أصلان وبهاء طاهر والغيطاني ويوسف القعيد وخيري شلبي وغيرهم.. أبناء جيل واحد، أطلق عليه النقاد جيل الستينات. وقال أحد النقاد إن أصلان همنجواي مصر. وزكاه نجيب محفوظ في رسالة بعث بها إلي لجنة التفرغ وقال عنه إنه كاتب فذ. وقال بهاء طاهر إن اللغة الموضوعية التي كتب عنها يحيي حقي، جسدها أصلان في كتابته أبرع تجسيد. وقال محمد المخزنجي إن أصلان كان من أرق وأدق وأرهف الموعدين بنعمة الخيال. وقال أصلان عن نفسه.. إنه قرأ «موت موظف» لتشكيوف عدة مرات، وبعدها قرر أن يكون كاتب قصة قصيرة. وحين طلع علي القراء بمجموعته الأولي «بحيرة المساء» 1971.. شدتهم، بهرتهم، ولفتت إليه أنظار النقاد.. وأعيد طبعها عدة مرات. واعقبها بروايته «مالك الحزين» 1983، فجذبت انتباه المخرج الجميل داود عبدالسيد، مما دفعه لتحويلها إلي فيلم «الكيت كات».. قام ببطولته محمود عبدالعزيز، وعايدة رياض.. وأصبح فيما بعد من علامات السينما المصرية. تتالت بعدها أعماله «يوسف والرداء» قصص قصار 1987.. «عصفور النيل» رواية «وردية ليل» قصص استلهمها من تجربة العمل بهيئة البريد «خلوة الغلبان» قصص 2003.. «حكايات فضل الله عثمان» العام نفسه. «شيء من هذا القبيل» 2007.. «حجرتان وصالة» 2010.. «صديق قديم جدا»، عدة فصول نشرت بالأهرام.. عاجلته المنية قبل تمامها. ترجمت أعماله إلي الانجليزية، الفرنسية، الألمانية، الإيطالية والإسبانية. حصل علي عدة جوائز: التقديرية 2003، كافافيس الدولية 2005، ساويرس 2006، ورشح لجائزة النيل قبل وفاته 2012، سيعلن عنها يونية المقبل. طبعت سلسلة فصول مجموعته «يوسف والرادء»، وأعيد طبعها في سلسلة الأسرة، سنتناول منها ثلاث قصص هي علي التوالي «ولد وبنت»، «بندول من نحاس»، «رياح الشمال»، وكلها تتحدث عن علاقات إنسانية ممتزجة بعاطفة الحب، في قصة «ولد وبنت» التي تحولت إلي سهرة تليفزيونية، في برنامج استوديو القصة القصيرة، بقناة النيل للدراما.. لا يقص فيها إبراهيم ولا يسرد سردا مألوفا، إنما يرسم مشهدا لفتي وفتاة «يسيران تحت الأشجار علي طول طريق خال من المارة.. يتحدثان عن أمها وأبيها وأختها، وعن زميلة ثالثة لها، وعن اختلافهما حول لون عينيها بعد استمرار العلاقة بما يزيد علي عام أو أكثر». باقتصاد وبتركيز كبيرين إلي حد أقسم بالله أنه أذهلني.. لاستطاعته، وبعبقرية نادرة الحدوث أن يرسم مشهدًا لعلاقة حب: كتب لها الدوام والاستمرار، دون أن يفصح أحدهما، الفتي أو الفتاة، أو يرد علي لسانه كلمة واحدة مباشرة.. تشير إلي الحب. في القصة الثانية «بندول من نحاس» لا يلتقي الحبيب بحبيبته إلا نادرا، فبندول الساعة معطل وراكد، وخال من الحركة، وكأن أصلان يشير إلي زمن متوقف، الوقت وظروف كل منهما، جدران، يفصلاهما، يباعدان بينهما، المرأة مقهورة، ومهيضة، ربما بسبب القائم عليها، سواء كان أبا أو زوجا. لا يصرح أصلان بولي الأمر، إنما يهمس ممسكا، وقابضا علي زمام النص، مشيرا دون اقحام أو تدخل أو تعليق، فقط برهافة فنان يقودنا إلي الحبيب ليعرفنا أنه لا نملك إلا ذراعا واحدة وأنه يشك في دقة أنفه الذي لا يرضي عنه ولا يعجبه، وأنه كثير التبرير والاعذار. في قصة «رياح الشمال».. «البخار يتصاعد فوق سطح النهر، وأسفلت الشوارع المبتلة بما خلفته الأمطار، وعند السور الحجري القصير توجد أقفاص الخضر والبرتقال المغطاة بقطع الخيش» ص29 يعكس أصلان جو الوحشة والبرودة، التي يعانيها بطلا قصته، فالأول أحب في شبابه سيدة ألمانية متزوجة، ولم تزل تسكنه، وقد بلغ من العمر عتيا. والآخر لم يشعر بالوحدة وبإحاطة المرض به، وبقطار العمر الذي ولي وفاته، إلا حينما أحاط بقصة صاحبه «فأخذت الأشياء تتأرجح عبر ستارة رقيقة في عينيه من الدموع». رحم الله أصلان الجميل.