السينما ومخرجوها بالبحث عن كل ما يمكن من تناول للتحول، مثل التباين الشديد الذي حدث بين أستاذ جامعي وزبال في «انتبهوا أيها السادة» لمحمد عبدالعزيز عام 1980، وصعود الزبال علي حساب هبوط الأستاذ، وقبل سقوط الطبقة البرجوازية المتمثلة في طلاب الجامعة الذين يعملون بعد التخرج في مهن لا تتناسب مع مؤهلاتهم من أجل مكسب أكبر في «الحب وحده لا يكفي» لعلي عبدالخالق، فالخريج يعمل في البناء تارة، ثم في الأعمال المشبوهة أحيانا.. أما الطالبة فانها تعمل غانية وتتلذذ بإذلال إحدي زميلاتها السابقات، أما التباين الأكثر وضوحاً فيبدو في المواجهة بين ضابط شرطة ولص ارتقي اجتماعياً في «أهل القمة» لعلي بدرخان، ويكون دخول هذا النشال التائب سببا لهدم قيم كثيرة عند الضابط. وقد ازعج مثل هذا التغير مخرجين من طراز محمد شبل لدرجة أنه يشبه أبناء الطبقة العاملة بأنهم «دراكولا» خفاش الليل الذي يمتص دماء ضحاياه، فالعامل هو الذي يستغل المواطنين فيرفع أجره إلي حد لا يحتمله إلي الموسرين، ويسعي إلي احتكار السوق من خلال ما يمارسه من أعمال الاستغلال متدنية. امتدت هذه الظاهرة إلي الثمانينات وصارت الشاغل الرئيسي للسينما المصري، ولم يختف العامل المصري تماماً من الأفلام مثلما تنبأ الفاروق عبدالعزيز، بل ظهرت أفلام تتناول وضعية العمال في ظل الخصخصة الشرسة، مثل «الخبز المر» لأشرف فهمي الذي يتحدث عن العمال في جمرك الإسكندرية، وهو صراع أقرب إلي ما صوره يوسف شاهين في «باب الحديد» انه صراع من أجل امتلاك لقمة العيش، حيث يتناطح العاملون من أجل الحصول علي أكبر قدرمن هذه اللقمة إلي حد اللجوء إلي العنف والقتل. حدث هذا أيضاً داخل أفراد أسرة واحدة في «عيون لا تنام» لرأفت الميهي، تدور الأحداث داخل ورشة في بولاق أبوالعلا ولأسرة تسكن داخل ورشة إصلاح السيارات، ويدور صراع بين الإخوة حول امتلاك الورشة، والأشقاء هنا قوم بلا أخلاق، يتناطحون من أجل امتلاك أشياء من المفروض أنها تربط بينهم «أين أمك التي تتكلم عنها، أنت لم ترها قط».. أحد هؤلاء الإخوة يستبيح لنفسه زوجة أخيه الأكبر.. لكن هذه المرأة سفاحاً يكون سببا في حل الخراب علي الجميع. تغيرت صورة العامل في «سواق الأتوبيس» لعاطف الطيب حيث ابتعد عن أجواء الطبقة العاملة كما عهدنا، فرغم أن الورشة هي البطل الرئيسي في الفيلم، فان هذه الورشة صارت خراباً وأعلنت إفلاسها وأصحابها رغم أن «حسن» يناضل من أجل إعادة أمجاد الورشة فانه يفضل العمل كسائق لأتوبيس، وأيضاً لسيارة أجرة في المساء من أجل أن يقيم أود أسرته، رغم أن إنقاذ الورشة كان ممكناً لو تفرغ لها. ويمثل «فارس» في فيلم «الحريف» لمحمد خان 1984 نموذجاً من أبناء الطبقة العاملة في سينما الثمانينات، فهو يكسب رزقه من العمل في محل أحذية، ومن موهبته في لعب الكرة الشراب، إنه يعرض لطرد من صاحب العمل وهو معرض لتجربة زواج فاشلة تدفعه إلي نبذ العمل بالورشة، بعد أن يختلف مجدداً مع صاحب العمل، وكل هذه الظروف تساعد فارس في أن ينحرف من خلال العمل بالتهريب مع أحد زملائه. تغيرت الصورة أكثر علي صعود أبناء الانفتاحيين في السينما الجديدة، فذهبوا إلي السواحل السياحية وعاشوا أوقاتهم السعيدة في عشرات الأفلام، ورأينا العاملين في بعض هذه الأفلام شبه عاطلين، ومجرد أشباح، وبالتالي فلم نعد نري أفلاما تدور أحداثها داخل المصانع، هذه المصانع التي تمت خصخصتها، وتحويلها إلي بنايات سكنية، واهتمت بعض الأفلام بأصحاب الأعمال، ومنهم كثيرون يهرولون وراء المال، والاختلاس وكما أشرنا فإن العاملين في مصر صاروا يتواجدون في الأرصفة وفي المجلس النيابي والبرلماني، وهناك استثناءات بالطبع، مثلما أشرنا لفيلم «الجردل والكنكة».. حيث نافس العامل رئيس مجلس إدارته في انتخابات مجلس الشعب.

انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.