في مثل هذا اليوم منذ قرن من الزمان وتحديدا في 10 أبريل 1912، انطلقت أكبر باخرة نقل ركاب في العالم تم بناؤها في ذلك الوقت، ألا وهي السفينة RMS Titanic أو "تيتانيك" كما هو متداول، وقد غرقت هذه السفينة الأسطورة أثناء إبحارها في المحيط الأطلنطي في أول رحلة لها، وكان غرقها بمثابةكارثة تحدث عنها العالم، و بعد مرور 100 عام علي هذه الكارثة، اكتشف العلماء سببا غير متوقع لغرق السفينة "تيتانيك" ألا وهو "القمر". ويعرف أي شخص مطلع علي التاريخ أو شاهد الأفلام الرائجة التي تناولت الكارثة أن سبب حادث السفينة "تيتانيك" قبل 100 عام هو أنها اصطدمت بجبل جليدي، ولكن عالم الفيزياء بجامعة تكساس "دونالد أولسون" درس وفريقه من علماء الفلك دور القمر في غرق السفينة وقال: "صلة القمر قد توضح كيف يتأتي لعدد كبير من الجبال الجليدية بشكل استثنائي أن تدخل في مسار سفينة "تيتانيك" العملاقة". ومنذ غرق "تيتانيك" تحير الباحثون من تجاهل قبطان السفينة الضابط "إدوارد سميث"، لتحذيرات من وجود الجبال الجليدية في المنطقة التي تبحر فيها السفينة. وكان سميث القبطان الأكثر خبرة في خطوط "وايت ستار" وأبحر علي "خطوط نورث اتلانتيك" في مناسبات عديدة. وكلف بقيادة الرحلة الأولي لسفينة "تيتانيك" الضخمة لأنه كان بحارا حذرا وذا خبرة. ويقول أولسون أن جبال جليد جرينلاند من النوع الذي ارتطمت به "تيتانيك" تعلق عادة في المياه قبالة "لابرادور" و"نيو فاوند لاند" ولا يمكنها استئناف التحرك جنوبا حتي تذوب بدرجة كافية فتطفو أو يحررها ارتفاع المد. فكيف كان مثل هذا العدد الكبير من الجبال الجليدية قد طفا في الجنوب ليكون في الممرات الملاحية جنوب نيو فاوند لاند في تلك الليلة؟ ودرس فريق أولسون تكهنات عالم البحار الراحل "فيرغوس وود"، بأن اقتراب القمر بشكل استثنائي في يناير 1912، ربما أدي إلي مثل هذا المد، مما فصل جبالا جليدية أكثر بكثير من المعتاد عن جرينلاند وطفت وهي لاتزال بحجم كبير في مسار الممرات الملاحية التي كانت قد نقلت جنوبا في ذلك الربيع بسبب تقارير عن جبال جليدية. قال أولسون ان حدثا نادرا وقع يوم الرابع من يناير عام 1912، عندما وقف القمر والشمس بطريقة تعزز جاذبية كل منهما الآخر. وفي الوقت نفسه كان القمر في يناير أقرب ما يكون إلي الأرض خلال 1400 عام وحدث اقترابه في غضون ست دقائق من اكتماله بدرا. وعلاوة علي ذلك كانت الأرض أقرب إلي الشمس في اليوم السابق. وقال أولسون "زاد هذا الوضع من قوة مد القمر علي محيطات الأرض إلي الحد الأعلي... هذا جدير بالملاحظة." وخلص بحثه إلي أنه للوصول إلي الممرات الملاحية بحلول منتصف إبريل فإن الجبل الجليدي الذي أصاب "تيتانيك" لابد وأنه انفصل عن جرينلاند في يناير عام 1912 وقال أولسون ان ارتفاع المد الذي نتج عن مجموعة من الأحداث الفلكية الغريبة يكفي لإزاحة الجبال الجليدية وجعلها تطفو بما يكفي للوصول إلي الممرات الملاحية بحلول شهر إبريل. فلاش باك وبالرجوع مائة عام للوراء وتذكرنا أول رحلة لتيتانيك، ترقب العالم بلهفة ذلك الحدث التاريخي، وهو قيام السفينة تيتانيك بأولي رحلاتها عبر المحيط الأطلنطي من إنجلترا إلي الولاياتالمتحدةالأمريكية في 10 إبريل 1912 فعلي رصيف ميناء "كوين ستون" بإنجلترا كان الاحتفال بالغًا بهذا الحدث الكبير، اصطف آلاف الناس من المودعين وغير المودعين يتأملون، بإعجاب السفينة العملاقة وهي راسية في الميناء في قوة وشموخ، والمسافرون يتجهون إليها في سعادة وكبرياء. ولاشك أن الكثيرين منهم كان يتمني في قرارة نفسه، لو يكون له مكان علي ظهر السفينة. وجاء الموعد المحدد لبدء الرحلة، فارتفعت الأعلام، وبدأت فرق الموسيقي المحتشدة علي رصيف الميناء تعزف موسيقاها الجميلة المرحة وسط هتاف المودعين والمسافرين، وبدأ صوت المحرك يعلو حتي أخذت السفينة تيتانيك تتحرك لتبدأ أولي رحلاتها وسط هذا الاحتفال المبهر. المارد العائم لم يكن اسم ال"تيتانيك" والذي يعني المارد، اسما مبالغا فيه في تسمية تلك السفينة فقد اتصفت بثلاث صفات لم تتوفر بغيرها من السفن وهي: "الضخامة، عدم القابلية للغرق، والفخامة". كانت "تيتانيك" اضخم سفينة ركاب شهدها العالم حتي الآن حيث بلغ وزنها 52310 أطنان وبلغ طولها 882 قدما، وبلغ عرضها 92 قدما، ويمكن تصور هذه الضخامة بشكل آخر فالسفينة تيتانيك يمكن أن تعادل في ارتفاعها ارتفاع مبني مكون من أحد عشر طابقا علاوة علي طولها الكبير الذي قد يعادل أربع مجموعات من الأبنية المتجاورة. كذلك لم يكن هذا المارد قابلا للغرق في نظر من صمموه فالسفينة ليست كغيرها من السفن حيث تنفرد باحتوائها علي قاعين يمتد أحدهما عبر الآخر كما يتكون الجزء السفلي من السفينة من 16 قسما (مقصورة) لا يمكن أن ينفذ منها الماء وحتي لو غمرت المياه علي سبيل الافتراض أحد هذه الأقسام فإنه يمكن لقائد السفينة وبمنتهي السهولة أن يحجز المياه داخل هذا الجزء بمفرده ويمنعها من غمر باقي الأجزاء. فقد تم بناء التيتانيك في حوض "هارلاند آند وولف" لبناء السفن في "بلفست" أو "أيرلندا الشمالية"، وكان من المزمع أن تكون التيتانيك إلي جانب أخواتها من السفن الضخمة، أوليمبيك وبريتانيك. تم تصميم هذه السفن من قبل "وليام بيري"، مدير كل من هارلاند آند وولف ووايت ستار، والمعماري البحري "توماس أندروس" مدير إنشاءات هارلاند آند وولف ورئيس قسم التصميم، و"أليكساندر كارلايل"، المخطط الأول للحوض والمدير العام له. وهذا الأخير كان المسئول عن البنية الفوقية للسفن الثلاثة، لكنه ترك المشروع في عام 1910 قبل إطلاق السفن. تم البدء ببناء التيتانيك في 31 مارس 1909 بتمويل من الأمريكي "جون بيربونت مورجان" وشركته الخاصة. وأطلق هيكل السفينة في 31 مايو 1911 وتم الانتهاء من التجهيزات في 31 مارس من السنة التالية. هنالك 29 غلاية يتم تشغيلها باستخدام 159 فرناً لحرق الفحم والقادرة علي دفع السفينة بسرعة قصوي تبلغ 23 عقدة (43 كم/ساعة؛ 26 ميل/ساعة). ثلاثة من الأربعة مداخن البالغ طول كل منها 19 متراً فقط هي التي تعمل، أما الرابعة والمستخدمة في التهوية فقد وضعت بالأصل لجعل شكل السفينة مثيراً للإعجاب. بداية النهاية كما بدأت السفينة تيتانيك رحلتها بالفرح والأمنيات الحلوة استمرت رحلتها عبر المحيط علي هذا النحو لأربعة ليال كاملة. فراح كل من عليها يستمتع بأجمل الأوقات، كان الاستمتاع بجمال وفخامة السفينة بحجراتها الواسعة الأنيقة ومطعمها البديع وما يحمل من أشهي المأكولات المختلفة هو نوع آخر من المتعة الكبيرة التي حظي بها ركاب السفينة ومن ناحية أخري كانت السفينة تيتانيك قد قطعت شوطا كبيرا من رحلتها الأولي بنجاح وهدوء تام، أثبتت فيه جدارتها الفائقة في خوض البحار، وقد دعا هذا إلي زيادة سرعة السفينة بدرجة كبيرة وإطلاق العنان لها بعد أن تأكد لطاقمها جدارتها في خوض البحر خلال الخمسمائة ميل السابقة وأما قبطان السفينة، كابتن "إدوارد سميث" والبالغ من العمر 62 عاما فقد كان اسعد من عليها، فهذه الرحلة الأخيرة له والتي يختتم بها ما يزيد علي ثلاثين عاما من العمل في أعالي البحار، والذي شهد له الكثيرون خلال هذه الفترة بالنجاح والمهارة الفائقة. وفي 14 إبريل 1912 وهو اليوم الخامس من رحلة السفينة بدأت المخاطر تتربص بالسفينة العملاقة ومن عليها من سادة القوم فمنذ ظهيرة ذلك اليوم حتي آخره، تلقت حجرة اللاسلكي بالسفينة رسائل عديدة من بعض السفن المارة بالمحيط ومن وحدات الحرس البحري تشير إلي اقتراب السفينة من الدخول في منطقة مياه جليدية مقابلة للساحل الشرقي لكندا. وعلي الرغم من هذه الرسائل العديدة التي تلقتها السفينة، لم يبد أحد من طاقمها، وعلي الأخص كابتن سميث، أي اهتمام. حتي أن عامل اللاسلكي قد تلقي بعض الرسائل ولم يقم بإبلاغها إلي طاقم السفينة لعدم اكتراثهم بها! وفي حوالي منتصف نفس هذه الليلة، وبينما فليت مراقب السفينة يتناول بعض المشروبات الدافئة لعلها تزيل عنه البرد القارص في هذا الوقت، فجأة رأي فليت خيالا مظلما يقع مباشرة في طريق السفينة، وفي ثوان معدودات بدأ هذا الخيال يزداد بشكل ملحوظ حتي تمكن فليت من تحديده..إنه جبل جليدي، فقام فليت بسرعة بإطلاق جرس الإنذار عدة مرات لإيقاظ طاقم السفينة، كما قام بالاتصال بالضابط المناوب واخبره بوجود جبل من الثلج يقع مباشرة في اتجاه السفينة حيث قام بسرعة وأمر بتغير اتجاه السفينة ثم بإيقاف المحركات. العبث ولكن لم يكن هناك أي فرصة لتجنب الاصطدام، فارتطم جبل الثلج بجانب السفينة ومن الغريب أن هذا التصادم لم يكن ملحوظا أو مسموعا بدرجة واضحة، حتي أن باقي أفراد طاقم السفينة قد ظنوا انهم نجحوا في تغيير المسار وتجنب الاصطدام. أما عند قاع السفينة فكان هذا التصادم يعني شيئا اخطر بكثير مما اعتقده ركاب السفينة، فبعد توقف السفينة عقب حدوث التصادم، اكتشف الفنيون حدوث كسر بجانب السفينة تسللت منه المياه وغمرت خمسة أقسام من الستة عشر قسما بأسفل السفينة، كما توقفت الغلايات عن العمل تماما، وامتلأت أيضا حجرة البريد بالمياه التي طفت فوقها عشرات الخطابات، مما يشير إلي كارثة وان غرق السفينة تيتانيك أمر محتم. لم يحاول كابتن سميث تفسير ما حدث، لكنه تصرف بطريقة عملية فأعطي أوامره في الحال بإيقاظ جميع الركاب لإخلاء السفينة وإعداد قوارب النجاة، كما أمر بإرسال نداء الإغاثة (SOS) ولكن كانت هناك مشكلة أخري واجهت سميث، فعدد ركاب السفينة هو 2201 راكب، بينما عدد قوارب النجاة الموجودة بالسفينة لا تكفي حمولتها جميعا إلا لنقل 1100 راكب. وكانت الكارثة وهي غرق تيتانيك بالكامل بعد ساعتين وأربعين دقيقة من لحظة الاصطدام في الساعات الأولي ليوم 15 إبريل 1912، كان علي متن الباخرة 2,223 راكب وأفراد طاقم المركب، نجا منهم 706 أشخاص فيما لقي 1,517 شخص حتفهم. وفي ذكري تيتانيك المئوية نتذكر الفيلم الشهير الذي حمل اسمها والذي انتج عام 1997 ليحقق أعلي ايرادات حول العالم، ومما هو جدير بالذكر أنه في عام 1898 (14 سنة قبل مأساة تيتانيك)، مورغان روبرتسون Morgan Robertson كتب رواية أطلق عليها اسم العبث Futility. كانت هذه الرواية الخيالية تدور حول اصطدام أضخم سفينةِ بنيت علي الإطلاق بجبل جليدي وغرقها في المحيط الأطلسي في ليلة باردة من ليالي إبريل. كان اسم السفينة في الرواية تايتان Titan وأعتبرها في بداية الرواية غير قابلة للغرق.